في إحدى المرات رأتني الخادمة المتنمرة أغلق باب غرفة مدام الفندي ، فجاءت إلى غرفتي بعدها و معها خادمة أخرى ثم قالت :" إذن "زوبة" تلك أعطتك المفتاح ، صحيح؟"
أجبتها بالإيجاب ، فمدت يدها إلي قائلة :" هات المفاتيح "
وقفت مبتعدة عنهما رافضة لطلبهما ، فقالت مرافقتها :" إذا لم تريدي تقديم المفاتيح فسنأخذها بالقوة "
بدأن البحث في كل مكان في الغرفة مبعثرات كل شيء ، لكنني كنت أخبأ المفاتيح في صدريتي كي لا أنساها ، ثم توجهن إلي صارخات فيّ "أين هي المفاتيح؟!" و أبَيت أن أخبرهما لأن السيدة "زوبة" اللطيفة وثقت بي .
ثم اختارتا العنف حلا ، فبدأتا بضربي ، و شدي من شعري بينما قاومتها قدر استطاعتي ، وبعدما تعبن من إيذائي و فهمن أنهن لن يأخذن شيئا مني ، انصرفن بينما تقول المتنمرة :" سترين ما سيحصل لك إذن"
اعتزلت نفسي في الغرفة خوفا و حزنا ، و جاء صديقي إلى هذا العالم ليحتويني ، إنه الإكتئاب ، في الواقع لم يغب عني أبدا ، فمازلت لا أنام ، و أعتزل نفسي كثيرا ، أشعر أني بلا قيمة والحزن المفاجئ و عدم الشعور بالمتعة أو الفرح على الإطلاق . طبعا من ذا الذي يمكنه أن يفرح في مثل هذه الظروف ...
كان المساء هادئا جدا ، لم أحس بهذا الهدوء إلا عندما بت لوحدي ، عندما خرجت لأتفقد سبب السكون في البيت ، وجدت نفسي بمفردي ، لم يكن هناك أثر للخادمات في أي مكان ، ثم عدت لغرفتي...
اعتقدت أنهن خرجن للإستمتاع ، لكن مرت ثلاثة أيام دون عودتهن ...
قلت في بهجة :" من الأحسن ألا يعودوا أبدا ، الراحة ! و السكون ! آه إنه السلام !"
أصبح من السهل تنظيف البيت كاملا ، مرة واحدة تكفي ، لأنني كنت الوحيدة في البيت و لا أحد ليخرب أو يفسد ، و بعدها أطهو الطعام أو أطلبه ليكفيني يوما كاملا ، و أجلس في الحديقة أتأمل أو أشاهد التلفاز في المطبخ .
"ليتني من يمتلك هذا البيت ، فآمر الخادمات ، و يصلني الطعام بسهولة و أبدو جميلة و لي كل الحظ و المال و البنون و كل زينة الحياة ... لكن لا ! الحياة ظالمة ، تعطي لقليل و تنزع من كثير ... لو وُلدت في ظروف مختلفة ، لو عشت في ظروف مختلفة ، لكنت أفضل من مدام الفندي ...
ولكن الحياة ظالمة ..." قلت أتأمل في كل ما تملكه مدام الفندي ، ليس حسدا و لكن غيرة ، تمنيت لو كنت مثلها ، فهي ملكت كل شيء .....********
بعد أيام أصبح الصمت رهيبا ، كلما جلست بلا شيء ألهي نفسي به ، أغرق في بحر من الأفكار و الصراع النفسي ، جزء مني تمنى لو أعيش كـ"يوليا" إلى الأبد ، و جزء يريد إنهاء حياتي ، و الباقي حائر خائف من المستقبل ، كنت أبكي خائفة في سريري ليلا "ماذا سيحصل معي غدا"
أصبح الغد مخيفا ، و الحياة متعبة ...
بعدها أصبحت أعمل كثيرا ، أفعل أي شيء كي يشغلني .كنت أنظف غرفة مدام الفندي عندما دخلت إمرأة آية في الجمال في نحو الخامسة و الثلاثين من عمرها ، فارعة الطول ، جميلة المظهر ، بيضاء كالعاج ، واسعة العينين و شعرها أسود أملس امتد إلى كتفيها ترتدي ثوبا كلاسيكيا أسودا ضيق و كعبا عالي . إنها المرأة في اللوحة الزيتية !
إنها "يوري الفندي"!
رمقتني بنظرة غاضبة قائلة :" مالذي تفعلين في غرفتي أيتها الخادمة ؟!"
أجبتها بنبرة مضطربة :" لقد إتمنتني السيدة "زوبة" على ترتيب غرفتك في غيابها يا ... مدام "
زفرت بقوة ثم ذهبت إلى علب جواهرها و خزانتها تتفقدها ، و عندما اطمأنت أنني لم أسرق شيئا قالت :" إنصرفي الآن و اطلبي من الطباخة أن تحضر فطائر اللحم للغذاء"
أجبتها بنفس النبرة المضطربة :" الطباخة ليست في المنزل"
-"ماذا ؟!"
-" نعم... لقد مر أسبوع وأنا بمفردي في الفيلا يا ... مدام"
-" هل جُنت "زوبة" ؟ كيف تسمح للخادمات جميعا بالرحيل !"
-" لا يا...مدام ... السيدة زوبة لم تسمح لهن بالخروج ... فقط بعد غيابها ...ذهبن لمكان ...ما ..."
أنت تقرأ
أنت يوليا
خيال (فانتازيا)تستيقظ لتجد نفسها في جسد شخصية من رواية مأساوية ، تسعى لأن تصلح حياتها مواجهة الإكتئاب و الإعتداء لتغوص في جوانب لم تذكرها القصة الأصلية ... كيف ستواجه الصعاب الجديدة ؟ كيف ستتغير ؟ و الأهم ، من تكون ؟ الكاتبة : مروة بوحفص مصمم الغلاف : نصر الدين...