صفحة جديدة

856 78 3
                                    

كانت ترتدي فستانا أنيقا و مريحا لئلا يعيق حركتها ، وتسدل شعرها الفحمي على كتفيها ، و على وجهها مكياج أنيق زاد جمالها جمالا ...
لقد كانت "يوري الفندي"!
دخلت و جلست خلف المكتب ثم حملت بعض الأوراق و صارت تقلبها و تقرؤها .
( يا إلهي ! آخر شخص أردته أن يعرف ما حصل لي ! ... سوف يتم طردي أخيرا !! يا لسوء حظي !)

" بالرغم من أنه خارج أعمالي ، و لا علاقة لي بالأمر ... إلا أنني قررت " قالت بهدوء ، بينما كنت أتصبب عرقا و أفرك كلا من يدي توترا .
"فليكن في علمك أنني أعرف كل ما يجري في منزلي ، كل كبيرة و صغيرة ... لا أسمح لأي كان في البقاء ...لنقل ، لم تكوني لتصبحي في هذا الشكل المزري لو عرفت متى تتوقفين يا "يوليا" ... " استطردت .
أجبتها في تعلثم ، فقد كان لحضرتها هيبة أكبر و أهم من "ذات العيون الرمادية" :" أنا على علم بذلك ، لقد قمت بارتكاب الكثير و الكثير من الأخطاء ... تصرفت بغباء ...ظننت أنني ...أنني لو تهربت من مشاكلي ستختفي ... لكنني كنت مخطئة ... بل و في النهاية ...خسرت..."
-" خسرت ؟ ... حسنا ... أنا أؤمن أن كل يوم جديد هو بداية جديدة ... أنت هنا فقط لأن "زوبة" من رأت أنك تستحقين ذلك ، حاولي إقناعي "
صمت قليلا ثم أجبت بتردد :" أنا أريد تغيير مجرى حياتي ! ... أريد أن أعرف من أكون و ما أريد أن أصبح ، و إلى أين أريد أن أصل ! أريد أن أغير حياتي ..."
قاطعتني مقهقة و كأنها تستخف بكلامي ، فاردفت متجاهلة ، محاولة إقناعها :" أنا يائسة و بلا مستقبل ، أعاني من الكآبة و الأرق و مشاكلي النفسية تكثر يوما بعد الآخر ! لقد حاولت التخلص من نفسي مرارا تكرارا ! ... أن أغيّر حياتي ... هو شبه مستحيل لكنني أريد أن أحاول ! سئمت من الألم !!"
إعتدلت في جلوسها و قربت كرسيها من المكتب ثم قالت بنبرة جادة :" أنا أتفهم ذلك ، و لكن أتعتقدين أن لك الكفاءة لهذا الأمر ؟ أتعتقدين أن المرء يغير حياته بهذه السهولة ؟ و يكفي أن يرغب بذلك ؟ أعرف أناسا قضو حياتهم في محاولة التغير لكنهم لم ينجحو قط ! لم تكن لهم القابلية و الإستعداد منذ البداية !... إذن أنت تعتقدين أن لك الموهبة ؟ تأتين بهدوء و سذاجة و تقولين أنك تريدين تغيير حياتك ، و كأن الأمر بيدك ! دعيني أقول لك أيتها الشابة : عزيمتك هي من تختار ، العزيمة هي من تقرر إن كنت قابلة لأن تغيري حياتك !"
هززت كتفي معتذرة غير مؤيدة ، لم أدّع قط أن الأمر سهل و إلا لما طلبت المساعدة ...
تشجعت للرد ثم قلت بعدما لملمت أفكاري :" أنا أعترف بجهلي يامدام ، و لا أدري إن كنت موهوبة ... و نعم أنا ساذجة ! ... أطلب منك أن تعلميني ..."
صمتت هنيئة ثم أجابت أخيرا :" حسنا... و لكن لا أضمن لك شيئا ، فإن لم يكن لديك ما يلزم من العزيمة و الإرادة لا تحقدي علي فليس الجميع بإمكانهم أن يغيروا حياتهم ، هذا مؤكد "
ثم وقفت و إلتفتت نحو الرفوف و غيرت أماكن الكتب ، ثم سحبت أكبر الكتب حجما و وضعته أمامي ، كتب على غلافه بأحرف حمراء :"تقدم نحو الأمام". ثم جلست مجددا و سحبت من الدرج مذكرة زهرية و قلم و وضعتهما فوق الكتاب .
" لنعتبر هذه لعبة ، أنت في المستوى الأول و هذه أسلحتك ، فلتقرئي الكتاب و تسجلي ملاحظاتك في المذكرة " قالت .
-" ... سوف أكون عند حسن ظنك ... هل ... غيرت حياتك من قبل يا مدام ؟"
-" طبعا ! لقد عشت في عائلة فقيرة ، و بذلت جهدي لكي أبدأ كل شيء من الصفر ! "
-" لكنك قلت أن أهلك أرسلوك لتدرسي في الجنوب"
-" نعم ، لكن هذا لا يعني أنني كنت غنية ... كما أنني كنت في شكل آخر تماما "ثم سحبت الدرج و أخرجت صورة و أرتها لي بينما تضحك ، كان في الصورة زوجان كبيرا السن و في الوسط فتاة بدينة قبيحة الشكل ترتدي ما يشبه الأسمال البالية ...
قالت و هي تعيد الصورة إلى مكانها و على عينيها نظرات من يشتاق إلى الماضي :" هذه ... كانت أول و آخر صورة لي مع والدي ... نعم ، كنت قبيحة الشكل ، فلنقل ، لم أكن أعرف كيف أعتني بنفسي ، و لكن حين عدت إلى الشمال و التقيت بعزيزي ، رأيت أن أغير من نفسي ، قمت بالعديد من الأشياء و فشلت كثيرا في التغير ... ثم عندما تعلمت أكثر و طبقت الأمور بطريقة صحيحة تغيرت للأفضل !... ليفاجأني عزيزي و يقول : لقد أحببتك كما كنت ... مغفل !"
كانت تلك أول مرة تحصل محادثة من هذا النوع مع "يوري الفندي" شعرت بقليل من الراحة و التوتر ، و السعادة لكونها لم تكن مثالية منذ أن ولدت ...
-" أتعرفين يا مدام ... لطالما أردت أن أكون مثلك ...جميلة مثلك .."
-" عليك أن تتوقفي عن محاولة جعل نفسك جميلة ، فلتصبحي صحية ، إعتني بنفسك ، بشرتك و أكلك و مكانك ، فلتصبحي مثقفة ، إقرئي و تعلمي ، فلتصبحي مرحة ، جدي هواية ، تعلمي حرفة ، أحصلي على أصدقاء ذوي عقول ، فلتثقي بنفسك و أحصلي على رأي و شخصية ، توقفي عن مقارنة نفسك مع الآخرين و الإستخفاف بقدراتك ،و لا تكرري الكلمات السلبية عن نفسك .. قولي أشياء إيجابية ... بهذه الطريقة تصبحين جميلة "
بسرعة حملت المذكرة و كتبت ما قالته ، بينما تراقبني هي مبتسمة .
" أتمنى أنك لن تخيبي ظني ! و الآن فلتنقلعي لدي الكثير من العمل لأتمه "
شكرتها ثم انصرفت آخذة معي "أسلحتي" الجديدة ، كانت السيدة "زوبة" تنتظرني خارج المكتب ، أخبرتها عن ما حصل ، و قالت أنها ستشجعني ...
(ربما سيمكنني أن أفتح صفحة جديدة مع نفسي ، و مع "يوليا" ... من هنا سأبدأ من جديد!)

أنت يولياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن