أيقضتنا السيدة "زوبة" في الصباح الباكر لكي نصطف جميعا في الردهة ، كانت كل الخادمات هناك ، لم تكن أي واحدة تعرف بوجود مدام الفندي في الفيلا ، كن ينظرن إلي بنظرات ساخرة و كأنهن يقلن :" هل نلت ما تستحقين ؟" و جوابي طبعا هو نعم ، نلت راحة رائعة في غياب الجميع .
لم تكن إلا لحظات حتى نزلت مدام الفندي ، بالرغم من نظراتها القاسية في تلك اللحظة إلا أنها كانت تبدو متألقة ، سارت بضع مرات ذهابا و إيابا محدقة في كل وجه من وجوه الخادمات ، ثم توقفت أمامي لبضع لحظات وكأنها تحاول التعرف علي ، ثم قالت بنبرة صارمة :"قفي أمام "زوبة"!! ". ترددت قليلا قبل أن أتحرك ، وقفت أمام السيدة "زوبة" فابتسمت لي .
-" البقية احملن خردواتكن من منزلي و انقلعن!" قالت مدام الفندي بنبرة صارمة قاسية خالية من المشاعر ثم باشرت في الإنصراف ، هلعت الفتيات و أخذن يترجينها و يعتذرن و يعدنها بالعمل ضعف ما كن يعملن ، و لكنها لم تنظر إليهن حتى ، توقفت مرة واحدة قائلة:" "زوبة" أنت تعرفين ما يجب أن تفعليه "، ثم انصرفت .
بدأت الفتيات في ترجي السيدة "زوبة" باكيات و لكنها كانت صارمة أيضا ، طلبت منهن للمرة الأخيرة أن يخرجن .قبل أن تدق الساعة الواحدة زوالا كان المنزل خاليا ، تقدمت السيدة "زوبة" مني و قالت بأنني حصلت على غرفة أخرى و علي أن أنقل ملابسي إليها قبل مجيء الخادمات الجديدات غدا .
(بهذه السرعة ، لقد طردت الكل هذا الصباح ، و ستحصل على خادمات جدد غدا ! أي امرأة تكون "يوري الفندي"؟!)
نقلت كل ملابسي بعد أن أنهيت عملي و الذي كان القيام بكل شيء في ذلك اليوم . خرجت السيدة "زوبة" بعد حديث ذلك الصباح و كانت لم تعد بعد ، الغرفة التي أُعطيَت لي كانت أكبر من الغرفة السابقة ، بها سريرين على الجانبين و نافذة كبيرة و خزانتين و طاولة جميلة تتوسط الغرفة ، أعتقد أنها كانت بسيطة بالنسبة لشخص مثلكم ، و لكن بالنسبة لي أحسست أنني في فندق ، أو ملكة ...*******
لفتت إنتباهي ساعة اليد تلك ، غريب أمرها ، كلما حاولت سحبها تؤلمني يدي ، حاولت التفكير في حل ما .
( هل حقا ستعطيني تلميحا ، تلميح عن ماذا ؟... لماذا أحتاج تلميحا ، أنا لست في لعبة أحاجي ...وحتى إذ.....ماذا لو كانت "يوليا" في جسدي الآن ، و تعيش حياتي البائسة ، ستفاجئ المسكينة كثيرة ، أنا واثقة أنني لم أمت ، لم أمت ...لم يكن لدي الوقت للتفكير في هذا الموضوع ...لـ..لهذا عقلي مشتت و تفكيري مبعثر ، لا يمكنني حتى التفكير في شيء واحد ....
هل أريد العودة لحياتي السابقة ؟ هل أريد العيش هنا ؟ مالفرق بين حياتي و هذه الحياة ؟ هل يمكنني أن أغير شيئا ؟ و هل التلميح سيدلني على شيء؟ ... لا أعرف .. لا أعرف ...لا أعرف ..)
بدأت في الإرتجاف (أحتاج للإختباء !) لكنني كنت وحيدة ، لا مكان لأختبأ فيه ، استلقيت على الفراش و انكمشت مرتجفة ، في تلك اللحظة أدركت أن ذلك المكان ليس عالمي (أنا لا أنتمي لأي مكان !) شعرت بالخوف ...الخوف من المستقبل .. الخوف من الوحدة ... الخوف من المجهول ...(أنا لا أعرف ماذا أفعل !) وضعت وجهي بين كفي مدركة الشعور المجهول الذي كان نتيجة مشاعر مختلطة ، وددت لو أنهي حياتي مرة أخرى (لكن ما...الفائدة ؟!) وهكذا قضت علي كل تلك الأفكار .. و المشاعر ، لأشرع في بكاء هستيري ، خرج جسدي عن السيطرة ، شعرت بألم شديد في رأسي ، و طاقة كبيرة في قدماي و يداي ، صرت ألطم نفسي ، أصرخ وأبكي ...بكلمات غير مفهومة (أنا بلا قيمة ... بلا فائدة ...)
و حينها فقط تفطنت إلى شيء لم أعره اهتماما في البداية (من أنا؟) كنت أتذكر شكلي و تصرفاتي ، لكني لم أتذكر أصدقائي الذين تركوني و لا شكل أفراد أسرتي (من أكون؟)
لم أتذكر حتى ...إسمي الحقيقي ! (هل كل شيء حلم ؟)
لم أتذكر باقي الغرفة في المشفى و لا وجه الممرضة (هل أنا ... لا بل هل تلك الذكريات غير حقيقية ؟) إعتدلت قليلا ، ثم استلقيت منهكة و كأنني صارعت ثورا ، لم أرمش و لم أحرك ساكنا لمدة ...(هل أنا "يوليا"؟...هل يمكنني أن أكون "يوليا"...؟)....
أنت تقرأ
أنت يوليا
Fantasyتستيقظ لتجد نفسها في جسد شخصية من رواية مأساوية ، تسعى لأن تصلح حياتها مواجهة الإكتئاب و الإعتداء لتغوص في جوانب لم تذكرها القصة الأصلية ... كيف ستواجه الصعاب الجديدة ؟ كيف ستتغير ؟ و الأهم ، من تكون ؟ الكاتبة : مروة بوحفص مصمم الغلاف : نصر الدين...