كنت شاكرة لـ"فدوكس" الذي ظل يحاول حل الأمور معي ، لكننا كنا جاهلين بالكثير من الأمور التي كانت تحيط بنا ، فإحتلال الجنوب كان سلميا بطريقة ما ، و لم يحدث الكثير من الضرر ، غير أن الجنود إنتشروا في كل مكان ، و كان مبكرا جدا ...
و تلك الخطوات التي كنت أسمعها خلفي ...
و التي أصبحت مخيفة جدا ، كنا جاهلين...في اليوم الذي تلا ذلك التفكير الذي لم يصل بنا إلى أي قاع في المشكلة إستيقظنا على دقات خشنة ، لم تكن السيدة "ياقوت" بل كان زوجها ، فتح له "فدوكس" الباب و أدخله ، لم يعرفا كيف ينظرا في عيني بعضهما البعض غير أنه كان من الواضح أنهما لا يكرهان بعضهما ... بل على العكس .
غيرت ملابسي بسرعة و خرجت لأسلم عليه .
أعد لنا "فدوكس" القهوة ثم جلس ، بعد مدة قصيرة من التحدث عن الطقس و العمل و الصحة دخل في صلب الموضوع الذي أتى من أجله قائلا :" لقد عاد "سنمار" منذ يومين ، لقد أخبرت أمك الجميع أنه ذهب في رحلة مع أصدقائه لمدة ... إنها تدعوكما لتحضرا هذا المساء و تشربا القهوة في البيت معنا إحتفالا بعودته سالما "
رد "فدوكس" ببرود : " طبعا ! سنأتي ، أنا شاكر لهربه و كونه جبـ... لا عليك سنأتي ، أنت مشغول الآن فلترحل لا أريد أن أعطلك عن أعمالك "
توتر والده قليلا ثم قال بتعلثم :" مـ...معك حق ، سأنصرف ، إلى اللقاء ..."
و خرج من البيت وعلى وجهه علامات الحزن .نظرت إلى "فدوكس" و وبخته :" لماذا تطرد أهلك هكذا دائما !"
إبتسم في سخرية قائلا : " أنا أذكرهم فقط بأن عليهم الرحيل ... أنت تعلمين يا عزيزتي أنني نفيت إلى هنا ، فلماذا علي أن أكون لطيفا ودودا ؟.... في الواقع أنا لم أختر الحرب ، لن أقاتل عائلتي الغبية ، بل سأرحل بهدوء ..."
ثم إقترب مني و ضمني برفق قائلا :" لدي "يوليا" الآن لذا لا شيء يهمني ..."********
في ذلك المساء ، إرتديت ثوبا بأكمام طويلة ضيقة ، أبيض مزين بتطريزات من زهور الكرز و يصل حتى الركبتين ، و وضعت مكياج خفيف و عطرا مناسبا . حرصت على أن أبدو بأبهى حلة كي أزعج السيدة "ياقوت" .
على عكس "فدوكس" الذي لم يغير ملابسه حتى أرغمته على ذلك ، قائلا أنه سيذهب من منزل إلى آخر ، و أنه ليس من المهم أن يبدو في حلة جيدة لأن عائلته -حسب إعتقاده- لا يستحقون ذلك .
وصلنا إلى بيت آل سندري ، فتح لنا والده و أدخلنا إلى غرفة الجلوس حيث كانت تجلس السيدة "ياقوت" مع إبنها و الذي أصبح بحال أسوء ، فقد زاد وزنه و نمت له لحية غير مشذبة و كان يجلس قريبا من أمه و كأنه طفل ، عندما رآني توسعت عيناه و بدا مفجوعا !
ثم نظر إلى أخيه في حقد و تمتم بكلمات لم نسمعها .
وقفت السيدة "ياقوت" و رحبت بنا بطريقة مصطنعة ، ثم جلسنا ، وضع "فدوكس" قدما على قدم و كفه على كفي ، بدى منزعجا من نظرات "سنمار" إلي .
تكلم الأب كاسرا الصمت :" سمعت أنك يا إبنتي تعملين في بيت مدام الفندي ، ألم يؤثر الإحتلال فيها ؟ ألم يأتوا لإستجوابها بعد ؟"
أجبته :" ليس بعد ، لكنها تتوقع أن يأتوا في أية لحظة ..."
نطق "فدوكس" :" الرجل الذي يعمل معي قال أنهم يمشون بالتسلسل ، إذ يستجوبونهم حسب المناطق "
فتح "سنمار" فغره في دهشة ثم قال :" أنت تعمل !؟"
إبتسم ثم رد بنبرة فيها سخرية :" نعم ، أنا أعمل و أدرس و متزوج ... هذه الأمور ستفهمها عندما تكبر !"
زأرت السيدة "ياقوت" :" إنه أخوك الأكبر كيف تتجرأ و تقول له هذا ما الذي تحاول الوصول إليه ! إنه أفضل منك على الأقل هو يحب عائلته !"
-" أنا لم أقل شيئا أمي ، حتى لو أحب كل من في هذا الكون أنا لا يهمني ، الحب لا يبني قصورا !"
في تلك اللحظة نظرت إليه في غضب و كأنه قال بذلك أنه لا يحبني ، فربت على كفي عندما إنتبه و همس لي بحبه ، ليس طمأنة لي ، بل لإزعاج آل سندري أكثر .
ثم وقف و سحبني معه قائلا :" لقد إحتفلنا بعودتك صغيري "سنمار" و لكن لدي أمور علي القيام بها أنا و زوجتي ، وداعا"
لم يوقفه أحد ، و إكتفى والده بالرد بنبرة قلقة :" إلى اللقاء يا بني "عدنا إلى الكوخ و بمجرد أن غابت الشمس دق الباب مجددا ، زفر "فدوكس" في غضب قائلا :" ما هذا الكم من الزوار اليوم ! "
أجبت في سخرية بينما يفتح الباب :" مرتين فقط ، ليس عددا كبيرا "
ثم تفاجأت من تغير نظراته المشرقة إلى باردة متجمدة و هو ينظر نحو الباب .
" تفضل بالدخول " قال مشيرا إلى الداخل .
" لا شكرا ، إن كبير القرية يطلب حضورك و زوجتك الآن في مكتبه " تكلم صوت محشرج خلف الباب ، أومأ له "فدوكس" و أغلق الباب ربما في وجه ذلك الرجل .لم تكن إلا دقائق حتى وصلنا إلى مكتب كبير القرية ، كان رثا يعج بالأوراق و الوثائق المتراكمة . إستقبلنا بلطف و جلس معنا في هدوء ، ثم دخلت السيدة "ياقوت" و معها "سنمار" .
بعد أن أخذ الجميع مواضعهم تحدث كبير القرية :" أنت تعلم يا "فدوكس" أن أمك قد خطبت "يوليا" لـ"سنمار" ، و أنها كانت مقدرة له منذ البداية ، إن أمك قد تسرعت و قدمـ.."
قاطعه "فدوكس" بنبرة غاضبة ونظرة مرعبة :" هل أنت جاهل ؟ هل ستقول لي أن أقدم زوجتي لهذا الحلزون ؟! "
صرخ "سنمار" :" إنها زوجتي أنا ! أنت سرقتها !"
وقف "فدوكس" و أمسكه من عنقه دافعا إياه على الأرض ، فنهضت السيدة "ياقوت" بجسدها الضخم و كأنها سترد الضربة أضعافا ، لكن كبير القرية أوقفها و أعاد بطريقة ما الهدوء ، ثم قال :" لكنك لم ترد الزواج بها ..."
تكلمت بعدما رأيت أنه لي الحق في حل هذا النزاع ، فقد كان من الواضح تماما أنني سأفضل "فدوكس" الحبيب على أي رجل في العالم بأسره :" لا أعتقد أنني سأقبل بـ"سنمار" بعدما تزوجت بأخيه الأصغر ثم إنني الآن أحـ..."
قاطعني "سنمار" مزمجرا بحدة :" أنت لا يحق لك التقرير أيتها الفقيرة ! "
( فاشل ، طفل في الثلاثين و تفتح فمك بكل جرأة ؟! سأريك !)
وقفت في غضب و قلت :" أنت طفل ! لا تعمل ، لا تفعل شيء و أعتقد أنك تلقي اللوم على شيء أو شيئين كعذر لعدم التغير ، على عكسك أنا لدي الحق في إبداء رأيي ، لأنني من قدمت بكامل حريتي ، لست عبدة لك أو لأمك أو حتـ.."
كادت السيدة "ياقوت" أن تصفعني لكن صدها "فدوكس" و كان يستشيط غضبا .
و قبل أن تبدأ الفوضى من جديد توصل كبير القرية إلى حل :" حسنا ، إذا كانت السيدة "يوليا" ما تزال عذراء فلابأس بعودته إلى زوجها الأصلي ، أما إذا كان العكس فهي زوجة لـ"فدوكس" و هكذا حللنا الأمر !"قادني الكبير إلى طبيبة القرية ، كنت قد إطمأننت لحله و كنت سعيدة و متحمسة لرؤية وجه السيدة "ياقوت" بعد النتائج .فحصتني إمرأة عجوز ، و عندما خرجت إبتسمت السيدة "ياقوت" و كأنها إنتصرت ...
( يا إلهي ، ماذا لو دفعت للطبيبة لتقول العكس ؟! سأذهب لطبيب آخر و حسب ، سأطلب الذهاب إلى طبيب في المدينة !!)
أنت تقرأ
أنت يوليا
Фэнтезиتستيقظ لتجد نفسها في جسد شخصية من رواية مأساوية ، تسعى لأن تصلح حياتها مواجهة الإكتئاب و الإعتداء لتغوص في جوانب لم تذكرها القصة الأصلية ... كيف ستواجه الصعاب الجديدة ؟ كيف ستتغير ؟ و الأهم ، من تكون ؟ الكاتبة : مروة بوحفص مصمم الغلاف : نصر الدين...