الحب ...
أنها إحدى الأفكار التي يؤمن بها الكثير من الأشخاص و التي رسخت في العقول من قبل أدب الخيال الرومنسي ...
فقد إختار الكثير من الروائيين هذا الموضوع ليكون حديث رواياتهم الوحيد ، إعتقدته وهميا في حياتي السابقة المجهولة ...
تلك الإعتقادات المصاحبة للحب الرومانسي و التي لا تنسجم مع الواقع ...
الفكرة التي مفادها أن هناك شخص مميز في مكان ما ستسوقه الأقدار إلي يوما ... وهمية !هذا ما كررته لمدة شهرين أو أكثر ، منذ اللحظة التي بدأت التغير فيها ، إلى أن صبت أنغام الحب همسها في آذاني معلنة أنني وقت في حب ذلك الشخص الطموح اللبق ...
"فدوكس السندري"..شرارة تتذبب في قلبي تجعل لرؤيته وقعا عظيما على نفسي ، و لو أنني كنت أراه كل يوم ، أصبحت أصغي له بإهتمام أكبر ، أهتم لكل تفاصيله ، أشعر بالأمان خلال تواجده ...هناك الكثير لأقوله عن حبي له... لكنه لن يكفي ...
( أنا فتاة سهلة حقا ، ما زلت أفكر في جاندار أحيانا ، بالرغم من كل ما حصل ، بالرغم من تحطم قلبي ... إلا أنني هنا ... أقع في حب "فدفود" يوما بعد الآخر ... )
رغم ذلك كنت خائفة ...خائفة أنني أعيد أخطائي و أنني يوما ما سأقف لأسمع أن "فدفود" يجد حبي له "مقززا" ...*******
كنت قد عدت إلى العمل منذ شهر، و خبأت الكتاب في غرفتي بالفيلا كي لا تحصل أي مشاكل مثل المرة السابقة .
كنت أنتهي من العمل بسرعة و أعود إلى المنزل حيث أجده هناك ينتظرني ، أو أنتظره ...في إحدى الصباحيات الباردة بينما كنا نحتسي القهوة إقترح "فدوكس" :" أنا آسف ، لقد إنشغلت كثيرا هذه الأيام ، يبدو أنك تشعرين بالضجر ، ما رأيك أن نخرج قليلا؟"
ارتج قلبي كالجرس لسماع تلك الكلمات ...
( أهو يدعوني إلى موعد رومانسي ؟!)
أجبته بحماس :" سيسعدني ذلك حقا !"
-" إذا جهزي نفسك ، سنذهب الآن !"
قفزت من مكاني بسرعة و ذهبت إلى الغرفة لأغير ملابسي و أنا أرقص من فرط السعادة .
رغم امتلاكي لملابس لائقة عديدة ، إلا أنني رأيت الخزانة التي تكاد أن تنفجر من ملابسي أكثر من ملابس "فدوكس" فارغة !
بعد بحث طويل و يأس ارتديت سروالا أبيض يكاد يكون ضيقا و كنزة صوفية كستنائية لم أشترها و لم أمتلكها يوما ، لقد إرتديت كنزة "فدوكس" ، ثم وضعت مكياج خفيف و خرجت .
( أخبرتني بعض الخادمات في الفيلا أنه لو ارتديت أقمصة زوجي ، سيراني ظريفة لطيفة !)
طالعني بطريقة متفاجئا ثم قال :" قلت سنخرج الآن و ليس بعد ساعات لما هذا التأخير ..."
صمت قليلا ، بدى أنه انتبه لقميصه ثم قال :" ... هذا ...قميصـ....ماهذا "يوليا" أتقاسم معك بيتي ، و طعامي ، ثم إنك أخذت غرفتي كاملة و الآن ملابسي ؟! "
خداي احترقا احراجا ، بحثت عن أي شيء لأقوله لكن الكلمات تبعثرت ، وقفت صامتة مطرقة الرأس ، حتى اقترب مني أمسك بيدي مبتسما :" تبدين جميلة على كل حال ... قميصي ما جعلك جميلة أنا واثق !"
( نعم ! نجحت ! )
ابتسمت بحماس و أخذت معطفي البني الفاتح و وشاحي الصوفي المزركش و ارتديت حذاءا دافئا ملائما بينما كان هو بسيطا متواضعا بسترته السماوية الصوفية و بنطاله الرمادي .
كانت القرية آن ذاك ترزح تحت موجة صقيع شديد ، تجمدت الحركات فيها و أصبحت شبه خالية إلا من أقلية من العمال العائدين إلى بيوتهم لتناول طعام الغذاء .
تقدم "فدوكس" يجر دراجته الهوائية نحو الطريق الرئيسي للمدينة ، عندما وصلنا إلى الطريق المعبد و الذي كان إشارة لنهاية حدود القرية ركبنا الدراجة معا ، لم أكن مستعدة نفسيا ، كل شيء حصل فجأة ، كانت الرياح الباردة تصفع وجهي بقوة و لم أكن أقوى على الإستدارة نحو "فدوكس" .
ما إن وصلنا إلى المدينة حتى عاد يجر الدراجة ، كان يتحدث عن معظم الكتب التي قرأها و الأماكن التي يريد الذهاب إليها :" السكن في المدينة .... إنه أشبه بالسكن في القرية ، أريد أن أذهب لمكان أبعد من هذا !"
-" إلى الجنوب ؟"
-" ربما ... إذا لم يأت الجنوب إلينا "
ثم ترك للصمت مكانا بيننا ، فسمعنا من بعيد ضجة ممتزجة بأنغام و موسيقى مختلفة ، أصوات ضحكات و هتافات ، نظر "فدوكس" إلي و أعينه تلمع حماسا قائلا :" هنالك مهرجان قريب من هنا ! "
( ألهذا السبب خرجنا اليوم ؟)
أسرعنا إلى حيث المهرجان ، كان مكتضا بالزوار و الدكاكين التي تعرض العديد من السلع المختلفة ، منها الحلويات و الألعاب و الأقنعة ، تتوسطها ساحة صغيرة تقام عليها عروض سحرية و مهرجين ، جربنا كل شيء : الطعام ، الألعاب ، لبسنا الأقنعة و شاهدنا العروض حتى مالت الشمس إلى الغروب و إكتست الدنيا حلة ذهبية .
رفعت نظري و رأيته يطالعني أكثر من مرة ، ثم نطق أخيرا :" فلنعد الآن " و قبل أن نعود ، أخذني إلى مطعم متواضع بسيط دافئ ، ثم عاد يطالعني ، أطرقت رأسي في حياء بينما يتراقص قلبي في صدري ، تاركة الصمت جليسنا .
ثم تحدث أخيرا ، بصوته العميق العذب :" لأكون صريحا ... لم أكن أريد أن أتزوجك ، أو حتى أقترب من أحد من آل سديل ، كنت قد حملت فكرة خاطئة عنك ، و أنا أعترف بهذا ، لأنني عشت معك قرابة شهرين و رأيت طبيعتك التي أنت عليها ... أنا حقا آسف على إعتقادي الظالم لك !"
حركت يداي في نفي لما قاله ثم أجبته :" لا داعي للإعتذار ، فأنا أيضا كنت قد حملت أفكارا خاطئة عنك من قبل ..."
لامس حواف كأسه الزجاجية ثم حملها و نظر إلي من خلالها و قال :" كان علي أن أنظر إلى الأمور من زوايا مختلفة ... يا إلهي رأسك يبدو كبيرا من هنا ! "
و أطلق قهقات ليكسو وجهه إبتسامة مشرقة كانت كافية لجعلي أحبه أكثر .
ثم تحول وجهه إلى جاد فجأة و قال :" إسمعيني "يوليا" ... أنت فتاة لطيفة ، جميلة و أيضا ذكية ، لا أعرف ما الذي قد يخفيه المستقبل ، لكنني لا أريد أن أتعفن في بيتي وحيدا .... أنت مختلفة عن معظم الأشخاص الذين قابلتهم ...مميزة ..."
كلامه هوى بي كما تهوي أوراق الأشجار مع الرياح ، فصرت أرتج و أتصبب عرقا بينما إشتد خفقان قلبي ، كنت أنظر في كل الإتجاهات إلا عينيه ، خفت أن أنظر إليه مباشرة ، تعثرت في الكلمات لأطلق أخيرا :" ما .. ماذا تقصد ؟"
تنهد ثم وضع كفه على كفي و أمسكه بقوة ثم بلطف ، شعرت بيديه ترتجفان ، ثم قال :" أنا ... أريد لهذا الزواج أن يستمر ، أريد أن تكوني زوجتي ! ...أنا ... أعتقد أنني أحبك ... أعرف أنني أبدو متسرعا ، لكن ... سأبذل جهدي ! سأكون سندا لك و زوجا جيدا ! سأوفر لك أي شيء تريدينه و..."
أنت تقرأ
أنت يوليا
Fantasyتستيقظ لتجد نفسها في جسد شخصية من رواية مأساوية ، تسعى لأن تصلح حياتها مواجهة الإكتئاب و الإعتداء لتغوص في جوانب لم تذكرها القصة الأصلية ... كيف ستواجه الصعاب الجديدة ؟ كيف ستتغير ؟ و الأهم ، من تكون ؟ الكاتبة : مروة بوحفص مصمم الغلاف : نصر الدين...