السهرة

1K 73 8
                                    

أضواء ملونة تتغير مع وقع الموسيقى الصاخبة ، الجميع يرقص في الحلبة بجنون ، ما عدى الأقليات التي جلست في الكنبات البنفسجية الراقية على الجوانب ...
كانت تلك حانة "الأرواح" التي أخذتنا إليها "زهرة" ، من كثرة تحمسها نسيت المال في المنزل ، فدفعت لها و للخادمات تذكرة الدخول و حتى الشراب ، لم أكن أشرب و لم يعجبني طعم الشراب يوما ، إلا أنني استمررت في الشرب كثيرا ، دون أن أسكر ... لم أستطع التحرك كثيرا في تلك التنورة القصيرة فاتخذت مكانا على إحدى الكنبات ، لم تعرني الفتيات اهتماما و منذ أن أخذن كؤوسهن لم أرهن .
كنت جالسة أقارن نفسي بكل الفتيات الجميلات ، لأزيد من تعاستي تعاسة . ثم استولى على نظري و تفكيري شاب طويل أسمر شعره مسرح بعناية مصبوغ بعدة ألوان متناسقة بطريقة ما لتظهر كقوس قزح . "لا بد أن له من الجرأة و الشجاعة الكافيين لصبغ شعره هكذا" قلت هامسة للكأس الذي يلامس شفتاي .
كان يرتدي سروال من الجينز و حذاء رياضي غالي الثمن كما بدى لي ... و قميص مزركش...مثل قميصي .
في اللحظة التي أدركت فيها ذلك إنكمشت على نفسي في وضعية غريبة محاولة عدم اظهار الإحراج الذي شعرت به و بسرعة سحبت أقرب وسادة زينة لأضعها كدرع .
( ياله من رجل وسيم ...محاط بالعديد من الأصدقاء لابد من أنه محبوب !)
ثم فجأة إلتقت أعيننا ، لقد إلتفت إلي ! أعطى المفاتيح التي كان يلعب بها بين أصابعه إلى أحد رفاقه ثم تقدم إلي . أردت أن أهرب في تلك اللحظة .
(هل هو حقا قادم نحوي ؟)
جلس بجانبي ثم قال بصوت عذب جعل جسدي يقشعر :"يقولون أن من يحدق فيك دون توقف ، إما يحقد عليك أو يحبك ، أي واحد منهما أنت "
جحظت عيناي ثم حركت يداي و كأنني سأقول شيئا ، لكنني لم أقل .
" لأكون صريحا ، أنا الآن أشعر بالإحراج و السعادة ، أولا لأن ربما هذا القميص الذي أرتديه نسائي و ثانيا لأن هناك شخص لديه نفس ذوقي ! أتحبين الألوان ؟" قال في عفوية .
-" نعم" و جدت نفسي غير قادرة على الإجابة إلا بهذه الكلمة .
-" أنا أعشقها !"
-"هذا واضح"
-" حقا ! الألوان هي البهجة ! هي السعادة ! "
-"أوافقك الرأي" قلت متصنعة ، أردت أن أوافقه على كل شيء يقوله ، أردت أن تستمر المحادثة و كذلك حصل ، استمر في التحدث عن كل شيء ، الطقس ، المال ، العمل ، أصدقاؤه و مغامراته في العام الماضي عنما سافر إلى الجنوب خلسة ، تحدث و كأنه يعرفني منذ زمن ، و كنت أجيب بخجل و تأتأة محرجة ، و طبعا لم أستطع التوقف عن تأمل الجمال الذي رزق به !
انتبه إلى كل تلك الكؤوس المصطفة على الطاولة و التي طلبتها عندما شعرت بالوحدة . قال لي بنظرة جادة :" يبدو أنك أتيت لتنسي همومك هنا ، صحيح؟"
-" ... نوعا ما ... نعم "
-" هنا في حانة الأرواح ، تلتقي الأرواح التي من المقدر لها أن تلتقي ، و تلقى راحتها ، هذا المكان هو الجنة بالنسبة لبعض الأشخاص أو المنزل ، كل شخص يأتي لأن لديه حاجة ، البعض يريد الإستمتاع و البعض يريد أن ينسى ...لذلك أيتها الأميرة لا بأس بطلب المزيد من الشراب و السكر لنسيان الهموم !" قالها محركا يده في طريقة درامية ، كيف للشراب أن ينسي الهموم ؟ لا أعرف و لكنني فعلت ماقال و كأنني تحت تأثير سيطرة ما و كل ما يجول في خاطري :"ناداني أميرة !" .
بعد عدة كؤوس شعرت بالغثيان ، طعم الشراب مقرف ، و لا يجعلني أسكر مثل الباقي ، و لكنني استمررت بالشرب ، لتستمر محادثتنا .
نظر إلى ساعة يده ثم قال : " يؤسفني أن أذهب لأقوم ببعض الأعمال الآن و أترك حديثنا الممتع ، هل سنلتقي مرة أخرى هنا ؟ غدا ؟"
قلت في أسف :" لا أعتقد ذلك ، لدي عمل ...لكن ...يمكنني القدوم مرة أخرى ...في نهاية الأسبوع القادم !"
-" حقا ! إذا سنلتقي هنا على هذه الكنبة !"
وسار بعيدا ...
لم تكن إلا لحظات حتى عاد مجددا قائلا : " إسمي "جاندار" و يدعونني بذو الروح... و أنت أيتها الأميرة ؟"
- " أدعى "يوليا" .."
-" "يوليا" معناه الأمنية صحيح ؟ إسم راق ! "يوليا" ! سيكون أسبوعا طويلا و سأكون في انتظارك "يوليا" "
ثم انصرف بسرعة ، كاد قلبي يرفرف ، لم أصدق ما حصل ! و كنت قد عرفت شيئا واحدا ! "جاندار" يعجبني كثيرا !!
من شدة حماسي تحركت في أرجاء الحانة الواسعة كلها ، حتى التقيت بـ"زهرة" ، قالت لي :" أين كنت ؟ بحثت عنك كثيرا !"
-" كنت جالسة في احدى الكنبات "
-" يعني أنك لم ترقصي أو تستمتعي بأي شيء ..."
-" لا ، لقد استمتعت كثيرا ! ربما قد أعود إلى هنا في الأسبوع القادم"
-" حقا ! هذا مذهل ! أنا واثقة أنك ستخرجين من حالتك الكئيبة بهذه الطريقة ! "
-" لقد تأخر الوقت علينا العودة الآن " قالت إحدى الخادمات ، ثم رجعنا إلى الفيلا ، لم أستطع النوم جيدا كالعادة ولكن تلك المرة كان كل ما في خاطري هو "جاندار" الوسيم اللطيف ! و تكررت جمله في رأسي كثيرا "سأكون في انتظارك " و " أيتها الأميرة "....

أنت يولياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن