تأملته بتمعن ناقلة عيناي من أخمص قدميه و حتى قمة رأسه ، بدا شابا يافعا فارعا ، يحمل مسحة من الوسامة بشعره الفحمي المتموج القصير و بشرته العاجية ، و تلك النظرة الجافة التي تطل من عينيه الضيقتين الكحليتين ، كان يرتدي سترة صوفية كستنائية و بنطالا أسود و يجر معه مدفأة كهربائية صغيرة ....
توقف لحظة ، كست وجهه علامات الإشمئزاز و تكلم بصوت عميق :" "أماليا" ؟!"
أجبت بتعلثم :" لا ... أنا .."يوليا" "
همس بكلمات استطعت سماعها :"أسوء !"
( هل أنا أسوء من "أماليا" في نظرك أيها الشاب ؟! هل فعلت لك شيئا من قبل ! أنت لا تحب "أماليا" ظننتك لولهة حليفي ! ولكن أنت تكرهني ؟! أو ربما أنت تحب "أماليا" ؟)
تحرك في الأرجاء دون أن يلتفت إلي ، متجاهلا تواجدي ، أخرج كل تلك الكتب المبعثرة من الغرفة و وضع حقائبي بدلها ، ثم شغل المدفأة و أحضر غطاءا و وسادة من الغرفة ..
ثم نظر إلي أخيرا و قال بطريقة جافة :" فلتنامي في الغرفة ، الوقت متأخر "
إبتسمت في خيبة لبرهة ، شعور أن يكرهني شخص لا أعرفه ...مؤلم
" عمت مساءا " قلت ثم أغلقت باب الغرفة ، كان شخصا غامضا لم يظهر من قبل في القصة الأصلية ، و حقيقة أنه قد كان يكرهني و يعتقد أنني أسوء من "أماليا" جعلتني كئيبة نوعا ما ، كنت أعرف أن "يوليا" لم تفعل شيئا له في السابق ، و لا أنا ...رميت نفسي على ذلك الفراش البارد و تغطيت جيدا ثم سمحت لدموعي أن تنزل أخيرا ، ربتتُ على رأسي و أبقيت تلك الإبتسامة الضعيفة المرتجفة على شفتي مرددة :" سيكون كل شيء بخير ! سأواجه أي شيء و سأكون بخير ! لا بأس" و رغم ذلك بكيت صامتة حتى غفوت ...
كان الصباح التالي شاحبا تنيره شمس ضعيفة تعكس ضوءها على الستار ليتخلل الجدران ...ثم توارت لتترك مكانها للمطر ، إخترقت أنفي رائحة فطائر محلاة ، نهضت من مكاني بصعوبة وكنت لم أعتد على ذلك المكان ، كان من الغريب أن أصحو لأجد نفسي في مكان غير غرفتي التي في الفيلا ، غيرت ملابسي ، إرتديت ثوبا صوفيا كرزي ينتهي إلى ركبتي، بأكمام عريضة و جوارب بيضاء طويلة ، سرحت شعري ثم تركته مندسلا و خرجت من الغرفة بخطى ثقيلة لأغتسل ، كانت المياه باردة و الجو أكثر برودة ، هطول الأمطار فقط جعلني أرتعش...
كان الشاب جالسا في المطبخ يشرب القهوة و يتجاهلني ، عندما جلست هناك أيضا ، نهض فورا وسار إلى الفرن ...
( لست مصابة بالجرب و لا بفيروس معدي ! لست مقرفة أيضا !! أيها الشاب الـ...)
ثم وضع أمامي كوبا من القهوة و حبات من مكعبات السكر و طبقا من الكعك المحلى ...
ترددت ، كان لبقا و كنت متوترة .
" شكرا ... صباح الخير " همست بطريقة مسموعة لكنه لم يبالي .
حمل الكتاب الذي كان يقرأه فاستطعت رؤية عنوانه ، لقد كان كتاب "تقدم نحو الأمام" ، أحد أفضل الكتب و "سلاحي" الذي قدمته لي "يوري الفندي" لأتغير !" تقدم نحو الأمام !" قلت ، ثم نظر إلي باستخفاف و كأنني قلت شيئا أرقى مني ثم أردفت في ثقة :" سيأتي يوم تخسر فيه نفسك ، قد يحدث ذلك حين ينكسر قلبك أو حين فقدان شخص عزيز ، أوربما حين تتم خيانتك أو خلال محاولتك لإرضاء الجميع ، ذلك مدمر و مؤلم و مفقد للأنفس ...أنت تتساءل "هل بإمكاني إيجاد نفسي ؟ هل يمكنني تخطي الأمر ؟" ثق تماما أن الإجابات هي نعم ... و باقي الكتاب تحفيزات و طرق و تجارب أشخاص قاموا من الحضيض إلى القمم ! إنه كتاب مذهل ، قرأته مرارا تكرارا لكنني لا أمله أبدا !"
لمعت عيناه و فتح ثغره مندهشا و كأنني قلت ما لم يتوقعه مني ثم تكلم بحماس وتغيرت ملامحه من جافة إلى بريئة لطيفة :" أقرأته حقا ؟! لا أصدق أن شخصا مثلك قد قرأه !"
رفعت نظراتي إلى السقف ثم زفرت و أجبته :" أي نوع من الأشخاص تعتقدني أيها السيد ؟"
إرتشف قليلا من قهوته و صار صامتا و كأنه حاضر بجسده فقط ثم أطرق رأسه و قال :" أي نوع ؟ النوع البليد ؟...أيحق لي أن أقول أنني أعتقدك شخصا خطيرا ؟ أو أنانيا ؟... لا أعرف ، أنا لم أتقرب منك يوما ، لا يحق لي أن أعتقد ... ولكن ... و لكن ..." ثم عاد إلى السكوت ورحل بعقله بعيدا ...
(أعتقد أنه يرى "أماليا" و تصرفاتها و يعتقدني مثلها فقط لأنني أختها ... )
إعتقاده كان خاطئا ، ربما ...
و لكنه أشعرني بالإختناق ، أردت أن أجيبه بشيء ما قد يصلح سوء التفاهم ذاك و لكنني لم أعرف بأي طريقة...
( أعتقد أنني قد أريه مع مرور الزمن ...)
أنت تقرأ
أنت يوليا
Fantasíaتستيقظ لتجد نفسها في جسد شخصية من رواية مأساوية ، تسعى لأن تصلح حياتها مواجهة الإكتئاب و الإعتداء لتغوص في جوانب لم تذكرها القصة الأصلية ... كيف ستواجه الصعاب الجديدة ؟ كيف ستتغير ؟ و الأهم ، من تكون ؟ الكاتبة : مروة بوحفص مصمم الغلاف : نصر الدين...