البداية

4.2K 155 17
                                    

فتحت عيناي لأجد نفسي داخل غرفة ؟ لا بل مساحة صغيرة تفصل غرفتين مفروشة بأفرشة بالية و تلفاز صغير على الرف ، على اليمين في الزاوية يوجد مطبخ صغير الذي يكاد أن يكون خاليا ، حاولت أن أنهض لكنني أحسست بألم كبير في جسدي ، بسرعة نزعت الغطاء ، لقد كانت تغطي جسدي آثار ضربات قديمة .

" مهلا ؟! ... هذه الأقدام الصغيرة الحليبية ؟ أنا لا أملكها ! كيف لا أعرف قدماي فأنا فتاة سمينة شاحبة البشرة و من المستحيل أن تكون هذه الأقدام النحيفة خاصتي !" قلت هامسة .

تقدمت إلي إمرأة تبدو في أواخر أربعينياتها قصيرة و منحنية الظهر عيناها بينيتين صغيرتين و بشرتها البيضاء قضت عليها الشمس فأصبحت داكنة إلا في قليل من الأماكن التي إستطعت رؤيتها من خلال ملابسها البالية ، كانت تغطي القليل من شعرها العسلي الجميل بشال أبيض فوقه قبعة قش ، بدت لي أنها متشردة ...

( هل هي من اختطفتني إلى هذا المكان ؟ أو أنها حملتني إلى هنا بعدما فقدت الوعي ؟ مثل ما حصل لي في آخر مرة ...)

 قاطعت تفكيري قائلة :" "يوليا" لقد جاء الرجل لإصطحابك ، إنه في الخارج مع والدك من الأحسن لك أن تسرعي "

(يوليا ؟)

" لابد من أنك مخطئة ياسيدة " قلت متوجهة نحو الباب ، توقفت أمام المرآة لأرى فتاة نحيلة متوسطة القامة ، ذات بشرة بيضاء حليبية و أعين كأعين القطة خضراء زمردية ، شفاه ممتلئة زهرية ووجه بيضاوي لطيف ، شعرها طويل عسلي أملس ، فتاة لطيفة المظهر ، لكن رُسم على وجهها الحزن ...

(مهلا... إنه إنعكاس لي ؟ ولكن هذه ليست أنا ! ... "يوليا"؟ أهذه "يوليا" من رواية " مملكة هزبر" ؟)

تواثبت دقات قلبي ، شعرت بدمائي تغلي و تفور ، ليس غضبا و إنما شعور أعرفه ، بدأت يداي تتعرق ، و قدماي ترتجفان ، شعرت بدوار و ألم حاد ... ألم نفسي ... 

(هذا ليس حلما)


******


لقد أدركت في تلك اللحظة ما فعلته ، و مالذي كنت فيه :

أنا إمرأة في الثلاثينات ، رأيت حياتي تسقط أمام عيناي وأصدقائي يتخلون عني الواحد تلو الآخر خلال فترة مرضي ، فصار الإكتآب أقرب أصدقائي ، يحرص دوما على إبقائي مستيقضة ، على الشعور بالذنب و الألم . ثم أحضر معه أصدقائه : نوبات الهلع و الوسواس القهري .

كنت على وشك الإستسلام من هذه الحياة ، لكني قررت عدم فعل ذلك ، توجهت للطبيب ، أردت أن أتعالج ، وبالفعل تخلصت من كثير من الألم ، توجه إهتمامي لإصلاح حياتي ، و لكن في كل مرة كان يظهر شيء يجعلني أشعر أني بلا قيمة ، كان علي أن أهرب إلى سماء الخيال ، فبدأت بقراءة الروايات الخيالية . لكن لم يجد نفعا ، دائما ما كنت أجد نفسي أغرق مجددا في بحر الواقع الخاثر .لذا قررت أن أنتحر ...

أنت يولياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن