٤٨

6.9K 251 2
                                    


الفصل الثامن و الأربعون
"تبدو كعائلة لولا  .. "
بيري باستعطاف : مريم نتفاهم بالعقل .
صرخت فيها مريم قائلة بقسوة :.....
- عقل !! انتي خلتي فيها عقل ، مين خدعك و فهمك إني ممكن أقعد هنا ، و مين إداكي الحق أصلا إنك تقرري عني
- أنتي مش كان ينفع تعقدي لوحدك .
- اخرسي خالص ما أسمعش صوتك ، إيه شيفاني عيلة برياله ، ما أنا طول عمري عايشة لوحدي اشتكتلك , إنتي مالك ؟!!
- مريم أنا عملت إيه لكل ده .
لمعت عيناها الحضراوتان بالدموع ، لكن  مريم هتفت بحنق :...
- عملتي إيه !لا أبدا !! جبتيني لبيت أكتر ناس بكرههم عشان أبقى عالة عليهم ، جبتيني للوجع بايدك ، جبتيني لمكان ماليش ذكرى معاه غير الوجع ..
شرعت بريهان في البكاء حتى ضاقت مريم ذرعا فهي تضعف أمام دموعها تلك .
في هذه الأثناء أصدر هاتف مريم الموضوع في جيبها اهتزازا حيث كان على الوضع الصامت ،   أخرجته من جيبها فوجدته جدها ... حمدت الله في سرها ، وخرجت من الغرفة لتسير في الممر .
مريم : الحمد لله يا جدو وصلت بالسلامة .
سامي : أيوة يا حبيبتي لسه واصل الفندق حالا .
مريم :ربنا معاك .... بص يا جدو ما كنتش عايزة أقلقك عليا ، بس اسمع أسامة عمل فيا إيه ....
سامي :أنا عارف كل حاجة يا مريم ، و أنا اللي قولتله يعمل كده .
- نعم إ.. إنت إزاي .
- كدا أمان ليك صدقيني .
هتفت هي بعصبية متألمة :....
- نعم هو دا الأمان بالنسبالك !!!
- أيوة ، دول أكتر ناس هتحافظ عليكي دول ....
مريم صارخه : لأااااااااااااااا
ثم رمت الهاتف على الارضية ليتهشم إلي قطع صغيرة دون أن تعلم ما كان يريد أن يقوله .. فهو كان يتحدث عن أسامة و عائلته ،د فهو مثلها لا يعلم خطة أسامة  .
فزعت بريهان التي كانت قد خرجت وراءها و حسين خرج مفزوعا على صوت الصرخة.
و نورا كذلك فزعت .
لم تأبه مريم لكل ذلك ، ولا للعيون التي تترصدها بل اندفعت للغرفة وبريهان ورائها ، وظلت تفتش عن حقيبتها التي شاهدتها جوارها قبل أن تغفو ، لاحت لها ذكري لقاؤها مع أسامة وكيف أنه استدرجها واستغل ثقتها العمياء به ، فهي وثقت به ثقة لم تمنحها لأحد من قبله و ظنت أنها لن تمنحها لأحد من بعده ، لكنه فعل بها هذا أوصلها للمكان الذي تتعذب فيه روحها قبل جسدها ، كل ذكرياتها مع ذلك المنزل مؤلمة ، تجعل الضعف يتخلل بين ثناياها لتبعث الخوف بدلا عن قوتها المعهودة .
" كيف يفعل ذلك بي "
قالتها وهي تكز على أسنانها بقوة وتقبض بشدة على يدها و ملامحها لا تنم عن خير أبدا ، تبع ذلك ركلة من قدمها لضلفة الدولاب و بريهان تبتلع ريقها بخوف ، ثم أردفت بهدوء : ..
- مريم اهدي و اسمعيني ، هنحل الموضوع سوا .
لم تبدو و كأنها تسمعها ، ثم وجدت حقيبتها ، لكنها وجدتها فارغة ، فاشتعلت غاضبة لكنها وجدت أن ملابسها قد أفرغت في ضلفة الدولاب فأفرغتها بعنف و بدأت تقذف الملابس بعنف داخل الحقيبة ، فوقفت بريهان أمامها ، و هتفت بثقة : .....
- أنت فاكرة نفسك بتعملي إيه يا مريم .
أجابتها ببرود :...
- أظن واضح جدا .
- هتمشي بعد الفيلم الهندي اللي أنا عملته عشان تفضلي ، أقول إيه لماما و بابا .
- أظن أنتي اتصرفتي بمزاجك فاتحملي عواقب اللي انتي عملتيه ، أو صحيح خلي أسامة ينفعك و يقولك تعملي إيه ؟ و قولياه يبطل رن عشان لو فضل للصبح مش هرد عليه ... عن ان التليفون بقى حتت ..
أغلقت الحقيبة ، ثم دفعتها بعيدا مغادرة الغرفة .
أوقفها صوت بريهان العالي : ...
- مش هتخرجي من هنا .
- و إيه اللي هيمنعني ، أنتي ...
قالتها وهي تشير لها باستخفاف ، كانت بريهان تفهم مدى ضعفها أمام مريم ، فمهما حاولت لن تمنعها عن تنفيذ قرار عقدت العزم عليه ، لكنها وقفت أمامها بتحدٍ و قالت : ...
- مش أنا ، غير إن فيه أوامر للحرس إنك ما تخطيش أنش واحد برا البيت ، و ريني هتخرجي من هنا إزاي و توجهي إتهام المجلس العسكري ليكي بضياع سلاحك الميري .
اتسعت حدقتي عيني مريم ، لاإراديا امتدت يدها تتحسس حزام سلاحها فوجدته مفقود .
- بريهااان .
صرخت مريم فيها بعد أن أمسكتها من ذراعها و هزتها بعنف ، فارتجفت بريهان لكن حاولت ادعاء الثبات .
مريم بغضب : انطقي السلاح فين ، أنت عارفة أنت بتعملي إيه ؟! أزاحت بريهان يدي مريم عن كتفها و أكملت بهدوء زائف خلاف حالة الذعر التي انتابتها :...
- أممم ... sure عارفة .
تابعت بريهان بهدوء : ...
- و عارفة كمان إنه لو ضاع المقدم مريم ممكن يا تتوقف يا تتعزل من رتبتها .
تقدمت خطوات بعيدا عنها في ثقة ثم التفت نحوها تتفرسها ، رأت عيناها حمراء كالجمر المشتعل ، تغلي من الغضب ، ذهب عنها هدوءها الزائف و كذلك ثباتها المدعى عندما همست مريم بصوت يشبه فحيح الأفعى :.
- مش المقدم مريم اللي ترضي بالأمر الواقع ، أو تقبل أن حد يهددها حتى منك أنتي و لا من جدها حتى .
عندها فشلت كل محاولات بريهان في الثبات ، فلم تشعر بنفسها إلا و هي تركض هاربة من الغرفة ثم إلي الممر عندما التفتت كانت مريم تجرى وراءها كمطاردة نمر الشيتا للفريسة .
كانت بريهان تصرخ مستغيثة بأي أحد ؛ لينقذها من براثن مريم : ...
- الحقوني ! حد يلحقني بسرعة ..
ظلت تجري و هي تهبط على الدرج المؤدي للطابق السفلي ، في ظلال نظرات حسين و نورا لهما و كذلك الخدم و الكل في ذلك متعجب .
في أثناء ركض بريهان تعثرت أكثر من مرة و كادت تسقطت على وجهها بخلاف خطوات مريم السريعة الصائبة الثابتة ، و التي لفتت انتباه حسين على الفور .
صرخت بريهان و هي تركض : ...
- حد يعمل أي حاجة لو سبتوني شوية هتموتني ، أنقذوني من
إيديها  .help, please help me
- ما حدش هينقذك مني يا بريهان .
مرت من أمام والديها فصرخت بهم : ....
- ما تعملوا أي حاجة .
ثم ركضا في حديقة المنزل ، كان يدوران حول الفيلا بسرعة كبيرة ، فمريم لن تهدأ حتى تنتقم منها على فعلتها ، و بريهان مدركة تماما أنها لو وقعت بين أيديها فإنها ميتة لا محالة .
     
في الداخل كان نظرات الدهشة مسيطرة على الكل ..
منذ دقائق كان للهدوء الكلمة الوحيدة ماذا حدث ؟!! كيف خرجت مريم عن ثوب الوقار و الثبات ؟!! و كان يشوب تلك النظرات المندهشة بعض من التسلية إلي جانب خوف و قلق من جانب نورا من أن يصيب إحداهما مكروه فقررت حسم أمرها و اللجوء إلي زوجها حسين .
نورا بعينين لامعتين تحملا الكثير من الرجاء بعد أن اقتربت منه :...
- وقفهم يا حسين please .
هتف حسين و هو يتابعهم بتسلية :..
- دا أعمله ازاي .
- اتصرف أعمل أي حاجة .
- أنتي مش شايفة بناتك مجانين .
بعد تلك الكلمات رقص قلب نورا و لمعت عيناها أكثر ، لكن حسين لم ينتبه لما قاله فكانت نظراته ترصد تلك الفتاتان اللتان فقدتا عقليهما توا .
- حسين !!
نظرا لها على الفور بعد أن سمع اسمه من فمها كأنه مقطوعة موسيقية أبدع الملحن في اختيار نغماتها ففقد قدرته على الاعتراض و راقب شفتاها و عيناها التي تقولان برقة :...
-Please .
فأجابها على الفور : طلباتك أوامر .
تقدم بخطوات ثابتة نحوهما و قد أدرك أنه إن تأخر دقيقة أخرى فستقع بريهان فريسة في يد مريم خصوصا و قد علم أن خطة مريم مجدية و تجني ثمارها بسرعة ، فتمتم قائلا بإعجاب ممزوج بالتقدير : ....
- خطة ذكية رغم إن مريم شكلها سريعة بس بتجري ببطء و ثبات عشان تنجح من غير ما تفقد طاقتها ، لأن بريهان هتجري بسرعة و هتفقد طاقتها بسرعة و خصوصا أنها مش مدربة كويس ، و بكدة تبقى وفرت طاقة و نفذت اللي في دماغها ، دماغها سم مش عادية ... بس عذرا أن مش أقل من كدة أنا مش هلف وراهم ، أنا هقف و استناهم .
اختار حسين النقطة القريبة من موقعه و هن على وشك المرور بها ، و قد أحسن الاختيار فبريهان كانت ستقف الآن و ينتهي أمرها لولا أن قبض حسين بسرعة على يد مريم لتقفد سرعتها و تضطرب خطوتها و تلتف حوله في نصف دائرة بينما حمدت بريهان الله كثيرا و وقفت تتنفس الصعداء فقد كادت تموت .
نظر لها بهدوء و قال بثقة تليق به :...
- اهدي و نتكلم بالعقل .
نظرت له بغضب و تطلعت به من أعلى و من أسفل ثم نظرت بأعين مشتعلة كالبركان إلي يديه الممسكة بيدها بقوة ، ثم أزاحتها بقوة و رمقته بنظرة أخيرة و غادرت ، لكنها أثارت غضبه بشكل غير معقول فهرول خلفها بخطوات كادت تصل إلي خطواتها الراكضة ، لكنه سيطر على غضبه الجامح في الردهة ، بينما تبعتهم بريهان وسط نظرات نورا المتأملة لانفعالاتهم جميعا , مدركة حجم المسئولية الملقاه على عاتقها الآن .
عند وسط الدرج وقفت مريم ، و التفت لبريهان و هتفت بحزم :...
- أحسلك رجعي اللي أنتي اختيه يا بريهان .
- انسي و اللي في إيدك اعملي يا مقدم مريم .
فهمت مريم تلميحها فقالت بعناد يليق بشخصيتها :..
- في إيدي كتير ، بس ما ترجعيش تقولي أيي ، أوك .
- يا ريت تفضي الشنطة و ترصيها في الدولاب حسب راحتك انتي ، و أهم حاجة عندي راحتك .
اشتغل غضب مريم من استفزاز بريهان فهرولت للغرفة ، و سمع الجميع صوت باب الغرفة و هو يصفق _ بل على الأرجح و هو يكاد يكسر من قوة دفعها له .
وقفت نورا بهدوء ينافي تماما كم الأسئلة التي بعقلها وهي
" في حاجة مش طبعية ليه بريهان تجبها هنا إذا هي مش موافقة ، و ايه معنى الكلام اللي اتقال ده ، أنا هأجل الاسئلة دي دلوقتي لحد ما أوصل للنتيجة اللي أنا عايزها مش أي نتيجة و السلام .....
قالت نورا بثبات يخالف الفضول الذي انتابها : ...
- حسين .. بيري .. الغدا جاهز عشان أنا عارفة ما حدش عرف يفطر ..
بيري : لأ مش عايزة ...أنا هطلع فوق عنـ...
توقفت و لم تكمل عبارتها فقد راجعت نفسها و علمت أنه من اليسير جدا على مريم في تلك اللحظة أن تهشم رأسها ، فمن الأفضل الانتظار .
جلسوا جميعا على مائدة واحدة فقالت بيري بامتنان لوالدها :.. .
- dad , thanks alot .
أجابها ببرود : ...
- على إيه ؟!
- على إيه !! دا أنا كنت هموت على إيد مريم النهاردة لولا إنك أنقذتني .
- تستهلي .
- what ?!
- بيري هسألك سؤال .
أجابته بأريحية و عفوية : ....
- أنت تؤمر ، دا جميلك دا فوق رأسي .
- أجبرتي مريم إزاي تقعد .
زاغت عيناها و تمنت لو تنشق الأرض و تبتلعها علها تهرب من الإجابة ، و كأنه قرأ انفعالاتها فقال بثقة : ...
- أنا عارف الحكاية كلها من الأول ، فأرضي غروري و قوليلي دي كمان .
- ما تقدرش ..تمشي من غير ... سلاحها الميري .
نظر لها الكل بذهول ، أهذا سبب عصبية مريم .
حسين : عشان كده بقى ! بس عندها حق أنا لو مكانها كنت ...
ثم أشار لرقبته بحركة ذات مخزى و تابع : ..
- بس ليه ...
علمت بريهان ماذا ستكون بقية السؤال و لكنها لن تستطيع الإجابة على أكثر من ذلك ، فحاولت أن تتملص بسرعة من السؤال : ...
- أأ.. مم. أأ.. mom , هو حازم مش هياكل .
فهم حسين تملصها فابتسم ، و أجابت نورا :....
- بيذاكر ، أنا رأيي تروحي أنتِ تديله أكل ، و كمان خدي لمريم . كانت نورا تعد صينية مريم عندما هتفت بريهان بفزع : ...
- شوربة لأ .
- خضتيني ،لأ ليه مش بتحبها ولا إيه .
- بتحبها ولا ما بتحبهاش مش دا المهم , أنا اللي أختار اللي هيدلق في وشي ، شوربة عشان تشوهلي وشي .
ابتسم حسين و نورا بشكل لم يستطيعوا اخفائه ، فقالت بيري بمرح : ...
- مستغربين ليه ؟! تعملها عادي و ضميرها مرتاح كمان .
نورا : طب يا لمضه .
في تلك اللحظة صدح صوت صريخ فانتفض كل الجالسين على السفرة .
نورا : إيه الصريخ ده !
حسين : دا ما بقاش بيت .
وضعت بريهان السبابة و الابهام على أسفل ذقنها  بطريقة من يمعن التفكير .
- تكونش مريم كلت حد فوق ..... ماما أنا غيرت رأيي لعنهم ما كلوا ، يا رب يموتوا من الجوع ، أنا عايزة أعيش عايزة أعيش !!
قالتها بطريقة مرحة للغاية فلم يستطيعا إلا أن يضحكا .
نورا : إجلال في إيه ؟
إجلال : ما تقلقيش يا هانم فاضل زهرية لسه ما تكسرتش ، هيكسرها البيه الصغير كمان ربع ساعة لسه .
فهموا أن هذا صوت حازم , فقالت نورا لبريهان : ..
- اطلعي ودي الأكل يا لمضة بقى .
- أما أكل بقى .
حسين : بالطريقة دي هتخلصي أكل بكرا .
بيري بتلكأ : أنتم مستعجلين ليه على ضربي يا جماعة ، هنضرب هنضرب .
نورا : قومي ودي الأكل و بعد كده ارجعي كملي أكل .
- يا منجي الجحش من الوحش يا رب .
حسين مصدوم : جحش !! و وحش !!
- هاتي يا نونا ، ما لك مستغرب ليه يا سحس ! دا أنت هتلقينا وخدا مطوه في وشي كده .
ثم أشارت لوجهها بطريقة غريبة .
- سحس !! امشي يا بت بدل ما ...
ثم أمسك الزهرية و هددها بها ، اختفت بريهان خلف الحائط ، فوضعها جانبا ، فعادت لتقف أمامه هاتفة :...
- ما بخفش !
- بت !!
ثم أمسك المزهرية و قذفها بها فاحتمت مرة أخرى بالحائط فتهشمت إلي قطع صغيرة ثم نظرت نورا إلي المزهرية بحسرة . وقفت بريهان أمامه مرة أخرى و قالت بمرح و هي تهزها يدها بطريقة مضحكة : ....
- هاهاها ما بتعرفش تنشن . 😂😂
نورا بحسرة : يا قلبي على الفازات اللي اتكسرت ، ما فضلش غير فازة واحدة سيبوهالي الله يكرمكم .😢
بيري : اللي همك الفازة ، مش همك رقبتي اللي كانت هتطير ، قلبك بقى قاسي أوي ... فين الأمومة !!
حسين : أنا غلطان إني أنقذتك من مريم ، أنا بنفسي هسلمك ليها يدا بيد .
- أنت صدقت يا داد , دا أنا بضحك معاك .
قالتها بنبرة انجليزية ثم نبرة صعيدية ، ثم قبلت يده ، فانفجر الكل ضاحكين ، أخذت صينية مريم ، و جعلت إجلال تحمل صينية حازم و صعدت الدرج تاركة حسين و نورا في حالة ضحك هستيري ، إلي أن قالت نورا : ..
- دمها بقى خفيف أوي و تحسها مصرية كدا .. أنا كنت خايفة تفضل فيها الروح الأجنبية .
- فعلا من ساعة ما مـ..
سكت و لم يكمل فتابعت نورا حديثه بعد أن استشعرت حرجه من أن يتفوه بها .
- من ساعة ما مريم دخلت حياتها .
ثم أمسكت يده بامتنان و قالت : ..
- شكرا ، شكرا يا حسين .
نظرت له بامتنان ، فشاهد عيناها المتلألأتين فأخذه بريق تلك العيون الخضراء الذي طالما عشقها فأسرته ، لكنه لم يعرف لما هي ممتنة له فقال بشرود :..
- ليه ؟
" أحم أحم "
قالتها بريهان فشعر كلاهما بالحرج فأبعدت نورا يدها ، و بعد كلاهما بنظره عن الأخر بخجل ، فقالت بيري ضاحكة مازحة :....
- طب نقفل الباب ، ننور اللمبة الحمرا ، فين ناس قاصر هنا ... لا أنا مش قاصر ... و لا مريم ... و كمان حازم مش قاصر ، المهم ابقوا اقفلوا الباب و خلاص عشان بنكثف ..
نورا : ... اأاا أنا..
بيري : شكلك حلو خالص و أنتي جيبا ألوان يا خرابي .
حسين بهدوء مخيف : أنتي إيه اللي جابك ، مش كنتي روحتي .
بيري بخبث : ااااه كنتم بتوزعوني ماشي ماشي....
هتف حسين بصوته الأجش و بعيون تحمل الوعيد :...
- بريهااان .
- خلاص خلاص ، أنا كنت عايزة عصير البرتقال اللي مام عملته عشان مريم بتحبه هي و حازم .
حسين : انسي ، ما حدش هيشرب عصير نورا غيري .
استحوذ حسين على العصير بطريقة طفولية لا تليق بسنة ، لكنه لا يهتم و لا يبلي فأي شيء إلا العصير الذي تعده نورا .
بريهان : إيه يا حاج المعيلة دي بقى .
نورا بصدمة من كلامها : بيري !
حسين : أنت إيه اللي جرالك بقيتي فتوة .
- و لا دايم إلا وجه الله !!
قالتها بطريقة جعلت نورا تنظر لها مشدوهة ..
حسين : إحنا آسفين يا معلم .
بيري : خلاص بلاش عصير لحسن مريم تحدفه في وشي و أنا ما بحبوش .
ثم أخذت الصينية و غادرت مرة آخري ، انتبهت نورا لتلك النقطة فإن بيري لا تشبهها شكلا فقط و إنما في الشخصية أيضا - عدا المستجدات التي طرأت على شخصيتها بفضل مريم بالطبع -  و أيضا الأشياء المفضلة فنورا رغم أنها تعد هذا العصير لزوجها و ابنها ، فهي لا تحبه البته ، و بالمثل مريم و حسين نسخة من بعضهما .
***********
و صلت بريهان إلي غرفة مريم و هي تتمتم : ...
- يا رب سلم يا رب سلم .
فتحت نصف الباب و اشرأبت لتراها لكنها لم تجد أحدا في الغرفة ، فماتت رعبا ، وضعت الصينية جانبا ، و بحثت عنها في الغرفة ثانية ...
- مررريم ، مريم ، الله يخليكي أنتي فين ؟ ...... يا ربي اعمل إيه يمكن يـ....
خافت كثيرا  ، لكنها سمعت صوت إجلال يناديها .
- يا بريهان هانم !
خرجت لتري ما الأمر فربما وجدت مريم ، كانت إجلال أمام باب غرفة حازم تتنصت على شيء ما ، أشارت لبريهان كي تصمت و تقترب ، ثم أزاحت لها الطريق لترى ... لتقف مشدوهة أمام ما يحدث ، ثم ذهبت إجلال لتنادي سيدها و سيدتها .... كانت مريم جالسة على الكرسي الهزاز أمامها حازم و في يدها مسطرة حديدية طويلة ..
كالطالب المعاقب أمام معلمه .
مريم : افتح إيدك يا حازم !
حازم باستعطاف : أخر مرة يا مريم .
- انسى .
- يا مريم ! بقي يا مريم .
- إيه يا حازم بقى يا حازم .
في هذه اللحظة صدح صوت ضحكة بريهان فانتبها لها .
حازم بفرحة : بريهان انقذيني يا بريهان .
نظرت لها مريم شزرا ، و كادت أن تهرب بريهان لولا أن اقترب  حازم منها و دفعها ليقف خلفها ... لتدافع عنه فلم يعلم أنه استند على أشد الحوائط ميلا و اعوجاجا .
حازم : انقذيني يا بيري .
احمر وجهها ذعرا و ودت لو هربت الآن .
بريهان : أنا اعتقد أنا لازم امشي .
قالت مريم بغضب و نفاذ صبر : ...
- حازم ! أنت مش امتحانك بكرا ، هنقعد نهزر كتير و لا إيه ؟
- اوك يلا .
- أنا ما برجعش في كلامي ، افتح ايدك قبل ما نبدأ .
- ﻻأاا بقى .
- حازم بسرعة.
- مريم هو مش أنتي شرحتي .
- المفروض .
- و أنا هزيت راسي يعني فهمت .
- أيوة .
- طب ليه تسأليني و تهزي الثقة المتبادلة بيني و بينك  .
- هنهزر ونستخف دمنا لا وقته ولا مكانه , يا أستاذ حازم .
- طب خليها تهزيق بلاش ضرب كبرت على الضرب و الله .
- على فكرة ما حدش بيكبر لا على التهزيق و لا على الضرب , عندك أنا مثلا لسه متهزقه من اللوا جلال الدين من أقل من شهر و ما حصلش أي حاجة , مش حوار يعني , و قدام المجموعة اللي أنا القائد بتعهم و كانوا هما السبب و الله .. فخلص نفسك بسرعة .
- يا بيري ما تقولي حاجة .
بيري : مريم أنت جيتي هنا ليه .
""" فلاش باك """"
بعدما صعدت مريم الغرفة وحدها كانت تفور غضبًا كالقهوة عندما تحدتها بريهان أمام الكل علاوة على إخفائها مسدسها الخاص .
مريم لنفسها : أنت فاكره نفسك مين يا بريهان , سلاحي و هلقيه غصب عنك ... و أنت كمان يا أسامة حسابك معايا بعدين .. أما أخلص من اللي أنا فيه .
أفرغت مريم محتويات الغرفة بأكملها , لكنها لم تجده للأسف . قررت البحث في غرف أخرى , و تذكرت أن حازم ساعد بريهان سابقًا , فمن المحتمل أن له يدًا في الموضوع .
كانت تسير في الممر باضطراب فهي أول مرة تسير وحيدة في ذلك المنزل , انتابها شعور هز وجدانها لكنها تغلبت عليه , و بالقرب من إحدى الغرف سمعت صوت حازم يصدح فاهتدت إلي غرفته , اقتحمت الغرفة لترى بوضوح حالة من الفوضى مسيطرة على كل شبر بها و حازم في وسط هذا كله مضطرب يصرخ .
مريم بلهفة : حازم مالك بتصرخ ليه ؟ جرالك حاجة تعبان .
حازم : مريم !!! أنا كويس .
مريم : أومال في إيه و إيه اللي عمل كده فالأوضة .
حازم بصوت يشبه البكاء : لا دا المادة صعبة شوية , هما بصراحة مش شوية هما كتير 😢😢.... لأ دي صعبة أوي😭😭 .... بس أنا خدني الكلام أنت عاملة ايه حاسة بحاجة .
-لأ أنا حمد لله كويسة خالص , بس المهم امتحانك إمتي ؟
-بكرا .
-هي مادة إيه !
- هي مادة مالهش علاقة بالتخصص , مضافة من كلية سياسة و اقتصاد , عشان شغل شركات السياحة .
-اسمها إيه ؟
- اقتصاد .
- طب وريني كده أنا أصلا واخده كورسات فيه و بحبه .
- خدي , لحسن أنا خلاص هطق .
بدأت مريم تتطلع على المادة ومحتوياتها و ثم قالت بهدوء :...
-أيوة هي صعبة شوية , بس مفهومة , أقعد و أنا أشرحلك .
- بجد !!!
- yes  , أنا كنت بحب الحاجات دي ..
- الله يكرمك .
- بس بشرط .
- اشرطي .
- أنا هشرحلك فصل , فصل و بعد كده هسألك فيه وقتي و لو مجوبتش هتنضرب.
- نعم !!
- دا أسلوبي و إن كان عجبك عشان أضمن إنك مركز .
- مريم لأ ..
- براحتك , سلام عليكم .
هبت واقفة , فأمسكها من ذراعها و هتف : ...
-خلاص اعملي اللي أنتِ عايزاه .
- أوك .
"""""""""""""""""""""""""
عودة للوقت الحاضر ,,,
مريم : حازم دا أول فصل لسه .
حازم : والله ما فاكر .
مريم : يبقى خلص انضرب عشان ما تنسهاش تاني .
وقع بصر حازم على والدته الواقفة تراقب الموقف من بعيد .
-يا ماما الحقيني يا ماما .
نورا : أنا مالي !!
ثم تنحت جانبًا
مريم بعند : و الله يا حازم لو عملت إيه , ولا جبتيلي مين .
حازم بخبث : لو جبتلك الوزير هنا .
لم تفهم ما كان يرمي إليه ، فقالت بفطرتها الصلبة :..
- وزير, غفير , هتضرب أنتِ و هو ..
- سامع يا حاج دا ينفع يعني , أنا في حماك .
قالها و هو ينظر لوالده الذي ظهر أمام الباب عندما تنحت نورا جانبا .
ثم ركض , و وقف خلفه , و دفعه إلي الداخل , نظرت له مريم بخجل بعد ما تفوهت به للتو , فهي لم تكن تقصد لكن تلك فطرتها و طبيعتها الخشنة , ضربت مقدمة رأسها بقبضة يدها على غبائها , وتمتمت : ...
– غبية , غبية يا مريم .
وقف حسين يراقب انفعالاتها باستمتاع غريب , حاولت التغلب على حرجها فقالت : ...
-حازم مش فاضيين .
- أنا في حما بابا , الوزير بتاعك , اتكلمي بقى .
لم تعرف كيف ستتصرف في ذلك الوضع المحرج , والغريب في الأمر أن حسين  لم يبدي ردة فعل بل سأل بكل هدوء : ...
-هو إيه اللي بيحصل بالظبط .
أطرقت مريم برأسها و لم تجب , فبدأ حازم يشرح له الأمر , و ما إن انتهي حتى علت وجه حسين ابتسامة صافية , وقهقه بصوت عالٍ , مما جعل الكل ينظر له بذهول , حيث لم يعتد أحدهم على إطلاقه مثل تلك الضحكة الرنانة من قبل .
مما جعل بريهان تؤمن أنها بالفعل فعلت الصواب , و قرار أسامة كان صائبًا بشكل لم تتوقعه .
حازم : بتضحك يا بابا , يرضيك ابنك ينضرب كده .
حسين : مش أنتِ اللي وافقت في الأول , و بعدين كتر خيرها .
حازم : يا بابا مش راضيه تشرح إلا أما أنضرب .
حسين : تصدق عندها حق .
ثم أمسكه من ياقة التيشرت الخاص به , و جذبه من خلفه إلي أمامه .
حسين : مريم اعملي اللي أنتِ شيفاه صح .
حازم : أنتم بتعملوني كده ليه ؟
بيري ضاحكة : ما حدش طيقك بصراحة يا حازم .
نورا ساخرة : ذاكر عشان تنجح , و اسمع كلام المس . 😂😂
حازم : تصدقوا إن مريم أحن عليا منكم و انا هسلم نفسي بنفسي , إيدي أهي .😑😑
فتح لها يده فقالت مريم : ...
-خلاص يا حازم , عفونا عنك ... يلا شوف الإجابة عشان نبدأ الفصل الجديد عشان نلحق نخلص .
- أوك , بس بعد المرمطه دي عفوتي عني , ما كان من الأول .
- لأ ماتخدتش على كدا , المرة الجاية بفورة , و على ضهر إيدك و بالمسطرة .
- لأ مفيش مرة تانية , أنا طالب نجيب لا أقع في الخطأ مرتين .
- هنشوف !
حسين : طب أنتم قاعدين ليه , هتذكروا معاهم , يلا بيتك بيتك أنتِ و هيا عشان يركزوا .
حازم : هاهاهاى , اتكرشتوا .
مريم : حازم ! هنركز .
-أسف .
غادر الجميع و ظل كلاهما منتبهين تماما , و في قمة التركيز , بينما كان حسين يعمل على اللاب توب الخاص به , و كذلك نورا , و بريهان .
بعد فترة من الوقت قال حسين لبريهان المركزة تمام التركيز في رسالتها على اللاب توب : ..
-بريهان !!.......... يا بنتي ...
ظل ينادي عليها , وهي غير منتبه , بل كانت تفرك في رأسها بضيق , وكانت تفكر  بجدية في سرها : ...
-يعني النقطة دي في الرسالة دي عكس اللي في الرسالة دي ...يووه و كل وحدة منطقها العلمي سليم ... يووووه لحسن أكون أنا اللي مش هنا .... أكيد في حاجة أنا مش قادرة أفهمها ... يا ربي ... طب أكلم دكتور حسن ... يمكن يفدني .
كانت في قمة التركيز عندما سمعت صوته العالي ينادي باسمها , فانتبهت له , وقالت فزعة : ...
-إيه في إيه ؟!!
- بقالي ساعة بنده .
- sorry  كنت مركزة أوي .
- اطلعي اطمني على مريم .
هتفت بمزاح :..
- أقصدك أطمن على حازم عايش و لا لسه .
- اطمني عليهم هما الاتنين .
- طب ممكن أعمل تليفون مهم .
- الأول .
- في إيه يا داد ما هو إجلال طلعت أكل و عصير , أطلع أعمل و بعدين أنا مركزة أوي في الرسالة بتاعتي .
أردف حسين بعقلانية :
- بريهان ! ما ينفعش نسيبهما كده لوحدهم في خلوة أنت كده بتحرجي صاحبتك يا هانم .
نظرت له نورا بحزن و كيف لا و الأخوة يتم التعامل معهم و كأنهم أغراب تماما , لا تربط بينهم أي صلة , ماذا ستفعل بريهان , لماذا يجب أن تجلس مع أخ و أخته ... هذا ليس عدلا إطلاقًا ..
بينما قامت بريهان على مضض , وهي ترى أن لا داعي لذلك لكنها نفذت له ذلك لتريحه فهو لا يعلم الحقيقة .
صعدت لأعلى و طرقت على الباب , فأذنا لها بالدخول , فقالت بمرح : ...
-إيه يا شباب ! أجبلكم لبن , ولا سندوتشات حلاوة بالقشطة .
حازم : لأ خفة !
بيري بتهكم : إيه يا زومي , ركز أحسن !
مريم بغيظ : حازم مركز , وشاطر , و قربنا نخلص خالص , اطلعي أنتِ منها , لإما مش هتطلعي من هنا سليمة .😠
حازم : كبسة و كبسة !
بيري : طب أنا قعدة على قلبكم عشان أتاكد إذا كان شاطر و لا بتشتغلوني .
مريم : اطلعي أنتِ منها .
أردفت بريهان برخامة :..
-طب أنا قعدة .
مريم : و لا تفرقي أصلا .
-شكرا يا ذوق .
أكمل حازم و مريم المذاكرة , بينما استغلت بريهان فترة الجلوس الإجباري , في الحديث مع دكتور حسن على الواتس أب , لتفهم منه ما لا تستطيع فهمه وحدها , مع أذان المغرب كان انتهي الجميع مما يفعلوا , فأغلقت مريم الكتاب , فقال حازم  : ...
-يا فرج الله , مش مصدق , إننا خلصنا في الوقت القياسي دا , شكرا , شكرا يا مريم بجد .
- لأ ما حدش ليه الفضل أنتِ مستواك كويس خالص , يعني كويس إنك مش أول مرة تفتحها .
- حتى لو هي صعبة , و أنا مش بفهمها , بقعد أذاكر فيها و خلاص , عشان ربنا يكرمني .
-  إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا .
صدح صوت الأذان لينشر السلام في الأرض , و يدعو المسلمين إلي عبادة بارئهم , مع كلماته التي تشع بالنور و قوله الجميل "حي على الصلاة , حي على الفلاح "
كأنه يقول سارعوا إلي مغفرة من الله , سارعوا إلي جنة عرضها السموات و الأرض أعدت للمتقين .
سمعه كل من في المنزل فاطمأنت قلوبهم , و رددوا الأذان بهدوء .
بعد انتهاء الأذان رددت مريم دعاء بعد الأذان بصوت عذب "الله ما رب الدعوة التامة , والصلاة القائمة , أتِ سيدنا محمدا الوسيلة و الفضيلة و الدرجة العالية الرفيعة و ابعثه الله المقام المحمود الذي وعدته , و صلى الله و سلم على سيدنا محمد و على أله و صحبه أجمعين . "
بعدما انتهت سألت مريم بريهان : ...
-بريهان !!
- نعم !
- في إسدال صلاة عندك .
- أيوة .
- طب أنا عايزاه .
- طب و أنا أصلي بإيه ؟!
- طب أنا أعمل إيه دلوقتي .
- معرفش .
- يا بنتي ركزي معايا .
- مش شيفاني مركزة , في رسالة عايزة تخلص .
- في صلاة أهم , أنا عايزة الإسدال بتاعي .
- استني هشوفه في جيبي !
- بريهان ! بتهزري .
- طب أنا أعمل إيه ؟
- مش أنتِ اللي جيبناي هنا , اتصرفي .
- مريم الله يخليك أنا مركزة .
- ماشي أنتِ حسابك معايا تقل , مين اللي جهز الشنطة بتاعتي .
- سماح !
- يبقى أكيد حطته , مش عايزة منك حاجة ..
- أحسن !
- ماشي ! يلا يا حازم عشان تأمنا !
حازم : أنا .
-تقريبًا
بريهان : لا أنا ! ههههههههههه .
حازم : شايفة يا مريم .
مريم : أنتِ مالك بينا .
بيري : ليه مش هصلي , كنت لقتوني قدام المعبد اليهودي , ولا دقت الصليب .
حازم بعمق : حتى المسيحين ليهم صلتهم .
مريم / بريهان : اخرس .
حازم : إيه المعاملة دي !! حتى أنتِ يا مريم .
مريم : ما أنت اللي مستفز , المهم جهز نفسك .
- ما بلاش أنا !
مريم : أومال أنا , هو مش أنت الراجل .
حازم : بحسها مسئولية كدة ! و بعدين ما إحنا رجالة زي بعض .
قالها مازحا ،فرمقته مريم  بنظرة نارية ، فأردف : ...
-أسف !
مريم : قدامي يا زفته عشان نتوضي , عشان أنا ما أعرفش المكان كويس .
بريهان : زفته ! طب روحي لوحدك , يا رب تتوهي .
-نعم!
خافت بريهان من نظراتها فقالت بتوتر : ...
-أنا أفضل إني لازم أوديكي بنفسي , إكرام الضيف واجب .
- أيوة اتعدلي !
ذهبت بريهان مع مريم إلي حمامهما الخاص في غرفتهما , و كلما حاولت خلق حوار معها , كانت مريم تصدها فهي لم و لن تنسي ما فعلته بسهولة .
فاكتفت بريهان بسماع قولها لها : ...
- كلها كام يوم وجدو يرجع , و أنا أرجع بيتنا , وساعتها أقدر أنسي و سامحك .
هكذا علمت بريهان أنا مريم لا تكرهها و إنما تكره الظروف و بالأخص ذاك المنزل , من تصرفاتها العفوية يبدو أنها متعلقة بها و بحازم , و لا حديث مع والدها البته , لكن وجود الكثير من الشبه بينهم يجعل التجاهل مستحيل , المشكلة تكمن في نورا , فلا شيء يجمعهما سوى التجاهل التام , و كأن مريم لا تراها أمامها , ويبدو أن مهمة الجمع بينهما مستحيلة ...
ابعدت بريهان كل تلك الأفكار الآن , وتركت الله يبت في أمرهما من شاء , بل دعته أيضا في أن يريها عجائب قدرته في لم شمل تلك الأسرة .
سألت مريم باقتضاب : ..
-هنصلي فين ؟
- في أوضة عندنا في البيت للصلاة , زي عندكم كدة , ما أعرفش إيه سببها , بس هي موجودة وخلاص .
- طب روحي اندهي لحازم , و أنا هستنى هنا .
- لا بصي الأوضة أهيه اللي تحت على طول جنب مكتب بابا , استنينا هناك .
- أوك بس ما تتأخروش .
نزلت مريم ووقفت عند بابا الغرفة الموجودة أسفل غرفة بريهان , لكنها وقفت محتارة : ..
-يا بريهان يا غبية , دا مكتب باباكي , بس أنتِ ما قولتيش أنهي أوضة اللي على اليمين ولا على الشمال ...
وقفت كثيرا تنتظرهم , لكنها رأت أن وقفتها تلك ستسبب لها الحرج , فقررت حسم أمرها و اختارت إحدى الغرف .
-أنا همشي بمبدأ تيمنوا فإن في اليمين بركة .
دخلت الغرفة اليمني و ليتها لم تدخل فقد كان حسين يكمل ارتداء ملابسه , كان مرتدي بنطاله فقط , احمر وجهها و خجلت بشدة و تمنت لو تنشق الأرض و تبتلعها , واستدارت بسرعة و أردفت بخجل ألجم لسانها فتلعثمت و هي تقول : ...
-أ...سـ...أسفـ....ة , أسفة بجد و الله أنا كنت .. كنت ..فاكرها المصلية .
أكمل ارتداء ملابسه , و لاحظ خجلها و ارتباكها فابتسم , وقبل أن يتحدث , أغلقت هي الباب بسرعة خاطفة .
أقبل حازم الذي كان يرتدي عباءة بيضاء قصيرة قليلا , وطاقية بيضاء كان يبدو مضحك في تلك العباءة الواسعة القصير كان يبدو كمن يتصنع التقوى و الورع بشكل مبالغ فيه , و بريهان جواره ترتدي اسدال الصلاة لا تكاد تستطيع الاتزان من كثرة الضحك على شكله .
-شايفة يا مريم , أنتِ غلطانة إنك قولتيله يأمنا أساسا .
لم ترد عليها , بل وجهها يزداد احمرار , كنت في موقف لا تحسد عليه .
بريهان : مالك يا مريم .
حازم : أنتِ وشك عاملة زي الطماطمية كدا ليه ؟
مريم بخجل : و.. وشي .. احمر .
ثم وضعت يدها على خديها , لم يفهما ما أصابها .
حازم : أحمر بس !! مالك يا مريم .
مريم : يـ...يـ..يلا نصلي .
بريهان : يلا الأوضة على الشمال أهي .
ازدادت احمرار , وخجلا , و تمتمت : ...
ـ يا رب سامحنى , ما كنتش أقصد , كده لازم أتوضي تاني , أعمل يا رب عشان تسامحني .
صدح صوت من داخلها يطمانها : ..
ـ اهدئي قليلا , لقد أخطأت لكنه ليس خطئا جسيما , شئتِ أم أبيتِ إنه محرمك , إنه ..والـ...
عند تلك النقطة أوقفت ذلك الهاتف , فقالت بريهان : ...
ـ أنتِ وقفة كده ليه ؟! كده هنصليها عشا .
ـ لأ .. أنا جاية .
وجدوا نورا مقبلة عليهم بوجهها البشوش المعهود , مرتدية إسدال الصلاة , و أيضا حسين خرج من الغرفة التي هي بالأساس غرفة نومه لكن تلك المسكينة لا تعرف اليمين من اليسار في منزلها ؛ لأنها ببساطة غريبة عن منزلها .
حسين : كويس إنكم جاهزين عشان نصلي جماعة .
كانت مريم واقفة من شدة الخجل لم تنطق أو تعترض .
حازم : ليه كده يا بابا , دا أنا كنت مجهز نفسي أكون الإمام .
حسين :.. دا منظر إمام .
- اهانتكم كترت .
ذهبا للمصلية و أقاموا الصلاة , لم تعرف مريم لما شعرت بألفة عجيبة تجتاحها , شعور لم تختبره من قبل , فقد فقدت أهلها منذ زمن .
لكنه شعور حقيقي اجتاحها , شعرت بالقشعريرة في كل ذرة من جسدها , ودمعت عيناها في سجودها .
انتهوا من الصلاة , و جلسوا يسبحون جميعا كأسرة واحدة , غمرت السعادة قلب نورا , وحمدت الله كثيرا على نعمه .
سألت بريهان والدها : ...
-بابا هو إيه سر المصلية دي ؟
- سر إيه ؟!
- أصل تصدق في بيت مريم نفس المصلية تقريبا في نفس المكان , ونفس اللون و الديكور .
- بجد!! يعني محمد نفذ وعدنا !
نظر له الكل بحيرة و خصوصًا مريم , فسالت بريهان باهتمام : ..
-وعد إيه يا بابا ؟! و بعدين أنا أعرف إن أنطي دعاء والدة مريم هي اللي صمتت البيت دا كله ..
خاب أمل حسين قليلا فأردف :..
- تبقى صدفة !
بريهان : بس معرفناش وعد إيه بردة !
- كنا متفقين لما نكبر , ونبني بيت إننا هنخصص أوضة تبقى مصلية , و اتفقنا على اللون و الديكور , و نصلي يوم عندي و يوم عنده , بس طالما مراته اللي صممت البيت يبقى صدفة !
قالت مريم بشرود : ..
-بابا هو اللي اختار الأوضة دي بنفسه ..
حدق بها كل من بالغرفة لكنها تابعت بشرود تام : ...
-كان ديما يقولي كده , و ما أسأله عن السبب ما يردش .
صمت الجميع و خيم الصمت للحظات قبل أن تقول بريهان مازحة : ...
-بتتفوقوا من ورانا , خياناتك كترت يا حاج !
حازم : بريهان أنتِ اتحولتي !
أومأ حسين و نورا برأسهم إيجابًا , و هم يرمقونها بنظرات متعجبة من تصرفاتها , فنظرت لهم بغموض و قالت : ...
-هو أنا ماقولتلكمش .
- لأا
- و الله ما قولتلكم !
- خلصي .
أشارت لهم بسبابتها تجاه مريم , وقالت بمرح : ..
-هي السبب , كانت ديما تجيب الأفلام و المسرحيات المصرية و تشغلها و إحنا في لندن عشان ما ننساش ثقافتا ... و بعد ما رجعت مصر روحت أقعدت معها في الصحرا , أقول إيه و لا إيه , يالهوي على اللي بتعمله ... رهيبة , تحسي إنها راجل بيدرب رجاله بس في شكل أنثى .
وكزتها مريم في جنبها فابتسمت بيري بمكر و هتفت : ..
-قولت حاجة غلط !
حازم : لأ قولي كمان يا بريهان , كانت بتعمل إيه ؟
اشتعلت مريم غضبًا لكن بريهان لم تصمت بل تابعت استرسال حديثها : ..
-كانت بتخليني أدرب معاهم , دا مرة ربطت كل اتنين مع بعض من إيدينا و رجلنا , وكنا عاملين نوقع , و نتكعبل , ونوقع على بعض , من حظ مريم العثر أنها كانت معايا ... يا نهار ضحك , اللي صحي مضروب , واللي ماعرفش ينام ..
حازم بلهفة : ..
-و مريم و أنتِ ؟
-أنا عادي , إنما هي كانت بتقول إنها هتقتلني , لأن درعها كان هيتقطع من شدي ليه , بتقول إن نومي صعب ... بقى أنا نومي وحش !
حازم  : أوباااا
- و لا البرش اللي خدته على وشها !!!  😂😂😂😂
كانت السؤال على وجوههم ، فنطقه حازم :.
حازم : إزاي ؟
-كنا المفروض ننط حواجز , وهي بقى متحمسة , وأنا كنت خايفة موت , فاتخشبت مكاني , وهي هوب .. أظن متوقعين اللي حصل . 😂😂😂😂
انفجروا جميعا ضاحكين و هو يتخيلون الموقف , بينما غضبت مريم أكثر و هتفت : ..
-مش كفاية بقى !
- لأ لسه شوية !
نهضت مريم و تركتهم لم تعد تستطيع الاحتمال أكثر , دخلت غرفتها , و تدثرت بالفراش بإسدالها , ووضعت الوسادة على رأسها كأنها تمنع نفسها من أي مشاعر , مشاعر فرحة , أو حزن , أو حتى الحنين , حتى نامت و هي تلعن بريهان في سرها .
..........................
في المصلية ,,,
نورا بلوم : ايه اللي عملتيه ده يا بيري .
بيري : هو أنا عملت إيه ؟
نورا :طالما أنت عارفة إنها بتضايق بتتكلمي في الموضوع ده ليه؟
بيري  : أنا مش شايفة إني غلطت بالعكس ... دي بقيت بتخاف تضحك لا متعرفش تكشر تاني .
حازم : هههههههههههه , يالهوي على تشبهاتك , بس أعتقد ...
نورا : أنت بتدخل ليه يا حازم .
بيري : مش عندك امتحان بكرا , اطلع ذاكر ..
حازم : إيه الأسلوب ده , أنا غلطان ...
و غادر و تركهم , عما قريب انفض المجلس العائلي المتوتر , صعدت بريهان إلي غرفتها , وقع نظرها على تلك البائسة التي تغطي وجهها بعنف بالوسادة حتى كادت تقطعها فقالت ساخرة : ..
-طب المخدة ذنبها إيه بس ؟
ثم أزاحتها من على وجهها فقد كاد ينقطع تنفسها من شدة ضغط الوسادة على أنفها و فمها ..
-سؤال كمان معلش , نايمة بالإسدال ليه ؟
تركتها على راحتها تلك الليلة فقط , وستبدأ بتغيرها من الغد , وهي تعتقد ان الفرصة سانحة إلا أنها تستجيب لها ببطء لكن بفاعلية .
...................................
في مكتب معتز سالم الدمنهوري ,,,
جلس و في عينيه تلك النظرة الإجرامية و العدائية , فرجل مثله كان في الجيش لن يغفر بسهولة , كانت تلك النظرات مصوبة تجاه صورا أمامه لسامي وحسين ثم صورتين لبنتيهما , و بعد أن عرف سفر سامي حجازي , انقطت أخبار مريم ...
دخل المحامي شكري الأحمدي مهللًا بفرح حقيقي , فقال معتز : ...
-فرح قلبي بقى يا شكري !!
- عيب يا باشا دا أنا شكري الأحمدي ..
- اقعد وحكي .
- سامي حجازي فاكر نفسه بيتذاكي, مسافر يجمع معلومات عن الشركة بتاعتنا , و يصفي ذهنه عشان يشوف أعدائه , بس على مين ورقنا كله في السليم , وقريب أوي هيوقع في إيدك يا باشا ..
- و حفيدته !
- ما فتتنيش يا باشا , معلوماتي أكدت إنها كانت قريبه من فيلا حسين ثابت , و بعدها اختفت , بس من بعدها الحراسة اشتدت على الفيلا , وكل ده في ظرف ساعتين النهاردة الصبح .
- مستحيل سامي و حسين !
- معلوماتي بتاكد أن البنتين اصحاب و اصحاب أوي كمان , فمش بعيد يكون ...
- كل ده ما يهمنيش , يهمني النتيجة يا شكري ....
تحولت نظراته للقتامة و هو مركز بصره بحدة على صوره أمامه , فتسأل شكري : ..
-أموت و أعرف بتفكر في إيه يا كبير .
- قريب أوي يا شكري , قريب , وهترجع كل حاجة بين حسين و سامي أسوء من الأول  وساعتها ...
- يعني مبدا فرق تسود .
- و معايا الكارت الكسبان .
قالها و هو يضع ولاعته الفاخرة على صورة ...... سامح زهران .
.....................................................
في فيلا حسين ثابت
أشرق قرص الجوناء ليعلن عن انجلاء سواد الظلماء , و تولي النور و الأمل مسئولية اتخاذ القرار ..
استيقظت تلك الحسناء الملائكية بتثاقل فقد كان أمس متعبًا جدًا فقد سهرت لوقت متأخر تعمل على إنهاء الرسالة , استيقظت لتجدها الثامنة صباحًا , لعنت نفسها مئات المرات لأنها نكثت عهدها مع الله منذ ارتدائها الحجاب و هو ألا تضع صلاة الفجر أبدًا , ماذا تفعل الآن و قد أخلفت بعهدها , و أي عهد يخلف إلا العهد مع الله !!
قامت مسرعة وتوضأت وصلت الصبح , ثم الضحى وظلت تدعو الله كثيرا , فهي سهرت للعلم لذلك أضاعت صلاة الفجر , استمر نحيبها طويلا لتشعر بعدها بسكون عجيب يتملكها , و يسيطر عليها شعور بالنشوة , أرادت تصديق ان هذا دليل رضا الله عليها و مسامحته إياها .
"الله هو الوحيد الذي لن يخذلك إذا لجئت إليه , تأتي إليه خائفًا فيردك مطمئنًا , تأتيه عاصيًا فيردك ساترًا , تأتيه نادما فيردك غافرًا , في كل الأحوال يردك ردًا جميلًا ... ما أكرمك يا الله لكنا للأسف جاحدين لأقصي درجات الجحد , فلا يرضينا شيء ؛ لأننا نريد كل شيء , اللهم ارحم ضعفنا وقلة حيلتنا أنت أرحم بنا من أنفسنا , بل أرحم من أم تحمل طفلها في المهد ... يا الله يا من قسمت الرحمة مائة قسم وزعت بالأرض واحد من المائة , و حفظت بالتسعة والتسعون الباقية عندك ... فرحمتك وسعت كل شيء   "
لكن لابد أن تكفر عن خطأها و ألا تكرره مرة أخرى , لكن كيف تصلح خطأها , و لا تعرف أحد كي تسأله كيف ! الإنسانة الوحيدة التي كانت ستساعدها غاضبة جدًا منها الآن , لذلك ارتدت ملابسها و ظلت تجوب الغرفة ذهابا و إيابًا , وهي مازالت تفكر في كيفية إرضاء مريم لتساعدها , فهي ظلت بعيدة عن وطنها , عن كنف دينها , و عادات أهلها , و بلادها , فقد أبحرت في سفينة الغربة فلم تجد الشاطئ في بلاد نسي الطير فيها أن الرزق فيها بيد الله , فتمرد ..
نسي الطين ساعة أنه طين حقير ... فصار تيها و عربد
و كسا الخزّ جسمه فتباهى ...و حوى المال كيسه فتمرّد
يا أخي لا تمل بوجهك عنّي ...... ما أنا فحمة و لا أنت فرقد
(إيليا أبو ماضي قصيدة الطين)
لكنها في النهاية وجدت الشاطئ الذي عبر بها بر الأمان , لتجد الأخت , و الأهل , والكنف و العائلة و أخيرًا الحب .
الغريب في الأمر أن مريم لم تستيقظ بعد , استنكرت بريهان هذا فليست مريم من النوع الكسول أو ذات النوم الثقيل , و عدم استيقاظها لصلاة الفجر غريب أيضا , فهي في العادة لا تهدأ إلا عندما توقظ الكل للصلاة , نظرت لها بتأمل , كيف كانت ساكنة , حتى أنها من كثرة هدوء نومها لم يتحرك حجاب الإسدال أنشًا واحدًا فقالت بريهان : ...
-يا الله , لو تشوفي وشك وأنتِ نايمة مش هتصدقي , هادييييييييه , اومال أما بتصحي بتعملي زعبيب ليه ..
ثم بدأت توقظها برقة : ..
-مريم !!! مريم ! اصحي يا ماما , أنتِ نايمة من بدري , دا أنتِ حتى ما صلتيش العشا .
تململت مريم بانزعاج شديد و تمتمت : ..
-إيه ؟!!
- إيه اللي إيه اصحي بقا ..
- مين ؟
- مين !! أنا بيري .
- طب غوري من وشي بدل ما أشوهك و أنا مش طايقة نفسي .
- أنتِ بتتحولي الصبح و بتبقي إرهابي في إيه يا بنتي قومي .
- هي الساعة كام ؟
- 8 الصبح !!
- بجد طب بريهان , امشي بدل ما أديكي بوكس أخليكي صابونة لوكس .
- بوكس , و لوكس !! أنتِ بتقولي إيه , جننتي أمي معاكي .
امتدت يد مريم على الكومدين , ظنت بريهان أنها بدأت تستيقظ , لكنها يد مريم أمسكت بقطعة أنتيك تبدو ثقيلة وثمينة في آن واحد , جلست على الفراش و كادت تقذفها بها قائلة : ...
-هتمشي ولا ..
كانت على وشك الاصطدام ببريهان لولا أن هربت من الغرفة , فوضعتها مريم جانبًا , وتثاءبت و نامت بعمق وهي مرتاحة فقد ..
"""""فقد استيقظت بعد أن نامت بريهان لتصلي العشاء , وجلست ترتب أفكارها و حساباتها , و شرعت في الصلاة والقيام وقراءة القرآن حتى صلت الفجر ونامت ..و كالعادة حلمت حلمًا و بالأصح كابوسًا يجعلها تتعرق بغزارة فمنذ دخول الجيش و هذه الكوابيس تزعج نومها لذلك كانت تتجنب النوم بعد الفجر في أيام العمل - حتى لا تهشم رأس أحدهما بعد استيقاظها - هي لم تتخيل أن عملها يأخذ من عمرها ببطء , خصوصًا و أنه لا تجد من يمنحها الأمان اللازم حتى تستطيع المواصلة , هي مسئولة عن حماية وطن . بعض كوابيسها كانت تفقدها عقلها , وماذا أصعب من أن تجد أنه يشن هجومًا على وطنها , فكرة وجود حرب رغم فترة السلام ليس أمرًا مستبعدًا , كانت ترى الموت محيط بها ..
تحاول الدفاع عن أعضاء فرقتها لكن يكون الموت قد طال أرواحهم - كما حدث و حلمت تحقق مرة عندما هجم على المعسكر هؤلاء المرتزقة - لكن فكرة الخيانة أصبحت ترد كثيرًا على بالها منذ ذلك اليوم والذي وصمته بالمشؤم .
لكن في نهاية كل كابوس كانت ترى نفسها تقاتل باستماته و قد سقط أخر فرد من فريقها , لتجد شخصا يطعنها بسكين من الخلف لتسقط على الأرض و تدمع عيناها , وتنظر لوطنها و كأنه يحتضر مثل روحها التي تنطلق إلي عنان السماء لتصل لبارئها في انتظار مصير مجهول مكبل بخيارين إما السعادة أو الخزي و كل منهما أبدي .....
و كذلك تنتهي كل كوابيسها الموجعة مع شهقتها التي تكون أول استجابة لها من ذلك المصير المؤلم إلي الدخول في أرض الواقع الذي هو _ في الواقع _ أكثر إيلامًا . و تنطق الشهادة لكن هذه المرة لم تجد كوب المياه في انتظارها الذي يهدأ من روعها , ولم تفكر في الوصول لكوب آخر لأنها ببساطة أدركت أنه في ذلك المنزل البغيض كل البغض على روحها , فتشنج كل أنش من جسدها , كانت تنتفض بذعر .. كأنها كالأموات لا حياة فيها , و كانت لتتأكد من موتها لولا أنها تعلم أن الأموات لا يتألمون و لا يبكون  .
كانت تفكر هل كوب الماء هذا له مفعول السحر أم هي من أوهمت روحها بذلك , لطالما سألها أسامة عن سر المياه التي تملأها بعد صلاة الفجر و ما سر تلك العادة التي كانت تودي بحياتها ذات مرة .
,و دائما تتهرب من الإجابة , كانت تراودها كل تلك الأفكار قبل أن تحظي ببعض لحظات من الهدوء ليتخدر جسدها و تنام و تعلم أن تلك اللحظات الوحيدة التي ستحظى فيها بالنوم بمعناه العملي .
سيحرمها منها أحدهما سواء بإيقاظها ، أو بهاتف أحمق من أحدهما , لا تعلم لما يريد الكل اقتناص سعادتها و لحظات استكانتها الوحيدة , فكان هذا سر تعكر مزاجها دائما في الصباح الباكر , لكن سماح المسكينة كانت من تتلقي غضبها السافر ؛ لذلك كانوا يتجنبون إيقاظها في أيام العطلة ....
و وجود بريهان الآن أزعجها أكثر فكانت تود لو تهشم رأسها بالفعل تلك المحتالة  """"
....................
نزلت بريهان من على الدرج تفكر هل مريم كانت على وشك تهشيم رأسها ... يا الله , حين أتاها صوت والدتها :...
- يلا الفطار يا بيري ..
جلست بريهان على المائدة جوار والدتها في مواجهة حازم , فهي ليست ندًا لمواجهة والدها تلك المرة ..
سالتها والدتها باهتمام :
- أومال مريم فين ؟
بدا حسين مهتمًا لكنه أخفى ذلك ببراعة يحسد عليها , لكن بريهان تعمدت الهروب فقالت لحازم : ...
-أنت شاري البرود منين , أنت مش عندك امتحان , وقاعد عادي تفطر .
- صباح النور !
فهمت سخريته فهي بالفعل لم تقل لأحد صباح الخير , ماذا تفعل و تلك المريم تحتل تفكيرها , فتابع حازم : ...
-أولًا أنا لازم أكون هادي عشان أركز , ثانيا بطلي تعمليني بالأسلوب ده لأني مش طفل ..  و كل سنة بجيب امتياز يعني مش فاشل , ثالثا بعد أما مريم شرحتلى حاسس إن المادة في دماغي , و شوية و هخلص مراجعة , رابعًا امتحاني فترة الضهر ... بس مش عشان أنتِ مضايقة تطلعي غضبك عليا أوك .
سبته في سرها , نعم ذلك الفتى على حق ! فهي متضايقة وبشدة , أما نورا فقد فهمت إن بريهان تتهرب من الإجابة , فسألتها بحزم هذه المرة : ..
ـ مريم فين يا بريهان ؟
ـ الجدع يقوم يصحيها !
الكل : نعم !
ثم تابع حسين باهتمام : ..
ـ ما أعتقدش إنها من النوع الكسول بطبيعة شغلها , إلا إذا كان في سبب تاني ..
بريهان : هو تقريبًا نوع من escapism (الهروب من الواقع ) بتتهرب مننا بالنوم ... دا أنا جيت أصحيها كانت هتضربني بأنتيك في وشي .... حازم بما إنك فاضي ما تقوم تصحيها .
ـ اشمعنا دا ! لأ كله إلا دا !
قالها حازم بطريقة الألحان , فقالت بريهان ساخرة : ..
ـ يا ظريف ... قوم يا رزل .
- طب و الله ما أنا قايم .
حسين : طبعا ما أنتش قايم لو أنتِ أخر واحد .... إيه يا بريهان هانم , إزاي أخوكي يصحي صاحبتك من النوم .
ضغط على حروف جملته الأخيرة , ففهم الجميع ماذا يقصد , فقالت بريهان بهدوء : ..
-عادي يا دادي , هي أصلا بتنام بالإسدال و صرحته ..
حسين : بالإسدال !!!
لم يستطع أحدهم منع الابتسامة من الظهور على شفتيه فأي إنسانة تلك التي تنام بالإسدال في جو حار مثل هذا ..
وجه حازم حديثة لبريهان قائلا باهتمام : ..
-هى مريم عملة رجيم ولا ناوية صيام ليل و نهار ؟!
نظرت له بيري بعدم فهم و قالت : ..
ـ مش فاهمة !
- الفطار و أنا و أنتِ عارفين كويس اللي حصل , و بعد كده ما شوفتهاش بتاكل , حتى نامت بدري و ما اتعشتش و ..
بريهان : ثانية واحدة ! أنا مش بعتالكم أكل و عصير و أنتم بتذاكروا ..
- لأ أنا بس اللي كلت ! لما قولتلها تأكل بصتلي بصة كنت هقع من طولي ... ألا صحيح هي في جهاز إيه في الجيش , ممكن تكون كشف الكذب أو المخابرات  😂😂 , دا أنا ميت في جلدي من ساعتها ..
بيري بتحذير : حازم !!
- إيه ؟
- يعني المجنونة مش كلت حاجة خالص , هتموتني و الله و كام مرة هتعمل نفس الحركة الغبية دي .. كمان المنوم ... أووف , أعمل إيه فيها بس !!
بدا عليهم الاهتمام , فأمرت نورا بريهان : ..
-قومي هاتيها تفطر !
بريهان: استهدي بالله يا ماما , هو لدرجة دي نفسك أتشوه , بقولك كانت هتضربني بالأنتيك في وشي ..
نورا  بنفاذ صبر : بيري !!!
قام حسين من مجلسه , فاستغرب ذلك الكل , فهو ليس من اللذين يقوم من على الطعام بسبب مشاجرة كلامية , فلديه قدرة غريبة على التحمل و عدم إبداء مشاعره , و إما أن يسكتهم جميعا بإشارة من يديه .
لكنه لم يدخل مكتبه , بل صعد الدرج , علت الدهشة وجههم جميعًا .
منذ متى وهو يصعد الدرج , إلي أين هو ذاهب , تتبعه الجميع بأبصارهم إلي أن اختفى .
وصل إلي باب غرفة بريهان , ثم دلف بدون استئذان لأنه يعلم أنها نائمة , نادي عليها من مكان بعيد نسبيًا عن الفراش ..
ـ مقدم مريم !!! مقدم مريم !!
" يا للسخرية أب ينادي ابنته بلقبها في الجيش , يبدو أنه اندمج في عمله كوزير للدفاع حتى نسى كيف يكون أبا , لكن خطوة إقدامه على إيقاظها كانت بداية لا بأس بها "
بلا إجابة , ظل يقترب أكثر و هو ينادي عليها , حتى سمع صوت همهمتها المعترضة , عندما كان يقف عند طرف الفراش , ثم جلس و ترقب حبات العرق الغزير التي تقطر منها , أمر جعله يتعجب ؛ فالمكيف يعمل , تجاهل الأمر و هزها قائلًا : ...
-اصحي يا ماما , هما كانوا بيصحوكي إزاي في الجيش , دا أكيد القائد بنفسه كان بيجي يصحكي , عشان يدورك مكتب .... قومي !
لم تكن تعي لما يدور بحق , لكنها ظنتها بريهان فقالت بعصبية : ..
-مش قولتك ما تصحنيش , وإلا هشوهك .
رفعا حاجبيه مصدوما من قولها , هل هذه فتاة !!
يبدو أن الجيش أثر عليها أكثر مما ينبغي !
استمر في هزها بعنف , فتأففت و هتفت بعنف :..
-أنتِ كده لعبتي في عداد عمرك .
قامت و هي مغمضة العينين , بإمساك تلك الأنتيكة و سددتها نحوه  فأمسك يدها بقوة قبل الاصطدام بوجهه , لكن القوة كانت كفيلة بتشوية وجه الذى أمامها بالفعل , تعجبت مريم من القوة التي تم إمساك يدها بها , لكنها غضبت , وكانت على وشك شدها من شعرها و هي مغمضة العينين , لكنها حددت الاتجاه الذى ممكن أن يتواجد فيه راسها , لكنها كانت نائمة , فبدل إمساك شعرها , صفعته قرب ذقنه ....

أختان في العاصفةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن