٤١

5.7K 250 1
                                    

الفصل الحادي و الاربعون
( ليس قاتلا )
فجأة وبدون سابق إنذار لمس كتفها يد شخص ما , ففزعت وشهقت عاليًا و هي تستدير تجاهه !! رأت وجهه فهدأت و اطمئنت لرؤية وجه جدها , ولم تعبأ بذلك التغير في ملامحه من الهدوء للعبوس .
نظر لها بحنق شديد , ثم هتف وهو يكز على أسنانه :..
- إيه اللي أنت عملتيه ده ؟!
- أنت تحب نتخانق في الشارع ،  ولا نتناقش في البيت بهدوء .
- أو ليس البيت بقريب .
قالها متوعدًا , ثم ذهب بها تجاه السيارة , تنهدت هي الصعداء فقد أخرت تلك المواجهة المحتومة قليلا .
ركبت معه السيارة وهي تبتعد كل البعد عن النظر إليه , فملامح وجهه كانت أشبه بقنبلة موقوتة على وشك الانفجار , و كأن عاصفة على وشك الاندلاع على رأسها .
و صلت السيارة إلي الفيلا , أبطأ سامي محرك السيارة في أحد زوايا القصر ليهيأ نفسهما للدخول لمرأب السيارات وهو يغمغم مع نفسه : .......
- حتى الجراش يا دعاء ما هنش عليكي تعملي تصميمه بسيط .
أفاق من شروده على صوت فتح باب السيارة , ومريم تركض للداخل , فهتف بتهكم : .......
- دلوقتي عرفت أنت صممتيه كدة ليه يا دعاء يا مرات ابني ..
............................
دخلت مريم الردهة فوجدت بريهان تتحدث مع سماح , رأتها بريهان فهتفت بلوم : ..........
- إيه اللي أنت عملتيه دا يا مريم دــــــــ
لم تكمل حديثها , فقد أخذتها مريم من يدها مسرعة إلي الغرفة وسط دهشة سماح من تصرفها .
زاد دهشتها دخول سامي حجازي مهرولا خلفها بما لا يناسب رجلا في مثل اتزانه ووقاره و مركزه , ثم فزعت من نبرة صوته وهو يصيح فيها بحزم : ...
- هي فين ؟
ارتجفت سماح , فلم يكن منها إلي أن أشارت إلي غرفة مريم حيث ذهبت راكضة .
أوصدت مريم الباب من الداخل خلفها , وأسندت ظهرها محاولة التقاط أنفاسها بصعوبة ....
بريهان :  في إيه يا مريم ؟
أشارت لها أن تتمهل عليها , لكن صوت صراخ سامي لم يمهلها البته .
- إفتحي يا مريم !
- مش هفتح إلا أما تهدي .
- يعني أنت قاصدة اللي عملتيه ده , يعني كنت بتاخديني على أد عقلي , لا يا مريم مش بالسهولة دي مش هسكت , و إذا كنتي أنتِ كرامتك مش مهمة عندك , فأنا مش هسكت إلا ما أندم حسين ثابت على كل اللي عمله .... مش هسكت على قتله لمحمد , أبوكي يا مريم ..... سامعة هو اللي قتل أبوكي .
ذعرت كلتيهما عقب جملته الأخيرة , و توقف عقلها عن العمل , أحقا هذا ما حدث أوالدها الذي أنجبها قتل والدها الذي رباها ؟
بمجرد أن عاد إدراكها للعالم الواقع , فتحت الباب بسرعة لعلها تجد جدها فتفهم ما قاله لكنها غادر و تركها فريسة للشك .
.........................................................
في غرفة سامي حجازي ,,,
دلف سامي حجازي إلي غرفة نومه وهو يشعر بالضيق , بالحنق .
خلع سترته بعنف و ألقاها حانبًا ثم ارتمي على فراشه , ضرب بيده على الفراش و أردف بحزن :..........
- ليه يا مريم ضيعتي الفرصة دي من إيدي , كانت الخطوة الأولى عشان انتقم من حسين ثابت على قتله لأبوكي .... ليه يا مريم , ليه !!!!
و سرح سامي في ذكريات الماضية التي حطمته  ..
******
ذات ليلة عاد محمد و على وجهه علامات الحنق و كان يزفر من الضيق أيضًا , فاقترب منه والده وهو يسأله بتوتر :..
- في إيه يا محمد , قلقتني يا حبيبي .
- ما فيش يا بابا , أنا أصلا غلطان إن ما سمعتش كلامك و رحت الحفلة دي .
- عشان الحفلة للعائلات يعني يا محمد , أنا قولتلك بلاش و قولتلي إن دي حفلة إصحابك بتوع زمان وما ينفعش ما تروحش .
- يا بابا ربنا يرحم دعاء ويجمعني بيها في الجنة , أنا راضي بقضاء ربنا , بس مش دا اللي مضايقي , عارف شوفت مين هناك .
- مين يا محمد ؟
- حسين بيه , بس اتغير أوي يا بابا !
- دول 20 سنة يا بني .
-18 سنة و 5 شهور , و 3 ايام  .
دمعت عيني محمد , و أشفق عليه والده , فولده يتذكر موعد فراقهم باليوم و بالثانية , لم ينس صداقتهم كما نسيها حسين , كما يعلم سامي إن ولده مازال على أمل أن يعودا على سابق عديهما , تابع محمد بحزن : ....
- بقي عميد  , وعنده فيلا وعربية , زي ما وعدني إنه هيبقي غني ,  و خلف هو و نورا بنت و ولد .
- محمد أنت لسه بتفكر في نورا .
حدق محمد في والده بحنق و هتف بغضب : .........
- أنت هتعمل زيه يا بابا , مين أمتي و أنا بفكر في حد غير مراتي , من إمتي وأنا خاين , من إمتي وأنا بغضب ربنا ! نورا من ساعة ما اتجوزت حسين و هي بقت مرات أخويا يعني بقت محرمة عليا يا بابا .
ربت سامي على كتفه , و أردف بحنو : .....
- أنا آسف يا محمد , ما تزعلش يا حبيبي ..... بس هو عمل إيه ؟!
- البيه أول ما شافني , بدل ما يسلم عليا بصلي بصه مش هنساها عمري , وخبا مراته وراه , وكأني هكلها منه يا بابا .... ولقيته بعتلي الورقة دي ...
خد , خد أقرا وشوف .
تناولها سامي من يدها , نظر لها , و ما لبث إلا أن تحولت نظراته للقتامة وهي يرى بعينه كيف تتحول الصداقة لمثل ذلك الشك الأعمى .
" ابعد عن مراتي و إلا هقتلك يا محمد "
- شوفت بعينك يا بابا صاحب عمري فاكرني إيه , و أنا كنت فاكر إنه أكتر واد حافظني و فاهمني ........ أنا تعبان يا بابا عايز أسافر , أقعد في أي حته , أي حته .
- اهدي يا محمد , وفكر كويس .
- مش قادر يا بابا , عايزة أسافر .
- عشان خاطري يا بني .
- أنا ماشي .
- محمد , استني بكرا وأجي معاك .
- بابا !
- دا أخر كلام عندي .
- خلاص يبقي الفجر يا بابا , عايز ارتاح مش عايزة أفكر في حد ولا أشوف حد , يا ريت مريم كانت هنا , هي اللي كانت ممكن تصبرني .
- ربنا يجمعها بينا على خير .
كان محمد على وشك المغادرة فأوقفه سامي قائلا : ....
- رايح فين يا محمد ؟
- نسيت تليفوني في الحفلة يا بابا , هروح أجيبه .
- بلاش .
- و لو مريم كلمتني ؟
- خلاص جاي معاك .
ذهب كلامه ليجلبا الهاتف , و وقف سامي ينتظره في الخارج .
ذهب محمد ليجلب هاتفه فإذا بنورا مقبلة عليه , أمسك هاتفه واستعد للمغادرة فإذا به توقفه : ....
- أستاذ محمد !
- أنتِ بتكلميني أنا !
- أيوة , أنا كنت عايزة أقولك ما تزعلش من تصرفات حسين .
- أنتِ عارفة إيه السبب ؟
- في الحقيقة لأ , بس أنا فاكرة أد إيه أنتم إصحاب , بس متأكدة إن صداقتكم هترجع تاني , لأني عرفت خبر كده ! هو بقاله زمن بس مش عارفة إذا أنت كنت عارف ولا لأ , بس مريم بنتك , و بريهان بنتي إصحاب و مع بعض في نفس الأوضة في لندن .
- طيب , ماشي , شكرًا بس أنا ماشي وجوزك لو شافك واقفة معايا مش هيحصل كويس .
- هو مع زميله , بس مش للدرجة دي ..... دا أنت زي أخويا , عـ العموم اتفضل .
غادر محمد , وأثناء وضعه لهاتفه في جيبه فسقط على العشب فلم يلاحظ سقوطه من صوت الموسيقى الصاخبة , فالتقطه نورا و نادت عليه : ....
- أستاذ محمد , تليفونك .
- شكرا .
التقطه منها و لم يعقب وغادر في الخارج , فاصطدم بحسين , الذي نظر له نظرات نارية .
- أنت يظهر ما فهمتش تهديدي كويس .
لم يعقب محمد بل غادر بسرعة للخارج , بينما اقترب حسين من زوجته قائلا بغضب : ...
- أنتِ كنتي بتعملي إيه معاه ..
- في إيه يا حسين , أنا كنت بديله التليفون اللي وقع منه .
تعلقت برقبته  , و قالت بدلال :......
- أنت بتغير عليا يا حسين .
- أنت بتقولي إيه , طبعا بغير عليك من الهوا .
- بعد ما بقيت أبو حازم , وبعد السن ده .
- إن شا الله يبقى عندي 200 سنة برده هغير عليكي .
ابتسمت له برقة .
..............
بينما سرد محمد لوالده ما حدث في الداخل , فأشفق عليه حقًا .
و في الفجر استعدا للرحيل , وعلى الطريق الصحراوي كان محمد يقود السيارة , وهو شارد حزين , بينما كانت شاحنة نقل كبيرة تطارده , انتبه لها , و بدأ سامي يشك أن تلك السيارة تحاول أن تصدمهم عن عمد , إلي أن نجحت في مقصدها , لتنقلب السيارة على جانب الذي يجلس فيه محمد !!
لم يستيقظ سامي إلا وهو في المشفى , يخبرونه بموت ابنه الوحيد .
دفن سامي ولده رغم جروحه المنتشرة في أنحاء جسده .
أقيم العزاء ووقف في بداية سرادق العزاء سامي حجازي يأخذ واجب العزاء الذي حضره العديد من الشخصيات المعروفة والعامة , و الساسة الكبار .
وقف سامي حجازي محاولا أن يبدو متماسكًا , لكن الموقف أكبر من احتماله فخانته العبرات مبللة وجهه لتخالط تعابير الأسى و الألم .
تقدم منه حسين ثابت الذي جاء يقدم التعازى لمن كان في يومًا ما صديقه , لم يكن يعلم أكان مجبرًا أم كان يرغب في ذلك , كل ما كان يدركه حينها أنه كان حزينًا لكنه أخفى ذلك خلف قناع الجمود .
أقبل على سامي يصافحه , فدفع سامي يده بغضب , مشيرًا له أصابع الاتهام قائلا : ..........
- أنت اللي قتلت ابني .....

أختان في العاصفةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن