(( الفصل الثالث عشر ))
.....................
أصعب مايكون في صدمات القدر، أننا دائماً مانحاول تجنبها، وهي دائماً ما تلاحقنا كقطارٍ مجنون، فقد سائقه القدرة على إيقافه.
...................
مازال على وقفته يوليها ظهره، حتى بعد أن سمع إطارات السيارة تتحرك مُسرعة فوق الطريق الإسفلتي، اقتربت ابنته منه لترفع يدها الصغيرة التي تحمل أوراق الرسومات التي اهدتها إياها ريما ،قائلة بنبرة طفولية: انظر دادي، تلك السيدة اسمها ريما مثلي، اهدتني هذه الرسومات، أليست جميلة؟؟
احتقنت عيناه باللون الأحمر الدامي ،يشعر بأن أذناه باتتا تنفثان الدخان ،انحنى قليلاً ليختطف الأوراق من يد صغيرته بجفاء فخافت وعادت للخلف وهي تضمّ الكرة البلوريّة إلى صدرها بحماية.
ضغطت على أسنانه بغضب حارق وهو يشاهد اسمها متذيّلاً إحدى الأوراق، تلاحم حاجباه وهو يكوّر الأوراق بين يديه ثم مزقها بغلّ ، صرخت ابنته ببكاء فنظر إليها ليوبخها، لكن وقعت عيناه على تلك الكرة، تسارعت أنفاسه وقد تذكرها، قطع المسافة بينهما ليأخذ الكرة منها قسراً، لم يأبه بدموع الطفلة ولا بصرخاتها راجيةً إياه أن يعيدها إليها ، ضغط على الكرة بأصابعه ثم رفعها عالياً ليضربها على الأرض، فغدتْ أشلاءً متناثرة .
صعد صدره وهبط بسرعة كمن دخل سباقاً،زاد غضبه من صرخات ابنته فصرخ بها مرةً أخرى، مما جعل بكاؤها يزداد، اصطفّ الباص المدرسي بجانبه فلم يستمع إلى اعتذارات السائق الذي كان يخبره بسبب تأخره الخارج عن إرادته، فضرب على باب الباص بقوة وهو يصيح بالسائق أن يتابع مسيره ، مما أخاف باقي التلاميذ الذين بدأوا في البكاء.
تحوّل أيمن خلال ثوانٍ إلى وحشٍ مخيف وهو يصرخ على ابنته الصغيرة ليوبخها ويهزها من يدها بقسوة، ارتجفت تحت يديه ولم يستفق من نوبة غضبه إلا على صراخ المربية بقربه، لينظر إلى ابنته فوجدها مغمىً عليها.
...........................................
ماتزال تلك الرعشة تسيطر عليها وإن ادّعت الثبات، حاولت إلهاء نفسها بالتجهيزات الأخيرة قبيل افتتاح المحل ،لكنها كانت ساهمةً شاردة تذرف الدموع طوال الوقت، لاحظت إيمان ذلك فاعتقدت أن السبب هو حنينها لأن تصبح والدةً ،خاصة بعد حديثها مع ريما الصغيرة ،كما لاحظت تبدّل حالها بعد رؤيتها لأيمن، فظنّت إيمان أن الأخير لربما أساء إليها بطريقة أو بأخرى.
كانت ريما تمسك بقطعة قماش مبللة تنظف بها الغبار عن أحد الأرفف، لكنها فعلياً كانت فقط تحرك الخرقة يميناً ويساراً برتابة، اقتربت إيمان منها تريد محادثتها والاستفهام عن سبب شرودها، رسمت على ثغرها ابتسامة بسيطة ،لكنها اختفت فور رؤيتها لدموعها، شهقت بخفة فانتبهت ريما إليها بينما تحدثت إيمان بلهفة: ريما عزيزتي، مالذي حدث؟ لمَ تبكين؟؟
أنت تقرأ
وصيه والد.. للكاتب علي اليوسفي
Romanceجميع الحقوق محفوظة للكاتب ممنوع النقل والاقتباس (((المقدمة ))) (( لكلًّ منّا ماضٍ ، يؤثر في حاضره وربما مستقبله أيضاً)) { لم أستطعْ تجاوزه بعد، مازلتُ عالقةً في تلك اللحظة حرفيّاً ،حين لفظني من حياته كأنني نكرةٌ لم أكن يوماً ،لم يكلف نفسه عناء التقد...