الفصل الثاني و العشرون

5.9K 254 54
                                    

(( الفصل الثاني والعشرين))

..................

علمتني الحياة أن أبكي وحيداً، أودع آلامي في أوراق دفتري ، ثم أمزقها إذا مااشتدّ عليّ الوجع ، فأشعر ببعض الراحة.

....................

دلفت نور إلى القصر لتجد عليا تنتظرها عند المدخل عاقدة ذراعيها ، طالعت هيئتها التي لا تبشر بالخير خاصة أنه من الواضح أن والدتها لم تنم طيلة الليل ، ازدردت ريقها بوجل وهي تتقدم بخطوات خائفة، تعلم أن فعلتها أمس لن تُمرر بسهولة، لذا وكما أوصاها مجد عمدت إلى اللين، رسمت على وجهها ملامح مستكينة لتتقدم صوب أمها بثقة مصطنعة ، هاتفة ببسمة لتقاطعها قبل أن تنطق بحرف: آسفة أمي ، أعلم أيا كان ماسأقوله ليس مبرراً لما فعلته وقلته أمس ، لكنني أعتذر.

كانت قد وقفت أمامها تماما عند قولها هذه الجملة  ، رفرفت بعينيها كقطة مسالمة لتضمن الحصول على عفو والدتها، وللحق فقد اجادت تمثيلها بشكل اذهلها هي ذاتها ، أسبلت عليا يديها لتنظر إلى ابنتها بنظرات متفحصة ، في النهاية هي والدتها وافضل من يعرفها ، حدثتها بنبرة حملت لوماً وعتاباً: أنا اسامحك نور ، رغم أن حديثك أمس لم يكن ملائما البتة.

مسّت كلماتها مشاعر نور فهي على حق ، كادت أن تجيب عندما سمعت كلتاهما صوت إغلاق باب سيارة ما، التفتت الاثنتين إلى بوابة القصر لتريا آماليا تعطي سائق سيارة الأجرة ماله ، ثم تستدير نحو القصر لتمشي بخطوات ثابتة ، اتسعت ابتسامة نور لتنزل الدرجات الرخامية وتقابل شقيقتها ، واضعةً يديها خلف ظهرها وتميل برأسها للجانب ، أسبلت عيناها ببراءة هاتفة: ( امول ) حبيبتي ، أنا آسفة.

وقفت آماليا أمامها تنفخ بامتعاض من الأسلوب ذاته الذي تنتهجه نور معها كلما أخطأت ، رمقتها بلا مبالاة لتحاول تجاوزها، فأسرعت نور لتقف أمامها هاتفة بلهفة واضعة يدها على أذنها: هذه أذني شديها لو أردتِ فقط سامحيني.

تململت آماليا في وقفتها ناظرة إليها مجيبة بحنق: لا نور، هذه المرة لن  تنفعك حركاتك الطفولية هذه.
أسرعت الأخيرة لتمسكها من ذراعها قائلة بنبرة  كمن يوشك على البكاء: أرجوك آماليا سامحيني، أنا لم أقصد جرحك أقسم لك.

ربما الأمر غباء أو أنه مشاعر الاخوة الصادقة التي تحملها آماليا اجبرتها على مسامحتها ، حاولت الاحتفاظ بملامح الغضب على وجهها لكنها فشلت عندما زمّت نور فمها وغامت عيناها كأنها ستبكي حقا ، ابتسمت لتأخذها في أحضانها هامسة بحنان: اسامحك أيتها الحمقاء، وهل في يدي غير هذا لأفعله ؟؟ !

سالت عبرات نور حقيقة ، برغم أنها تحملها اللوم لكنها داخليا تعرف أنه ليس لشقيقتها يدٌ في الوصية ، عاضدتها آماليا في بكائها فهي بحاجة إلى كتف لتبكي عليه علّ فؤادها الجريح يُشفى !!
تأثرت عليا بمنظر الشقيقتين ، خطت إلى الأسفل لتشارك في عناقهما الأخوي الخالي من مشاعر مزيفة، أو نفوس كدّرها الطمع والمال .

وصيه والد.. للكاتب علي اليوسفي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن