الفصل العشرون

5.5K 238 15
                                    

(( الفصل العشرون ))

...........................

الاختناق ليس انقطاع الهواء عن رئتيك ، بل ابتعاد الحبيب عن مرآى عينيك.

..........................

لا شيء أصعب من خواء الروح، تشعر ببرود يقتحم خلاياك يوازي جليد القطب الشمالي والجنوبي معا ، مع نيران تشتعل داخلك ولا تستطيع تفاديها ، تناقض رهيب تعيشه أجزاؤك .ومن حولك لا يشعرون ، وإن شعروا فلا يأبهون ، وإن اهتموا فلن ينفعوك بشيء.

ظلّت تمشي كالضائعة بلا هدف ولا سبيل ، في طريق معبدة وعلى جانبيها أشجار نفضية، تنفض أوراقها الصفراء فوق رأس تلك الهائمة في مشهد خلاب ، كأن مياه الأمطار التي بللتها لم تؤدي غرضها بعد ، إنه طريق مدرستهم القديمة ، لم تتقصد المجيء إلى هنا لكن قدميها اجبرتاها ، توقفت قبل أن تصل إلى البوابة الحديدية السوداء ببضعة أمتار ، نظرت حولها بأعين شاردة ولا تعرف كيف وصلت إلى هنا ، اليوم عطلة للمدارس والبوابة مغلقه ، مازالت تذكر كيف كانت تصرّ على القدوم إلى مدرستها مشيا على الأقدام ، وكم كان والدها يخبرها بأن تذهب في الباص المخصص أو أن يبتاع لها سيارة مع سائق خاص ، لكنها دائما ما ترفض وتخبره بأنها تهوى الرياضة الصباحية.

حركت رأسها لتنظر حولها بضياع، عادت إلى الخلف لتجلس على مقعد خشبي و انهمرت دموعها من جديد لتبلل وجنتها التي لم تجفّ بعد ، علا صدرها وهبط في حركة سريعة ليعلو صوت بكائها ، ضربت على صدرها مكان قلبها بخفة وهي تصرخ توسلا: يكفي أرجوك ، اتوسل إليك توقف عن النبض وارحني.

مرت ساعة كاملة وهي على تلك الحال ، صامتة دون حديث ، عبراتها المقهورة تحكي عما في داخلها، فيما عقارب الساعة تلتهم الوقت كالعادة ، والحياة تدور عجلتها ولم تتوقف عند حزنها ، كان الطريق خاليا إلا من بعض المارة ، بعض الأرواح المتعبة والاجساد المنهكة التي تنشد الراحة ، سطعت الشمس بعد عاصفة اجتاحت روحها التي اظلمت من مرارة الفقد والأرق والقهر ، لترى الحياة بأعين جديدة هذه المرة، أعين تتوق إلى الحياة وتنكر الموت قبل الموت ، تنفست بعمق لتمسح دموعها وبعض القوة التي لا تعرف أساسها تسللت إلى قلبها المدمى ، لتتابع مسيرها نحو منزلٍ تعلم أنه سيحتويها مهما طالت أحزانها.

.................................

توقفت نور بسيارتها أمام أحد المطاعم ، طالعت الواجهة الزجاجية بتردد ، لم تكن تشعر بالجوع وأيضا هذا المطعم ليس بريئا البتة، أحنت رأسها لتسنده على المقود تنفخ بامتعاض ، لم يكن الأمر متعلقا بالمال أبدا ، لكنها درست وتعبت وحلمت بأن تدير شركة أبيها ، لتثبت أنها تستطيع النهوض بها بل والعمل على توسيعها ، حتى أباها نفسه كان يشجعها على المثابرة في الدراسة والتدريب دائما ، لكن حلمها قد يذهب أدراج الرياح مالم تتصرف.

وصيه والد.. للكاتب علي اليوسفي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن