(( الفصل التاسع والعشرين ))
.....................................
لا شيء أصعب من الابتسامة وسط جحيم مجبرين على التعايش معه بصمت.
................................
ليلة أخرى تمرّ على أفئدة تلتهب شوقا ، حتى مجد لم ينم تلك الليلة ، فبعد رحيل آماليا عاد أدهم إليه بوجه مختلف ، لم يحادثه بحرف وليته فعل، فما قرأه داخل مقلتيه أفزعه بحق، كان أدهم يؤنبه ويلومه ، ربما لو سمحت له آماليا بضربه لما آلمه قلبه كما يحدث الآن.
حتى أنه لم يأبه لبقائه في المشفى، كذلك لم يبدِ اعتراضا عندما عرفته ريما على طبيبه النفسي الجديد، كان هادئاً للغاية، هادئ بشكل يبعث على الريبة.
أغمض عينيه عندما شعر بأحدهم يتحرك في الغرفة، كانت ريما التي حركت ستائر النافذة لتدخل أذرع الشمس الذهبية لتملأ غرفته، تطلعت إليه بأسى حاولت دفنه خلف ابتسامتها الهادئة ، صاحت باسمه ليستفيق لكنه لم يجبها وقد عرفت من اهتزاز جفنيه أنه يدّعي النوم ، تنهدت بتعب فيبدو أن القادم من الأيام لن يكون بالسهولة التي تتمناها.
فور خروجها من الغرفة جلست على أقرب كرسي صادفها، تشعر بالتعب والإرهاق يغزو جسدها وكل خلية به تصرخ تطلب الرحمة، فهي لم تنم منذ الأمس ، تنهدت بتعب وهي تسند رأسها إلى الحائط خلفها، عقلها توقف عن التفكير في أحداث أمس لأن أحدا لغاية اللحظة لم يفهم ماحدث وماسيحدث.
غادر أدهم بعد رحيل آماليا أمس إلى المنزل، متذرعاً بحاجته للنوم وأيضا لجلب بعض الأوراق ، مع علمها المسبق أنه لن يغمض له جفن ، أما نور فقد عادت أيضا إلى منزلها مساء وهي على يقين أن لا أحد من أولئك الستة إلا وقد أرهقه السُّهاد...
..... ....... .......
جلس كلاهما يستمعان إلى حديث الطبيب الشاب بعد أن سردا له القصة بإيجاز، ثم تساءل : وأين هي تلك التقارير؟؟
تطلع أدهم إلى ريما كأنه يسألها ، فرفعت كتفيها بعدم معرفة لتهمس له: اعتقد أنها لدى مجد.
تهدل كتفاه بإحباط وهو يعيد نظره إلى الطبيب الذي أضاف،: ارجو منك سيد أدهم أن تحضرها لي، يجب أن اطلع عليها للضرورة .
حرك رأسه بتفهم ، شبك الطبيب كفيه ببعضهما ليضعها على الطاولة، عندما سألته ريما بحزن: هل هناك امل في شفائه حضرة الطبيب؟؟أخذ الطبيب الشاب نفساً عميقا ، ليستفيض شرحا للجالسيين أمامه: دعاني اخبركما الحقيقة ، مرض مجد في مراحل متطورة جداً ، لكنه مازال قابلاً للعلاج بالرغم من صعوبته.
قطب أدهم جبينه بشك متسائلا: لكن الطبيب الذي كان يتولى حالته في بريطانيا قال أنه قد شُفي تماما ؟؟
سدّد له لطبيب نظرة متفحصة ليسأل بدوره: هل قابلت الطبيب بنفسك واخبرك بهذا؟؟
رمشت عيناه باستغراب حتى حرك رأسه بنفي مجيبا: لا ، لكن التقارير....
قاطعه الآخر بإصرار: لا شك عندي بأن تلك التقارير غير صحيحة بالمرة.
تلاحم حاجباه بريبة ولم تكن ريبة ريما بأقل؛ فيما أضاف الطبيب: دعاني فقط اخبركما بأن مجد لم يشفى أبدا من مرضه، إنه متعلق بريما وبكل شيء يخصها بشكل أشبه ما يكون تعلق الطفل بوالدته، حيث اقترن عالمه بعالمها ،وكلما ابتعدت عنه بكى يطلبها ، وإن عادت كأنما أعادت له روحه.
أنت تقرأ
وصيه والد.. للكاتب علي اليوسفي
Romanceجميع الحقوق محفوظة للكاتب ممنوع النقل والاقتباس (((المقدمة ))) (( لكلًّ منّا ماضٍ ، يؤثر في حاضره وربما مستقبله أيضاً)) { لم أستطعْ تجاوزه بعد، مازلتُ عالقةً في تلك اللحظة حرفيّاً ،حين لفظني من حياته كأنني نكرةٌ لم أكن يوماً ،لم يكلف نفسه عناء التقد...