(((الفصل التاسع عشر )))
..................................
أشعر أن الماضي دائماً مايأتيني مرتدياً قناع قط لطيف تائه، وحينما أداعبه وأمسك يده بصفاء سريرتي ينقلب فجأة إلى ذئب شرير ، يركض بي محاولا إلقائي في بئر الذكريات ، حيث إن سقطت فلا عودة.
................................
لمْ تزلْ نور كالمهرة الثائرة تصول وتجول ذهابا وإيابا في مكتب والدها مذ غادر قاسم ، حديثه مصيبة بكل المعايير ، فيما آماليا جالسة على شرودها ، واجمةً في نقطة في الأرضية الكريستالية، وعليا بجانبها تجلس بكتفين متهدلين ، ضجيج رأسها لا يهدأ من كثرة التفكير في فعلة عمار وأسبابها.
وقفت نور فجأة أمام والدتها تهتف بصوت محتقن: ما الذي سنفعله الآن أمي ؟؟ كيف سنحلّ هذه المشكلة ؟؟
رفعت عليا رأسها صوب آبنتها، لتحدثها بصوت رخيم ماتزال بحة الحزن واضحة فيه: اهدأي الآن نور، لن نستطيع التفكير في أي حل نافع وأنتِ في هذه الحال.
صاحت بحدة متناسيةً الظرف المحيط: كيف لي أن اهدأ امي ؟؟ أخبريني كيف ونحن على وشك أن نصبح معدومين ومسلوبين من كل املاكنا ؟؟ ونحن على حافة الإفلاس كيف؟؟.
حاولت عليا امتصاص حالة الغضب المسيطرة على ابنتها قائلة برزانة : أخبرتك نور، لن نصل إلى حل وانت هكذا.
عادت نور إلى حالتها الأولى بين ذهاب وإياب، تضرب كلتا كفيها ببعضهما بغضب حتى وقفت فجأة لتقول كمن تذكر شيئا : سأطعن بصحة الوصية.
قطبت عليا جبينها لتجيبها باستهجان: أجننتِ؟؟ ستطعنين بصحة والدك العقلية ؟؟
صاحت كمن فقد عقله: لماذا هو لم يفكر في تبعات وصيته قبل أن يموت ؟؟؟
وقفت عليا قبالتها لتنهرها بصوت جاد رغم تعبها وحزنها: لن أردّ على حديثك لأنك غاضبة الآن ، لكن إن كنتِ قد نسيتي فعمك قاسم قال إن الوصية مثبتة في المحكمة ، لذا لن تستفيدي من الطعن شيئا سوى غضبي عليك ِ.
ضغطت نور على فكيها بقوة تكاد تجعل أسنانها تصرخ توسلا بالرحمة، حتى تابعت عليا حديثها بنبرة عطوف وهي تمسح على يدها: اذهبي الآن وارتاحي حبيبتي ، في الغد لنا كلامٌ آخر.
تأكدت نور أنها لن تجني شيئا من بقائها سوى المزيد من المجادلات والمهاترات التي لن تفضي إلى نتيجة ، زفرت بضيق وهي تشدّ على شعرها الحرّ ، تحركت خارجة تدبّ الأرض بعصبية ، تنهدت عليا بحزن لتجلس مكانها بجانب آماليا التي لم تنطق بحرف حتى الآن ، طالعتها بآسى وهي تشعر بما يعتمل داخلها من تخبط ، همست آماليا بصوتٍ خفيض وماتزال تنظر إلى الأرض : لماذا أمي ؟؟ لمَ فعل أبي هذا بي؟؟
زفرت عليا بحيرة ولا تعرف بمَ تجيبها ، مسحت على ظهرها بحنو قائلة بحنان: لا أدري آماليا ، حقا لا أعرف بمَ كان يفكر والدك عندما فعلها.
أنت تقرأ
وصيه والد.. للكاتب علي اليوسفي
Romanceجميع الحقوق محفوظة للكاتب ممنوع النقل والاقتباس (((المقدمة ))) (( لكلًّ منّا ماضٍ ، يؤثر في حاضره وربما مستقبله أيضاً)) { لم أستطعْ تجاوزه بعد، مازلتُ عالقةً في تلك اللحظة حرفيّاً ،حين لفظني من حياته كأنني نكرةٌ لم أكن يوماً ،لم يكلف نفسه عناء التقد...