الجزء السادس عشر

373 6 1
                                    


بدأت فاتن تفتح عينيها ببطء شديد وتناهي إلي مسامعها صوت يقول في دفء:
فاتن  , فاتن ردي عليا ؟  فيكي ايه بس ؟
تسلل دفء الصوت إلي روحها ففتحت  فمها لتجيب بتثاقل :
أ..أنا بخير  .
فجاء الصوت ليقول بنفس النبرة المليئة بالدفء :
طيب افتحي عينك دنيتك هتموت من الخوف عليكي   .
صارعت كثيرا لتفتحهما فطالعها وجه أدهم وعلي ثغره بسمة  إرتياح وأشار بعبنيه للأسفل لتجد دنيا تمسكها من يد ونور تمسكها من الأخري وعينيهما مبللتان بالدموع  فقالت بوهن وهي تحاول الابتسام :
ما تقلقوش يا عيوني  انا بخير والحمد لله .
هنا فتح الباب بقوة ليدخل من خالد وعلي وجهه الفزع  أقترب منها ليقول :
فاتن  مالك يا حبيبتي حصلك ايه  ؟
ما أن شاهدت أخاها حتي أطلقت العنان لدموعها وتعلقت به  مخفية وجهها في صدره  وهي تقول من بين شهقاتها :
رجع تاني  يا خالد رجع  من الجحيم  !
إحتضنها وهو يسئلها بقلق :
مين يا فاتن قصدك مين  ؟
لاحظ أدهم خوف الفتاتين فأخذهما للخارج وبينما كان يغلق الباب سمعها تقول برعب :
سالم ,  رجع تاني  .
صرخ بها خالد قائلا:
ايه  ؟ انتي  اتجننتي يا فاتن سالم مات  في حادثة الأتوبيس  ايه اللي بتقوليه ده فوقي  !
قالت له وهي غير مصدقة :
لا لا ابدا انا شفته يا خالد كان واقف بعيد ونظرته كلها وعيد ليا  انا . أنا خايفة يا خالد خاي...فة مش هقدر ارجع تاني للحجيم بتاعه هموت  .
تركها خالد بعدما أعطاها الطبيب حقنة  مهدئه  ليجد أدهم  يتبادل الحديث مع الطبيب فإقترب منهم خالد وسمع أدهم يقول :
عني حضرتك تقصد انه تخيلت وجوده يا دكتور .
قال الطبيب :
من الرعب والفزع الذي إنتابها من  رجوع  زوجها المتوفي  واضح جدا  أنها مرت بحياة قاسية معاه , ومن تحليلي للامر انها لما شافت سعادة بنتها تذكرت سوء معاملته ليها وللبنت ومن رعبها من الفكرة عقلها الباطن جسد ليها وجوده  .
صاح خالد بغضب :
الحيوان أذاها في حياته وبعد مماته الله ينتقم منه  .
قال أدهم للطبيب متسائلا بحذر :
طيبة النوبة دي يا دكتور مؤقتة ولا دائمة ؟ يعني هيلزمها متابعة العلاج النفسي  ولا هي مجرد نوبة عرضية وهتمر .
هز الطبيب راسه قائلا  :
مقدرش اجاوب علي   السؤال ده إلا لما تفوق وبعد كدة هنقرر المطلوب , أستأذنكم ولو احتجتم  لحاجة أنا في مكتبي عن أذنكم .
تابعه أدهم بعينه ولكن عقله كان يفكر في ماهية الحياة التي مرت بها فاتن ونظر لأخيها وقال يكتم غضبه :
كنت فين انته ووالدكك واختك بتمر بكل ده , ليه سيبتوها تواجه كل المصاعب دي لوحدها  , بجد مش قادر افهم او استوعب اهمالكم وتقصركم في حقها .
نكس خالد راسه وشعر بالذنب فدمعت عيناه ورحل ليقف أمام غرفة اخته في صمت نظر له أدهم بإشمئزاز ليذهب إلي الفتاتين الجالستين بعيد عنه قليلا ليطمئنهما  والتقط دنيا واجلسها علي ركبتيه وأحتضنها قائلا :
  متخافيش يا حبيبتي ماما بخير هي بس تعبت  علشان منامتش كويس وهتكون كويسة بكرة ان شاء الله  .
قالت الطفلة بخوف :
ه..هو حقيقي بابا رجع تاني , هيضرب ماما تاني  أرجوك يا عمو ادهم متخليهوش يضربها ع.. علشان بضربها جامد قوي وبتنزل دم من راسها ووشها وأنا بخاف منه   قوي .
ضمها أدهم بشدة وشعر أنه أصبح مسئولا عنهم هما الأثنتين وربط علي راسها قائلا بحنان  عكس ما يدور بصدرك من ححم ملتهبة :
ل متخافيش مش هسمح لأي حد يمسك انتي أو مامتك بسوء طول ما انا عايش , ثم ان باباب مات هو فيه حد مات بيرجع تاني برضه  ؟
إحتضنته الفتاة لتقول بمشاعر صادقة :
ياريت انته اللي كنت بابا كانت ماما هتحبك قوي قوي وانا كمااان .
لم يجبها بشيئ بل أخذ دنيا  بين ذراعيه وسرح بفكره في شيئ ما .
خرجت فاتن من المشفي في اليوم التالي وقد كانت بخير ومعافاة تماما وتقرر عودة الجميع فقد أـتم أدهم صفقته ولم يعد هناك داع لمكوثهم اكثر من هذا  وعادوا أدراجهم علي الفور  .
اوصلها أدهم إلي بيتها وقال وهو يفتح لها باب  السيارة  :
من  بكرة  هتكوني مسئولة عن قسم الترجمة بالشركة  احنا  محتاجينك بما أن ألكس  انضم لينا دلوقتي  وأنا هتكلم مع رقية  علشان  تدور  مربية تانية لنور  أنتي مكانك  مش هناك بالتأكيد .
شعرت بالسعادة  لذلك   فهو يقدر مجهودها ويمنحها فرصة عظيمة فقالت بسعادة :
بجد مش  لاقية كلمات اعبر بيها عن مدي شكري وامتناني لحضرتك علي مساعدتك ليا  ومها عملت فعلا مش هقدر اوفيك حق حضرتك  .
قال لها وهو يهم بالمغادرة :
لو  مكانش تستحقي ده عمري ما كنت هعمل كده ثقي تماما في كدة , اشوفك  بكرة .
عاد أدهم إلي البيت  كانت مدبرة المنزل ومساعدينها نائمين والظلام يكاد يكون السيطر عدا  ضوء خافت هنا وهناك صعد إلي غرفته اغتسل وبدل ثيابه صنع لنفسه فنجان من القهوة ثم نزل يرتشفه في الحديقة أخذ منه رشفه ثمسرح بباله في الأحداث الماضية كان وجه فاتن لا يغادر عينه فأغلقها محاولا الهروب ولكن أرتسم وجهها الباسم بوضوح أمامه زفر بغضب فقد غضب من نفسه لسيطرتها هكذا علي تفكيره وبينما هو سارحا في خياله سمع صوت أقدام تأتي من الخلف فأستدار ليجد أسر قادما وكان وجهه متجهم وملابسه غير مهندمة علي الأطلاق  فقال له أدهم بتعجب :
أسر  كنت فين  ؟  واختفت ليه من الفندق ومقولتش لحد انته فين ولا رايح فين حتي.
ألقي بجاكيت بدلته علي الكرسي بلا مبالاة  وجلس وهو يقول متأففاً :
يعني طرأ أمرا ا إستدعي  اني امشي  و مكنتش حابب انكد عليكم رحلتكم فمشيت .
قال أدهم مؤنبا :
كان  الواجب عليك  أنك تبلغني  مش تختفي لأيام  من غير ما نعرف  أانته فين واخبارك ايه !
صاح أسر بغضب :
أنا  مش عيل صغير يا ادهم علشان اخد الاذن منك اعمل ده او معملش ده .
قال أدهم بهدوء :
وعلشان انته مش طفل كان المنتظر منك تتصرف زي الكبار .
لم يجبه أسر بشيئ بل سحب بدلته بعنف وغادر  سريعا وأدهم يتابعه بصمت ودهشة .
مضي إسبوع  منذ تولت فاتن إدارة قسم الترجمة وأثبتت فيه أنها تستحق المنصب  بجدارة   ومع نهاية يوم الخميس رن الهاتف الداخلي بغرفة فاتن لتجد أدهم يطلب منها الصعود لمكتبه في الحال , رتبت فاتن أوراق مكتبها وأسرعت علي عجل   لتري ما الأمر طرقت باب  المكتب لتسمع صوته من الداخل يأذن لها بالدخول   دخلت وتركت الباب مفتوحا ووقفت أمام مكتبه وتساءلت قائلة :
   خير يا استاذ أدهم ؟
  نظر للباب وقال لها متعجبا:
ليه ما قفلتيش الباب وراكي  ؟
أجابته قائلة بثقة  :
لأنه لا يجوز اني اققفل  الباب  حضرتك مش  من  محارمي .
كانت المرة الأولي التي يسمع بها عن هذا الأمر فلقد أصبح المعتاد غلق الأبواب علي الموظفة ومرؤسها  حتي أصبح هذا هو الطبيعي  والطبيعي اصبح غير الطبيعي   , أعجبه للغاية حشمتها وإحترامها لذاتها  فلم يعترض و ألقي أمامها بطاقة صغيرة فتاولتها وقرأت ما بها فتهلل  وجهها وقالت  بفرحة :
الحمدالله مبارك ليكم  علي شفاء را... استاذ رامز !
نهض  من علي كرسيه وهو يقول :
شكرا لكِ , تقدري تاخدي بكرة اجازة علشان تحضري الحفلة رقية بعتت ليكي دعوة , وبتقولك انها بانتظارك بكرة .
قالت فاتن  معتذرة :
للأسف  مش هقدر عندي بكرة اجتماع  مهم مع شركة ا....
قاطعها قائلا بحسم  :
لا مجال للإعتذار رقية  مش هتقبله أبدا ونور   كمان عايزاكي  أنت  , ثم أني مشوفتش  دنيا من كذا يوم أيام  بدون نقاش هبعتلك السواق بكرة علشان يوصلك  .
أستدارت لتغادر ولكنه أوقفها  قائلا :
- لحظة يا فاتن .
        نظرت له بتساؤل ففتح درج مكتبه واخرج منه علبة ناولها ياها وهوه قول :
ده  تليفون  جديد بدل  اللي اتكسر .
     أرادت الأعتراض ولكنه لم يهملها إذ قال :
- لامجال للرفض هتواصل معاكي ازاي علشان الشغل والادجتماعات .
لم تجد بد من الموافقة لذا تناولته منه قائلة :
- حسنا , شكرا لك لكن هخصمه من مرتبي .
وعادت لتحضر نفسها للحفل والذي حدث فيه مالم يكن بالحسبان !!!!!!!!!!!
#الارغو
#ورست_سفينتي
#هيام_عرفة

الارغو (ورست سفينتي)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن