مثقـال الذرّة

169 34 1
                                    

فكما يشكر الكريم من عمل معروفاً، فكذلك سبحانه وله وله المثل
الأعى  يشكر شكرًا يليق بكرمه وبعزّته و عظمته، شكرا لا كالشكر،
فهو شكور لأن الشكر الواحد منه أعظم من كل شكر، وهو شكور لأن العمل
الواحد منك يشكره المرة تلو الأخرى، وهو الشكور لأنّه يشكر العمل الكببر
والغمل الصغير بشرط أن يكون خالصاً صوابا، فهو لا يشكر الأعمال العظيمة
فقط بل حتى مثقال الذرة منك يشكره وينمّيه ﴿فَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ﴾
فقد أدخل امرأة الجنة بشق تمرة، وبغيًّا بأن سقت كلبا، وثالثا كل حياته
ذنوب فأمر أبناءه أن يحرقوه ويذروه بعد موته خوفاً من أن يعذّبه الله،
فأدخله الجنة بأن خاف منه، ورابعا ليس له إلا حسنة واحدة لأنه تصدق بها
على صاحبه، وخامسا قتل مئة نفس! لأنّه هاجر إليه.  .

ومن شكره سبحانه أن يعجّل بثواب المتصدق، فيرزقه بركة ويغدق عليه
من نعمه، يخبرنا عليه الصلاة والسلام «إنّ الله يَقبَلُ صدقةَ عبدِه بيَمينهِ
ويُرَبّيها كما يُرَبّي أحَدُكم فَلُوّهُ»، وهذا من شكره وفرحه سبحانه بطاعة عبده!

يخبرني أحد سكّان المنطقة الشرقية قبل عشرة سنوات عندما كنا
واقفين عند متجر شهير عن قصة ذاك المتجر، يقول: كان صاحبه موظّفا
عاديا يجمع من مرتّباته، وتجمع زوجته من مرتّباتها كي يبنوا بيت العمر
كما يقال، ولمّا شارف المبلغ أن يُجمع صلّىٰ الزوج في مسجد وسمع
كلمة من احد الدعاة حث فيها على بناء المساجد وأنه «مَن بنى لله مسجِداً
ولَو كان كَمُفْحَصِ قَطَاةٍ بَنى الله لَه بيتًا في الجَنّةِ» وقعت تلك الكلمة
من الرجل موقعها، فانصرف من ليلته إلى زوجته وأخبرها بنيّته أن يجعل
كامل المبلغ في مسجد يبنيه، فإذا بزوجته تدفع له مالها عن طيب خاطر
وتطلبه أن تشاركه في مشروع المسجد!

لك أن تتخيّل كيف تغيّر خطّتك التي بذلت لأجلها عرق سنين في ليلة!
ويكون ذلك التغيير لله عز وجل ونابعا من قلب حيّ يريد الله والدار الاخرة!

يقول صاحبي: بعد بناء المسجد أخذوا في الجمع من جديد ولعلّ فكرة
التجارة قد طرأت على عقل الزوج فافتتح متجراً صغيراً، فإذا بالزبائن
يأتون من كل مكان وإذا بالأموال تمطر عليه فوسّع الرجل متجره ثم بعد
مدّة فتح له فرعًا ثم الثاني والثالث، يقول صاحبي: والان له في المنطقة
الشرقية فقط ثلاثة عشر فرعًا، وهذا الكلام قبل عشر سنوات، سبحان
الشكور، سبحان من لا يخسر ابدا من يتاجر معه.

لقيت رجلا قال لي إن اسمه فلان بن فلان الرحيلي، فقلت
له ممازحًا: هل انت صاحب محطّات الرحيلي الشهيرة في مدينة جِدّة؟

فقال لي: لا،ولكنّه قريبي!

ثم قال سأخبرك بقصة الرحيلي هذا، كان في بداية حياته كثير الصدقة
على الفقراء، وكان يعول الأيتام، وكان محسناً على بعض أهله إحسنانًا
زائدا، ثم فتح الله عليه فكانت له هذه المحطّة وغيرها من الأعمال
التجاريّة الناجحة، هذا ما يعمله الشكور الحميد سبحانه.

لِأَنــَّكَ اللَّه || رحـلة الى السـماء السابعـة  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن