لا مــرض بعد اليوم

342 37 9
                                    


الشافي من أسمائه سبحانه التي نحمده عليها،
نحمده أن نتسمّى بهذا الاسم، وأن اتّصف بصفة
الشفاء، وأن كان هو وحده من يشفي ويعافي أجساد
عباده، وهو اسم يُفصح عن معناه، ويعكس ظاهره خبايا
باطنه.

والشفاء متعلّق بالمرض.  .

ولأنّ المرض في حياة الإنسان عرض متكرر الحدوث،
متنوّع الآلام، متعدد الأشكال، لا تكاد منه نفس، فمن
شُفي من مرض عينه شعر بصداع رأسه، ثم إن سكن
صداع رأسه آذته خشونة مفاصله، فإن هدأت تلك الأوجاع
أخذته الحمّى، فإن بردت الحمّى ارتفعت التهابات القولون
لديه، فإن خفتت هجم عليه عصب الضرس... وهكذا، لا
يكاد يخلو يوم من ألم! فإن عمّت العافية جسده، نظر
فإذا بأخيه يتأوّه، أو أمّه تبكي، أو ابنه يأنّ، او حبيبه
يتألم.  .

الحياة حقل أمراض، وأوجاع، وتنهّدات، لذلك سمّى
الله نفسه بالشافي، لتسجد آلامك في محراب رحمته،
وتنكّس أوجاعك رأسها عند عتبة قدرته.  .

المرض فضيحة كبرى توبتلى بها غطرسة البشر!
ذبول مفاجئ يفقد فيه الإنسان ازدهاره!
نكسه لحيويّة ذلك الهَلوع المنَوع.  .

قدّر الله سبحانه وتعالى على هذا الجسد أن تنطفئ
نضارته مؤقتاً، حتى يقتنع الإنسان بضعفه، وبأنّه
لا حول له ولا قوّة.  .

قدّر الله المرض على الإنسان حتى يتذكر شيئا
أشبه ما يكون بهذا المرض، إنه الموت!! فكما
أن المرض نهاية الحيوية فكذلك الموت نهاية الحياة.

أيها الإنسان، إن حقيقتك الموت، وإن كل شيء فيك
يشبه الموت، نومك موت، مرضك موت، انتقالك إلى مرحلة
عمرية موت للمرحلة السابقة، فالشباب موت الطفولة،
والكهولة موت الشباب، انّك أشبه بالموت من الحياة، ومع
ذلك فإن الوهم يجعلنا نعتقد أننا مخلّدون ولهذا يصرخ
المرض بأجسادنا، أنّها إلى الزوال!

وبينما يستلقي ذلك الجسد المنهك على سرير المرض،
وينظر إلى الداخلين إليه والخارجين من عنده، وهم
يحملون على رؤوسهم تيجان الصحة والعافية، بينما
يحدث ذلك، تستيقظ في داخله ذكريات التراب،
فتعمّ كيانه نكهة المقبرة، شعر بذلك أم لم يشعر!

روحك وأنت مريض تكون في اجتماعات مغلقة مع الموتى،
وبدايات الإنهيارات الداخلي تنضج بها عيناك وشفتاك
وارتجاف في أطرافك الباردة.

ها هي الحياة بداخلك تلوّح بكفيها مودّعة أولئك الزائرين.

ولما يأخذ المرض مداه، وتنغسل أنت من الدنيا
جيّداً، يأذن الشافي سبحانه للداء بالإنصراف عن جسدك،
ويأمر الصحة أن تعاود سيرتها الأولى، فاذا باللون
الورديّ يتصعّد على وجنتيك، وتعود ابتسامة أذبلتها
أيام الرُحَضَاء.  .


لِأَنــَّكَ اللَّه || رحـلة الى السـماء السابعـة  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن