الأحلـام البــعيدة

343 48 14
                                    

إذا رأيت الأرض صفراء بلقعًا، ثم تكوّم السحاب
فوقها، ثم تصافعت الرعود ونزل المطر
فاهتزت تلك الأرض واخضرّت فلا تقل إن مثل هذا
أمر طبيعي، وتدبّر: أَلَم تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ
ماءً فَتُصبِحُ الأَرضُ مُخضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطيفٌ خَبيرٌ﴾.

مهما تباعدت أحلامك وصار بينك وبينها مفاوز
شاسعة فاللطيف يأتي بها:﴿يا بُنَيَّ إِنَّها إِن تَكُ مِثقال
َ حَبَّةٍ مِن خَردَلٍ فَتَكُن في صَخرَةٍ أَو فِي السَّماواتِ أَو
فِي الأَرضِ يَأتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطيفٌ خَبيرٌ﴾،

فلا تيأس وربّك لطيف لما يشاء.

تأمّل حبّة الخردل! إنّك لا تكاد تراها إن لم تكن
محدّقا فيها: انظر إلى حجمها بالنسبة لكفك،
ثم بالنسبة لحجم غرفة مثلا، ثم بيت، ثم قارن
حجمها بحيّك، ثم بمدينتك، ثم بدولتك، وبعد ذلك
بقارّتك، ثم بالأرض، ثم بالسماوات الفسيحة، ثم
ثق: ان أرادها الله فسيأتي بها ﴿إِنَّ اللَّهَ لَطيف
ٌ خَبيرٌ﴾!

فمن بلغ بلطفه أن يأتي بحبة الخردل من متاهات
هذا الكون العظيم، ألا يمكن للطفه أن يقود قدراً
إليك _كل المقدّمات المنظورة لا توصله إليك، ولا
تدلّه عليك_ بلىٰ والله.

يصل صاحبي في رحلة شاقة من تبوك إلى حدود
الأردن، عنده في صباح الغد محاضرات في جامعة
مؤتة يجب عليه حضورها، وفي الحدود وبعد قطعه
لمسافة مئة كيلو متر يتذكر أن جواز سفره في
بيته! يتكدّر ويقرر العودة وعدم السفر ذلك الأسبوع..

في الغد يقرأ في الصحف عن أن بعض طلبة الجامعة
_وطلاب الجامعة خليط من جنسيات عديدة_ قاموا
بأعمال شغب في جامعة مؤتة مما أسفر عن جرحىٰ!

اللطيف أنساه الجواز، حتى لا يرى الدم، أو حتى
لا يصبح الصباح وهو في المستشفى! أو حتى لا
يتسلل الخوف إلى قلبه فيترك الدراسة التي كان
قد قطع فيها شوطًا كبيراً !!

ارقب ألطاف اللطيف، هي ولا شك تترى، في كل
قدرٍ لطفٌ ما، وفي كل لحظةٍ ألطافٌ تحوطك من قِبَل
اللطيف الخبير.





لِأَنــَّكَ اللَّه || رحـلة الى السـماء السابعـة  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن