{ الجزء الثامن والعشرون }

254 11 15
                                    

#من_مذكرات_مازن

أبي

أشعر أحياناً أن مشاعري تزداد ثُقلاً كلما قَلّت حركتي ، تبدأ كقطرة مطر عالقة في نهاية ورقة شجرة من إحدى صباحات نوفمبر ، لكن هذه القطرة الصغيرة يمكنها أن تصبح بحيرة أو بحراً هائجاً عندما أسترخي أو أستلقي على فراشي الذي أعتقد إنه يصرخ بكل مرة أجلس فوقه .

دائماً ماكنت أفكر في طريقة بلا ألم ، وما الأفضل من أن أموت غارقاً في مشاعري نتعانق في هدوء ، أبي أنا لا أحتمل بعدها عني ، أشعر بالإختناق ، إنها تكرهني ، هي لا تستحق كل هذا ، لا تستحق ، إنها أنقى من أن يحبها شخصٌ قذر مثلي

لماذا اخترت هذا الطريق يا أبي؟ لماذا؟

@@@@@@@@@@@@

دلف بها إلى ذالك الكوخ بعد أن حملها وهو يمشي بالغابة مسافة عشرون دقيقة

أجلسها على إحدى الآرائك الموجودة بالغرفة ثم أغلق الباب وعاد ليشعل مدفأة الحطب فالجو بالغابة أبرد بكثير من المدينة ويكاد يقسم إنها تُثلج ليلاً هنا

لم تتحدث ولم تقل شيئاً فقط تنظر للخارج من النافذة التي كانت بجانبها وتراقب الهواء الرطب الذي كلما إصطدم بالزجاج ظهر عليه بعض القطرات

إنتهى من تشغيل المدفأة ثم اتجه ليجلس بجانبها ينظر لها بهدوء قائلاً :" كيف تشعرين الآن ؟"

:" ليس بإمكاني ان أفسر لك مابداخلي، كأني على حبل مشنقة متدلية، ومتكئة على أطراف أصابع قدمي، وبمجرد ما إن تهب نسمة رياح انتهي ولا أحد يستطيع إنقاذي ، أنا على المِحَك وكلٌ منا يعاني " قالتها بعيون جامدة وكأنها فقدت الشغف بالحياة لتصبح جثة متحركة

لم يقول شيئاً فقط بقي صامتاً يراقبها بحزن إلى ماوصلوا إليه ، وبعد صمتٍ طويل نطقت :" الدموع تراقص رموشي الحزينة ، انفي الحساس امتلأ برائحة الرماد من حرق قلبي ، رماد كثير حتى كدت اتلاشى مع كل نسمة رياح تهب

أعلم تماماً أن محاولات الانتحار لن تأتي بِشيء جديد ، فقط تجعلني أفكر في الأمر أكثر فأكثر ، وبين كل تلك القطرات والشعور بالإختناق رأيتُ تلكَ الحمامة البيضاء الجميلة العالقة بأحد أغصان الشجر لا تستطيع الطيران ، انها تشبهني لكنها ليست محبوسة في قفصٍ من الحزن مثلي ، هي فقط عالقة ومع نسمة رياح قوية ستتحرر "

أنهت كلماتها بتنهيدة حارة ثم نظرت لعينيه قائلة بترجي :" أرجوك إرحل ، لا أريدك أن تبقى هنا معي ، كلما رأيتك أتذكر كل مامررت به ، أتركني ولا تنظر خلفك سأستطيع تدبر أمري لوحدي ، أنا لم أكرهك كما تظن لكن على قدر حبي لك ، على قدر وجعي منك ، لقد وصلنا لمفترق الطريق ، والإبتعاد هو الحل الأمثل لكلينا "

هز رأسه بنفي والتمعت عينيه برعب من فكرة الإبتعاد عنها ، إنه يعلم تماماً ما إن يبتعد عنها خطوة واحدة ستنهار ، لن تستطيع إحتمال خسارة كل شيء دفعة واحدة لكنها لاتفهم هذا ، تظن بإبتعاده عنها سترتاح لكنها ليست كذالك

إنعزال مُظلم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن