{الجزء الثلاثون والأخير}

389 15 8
                                    

#من_مذكرات_مازن

‏وَقَالَ العَقلُ دَعهُ وَلَا تَزُرهُ
وَقَالَ القَلبُ فَلتَذهَب إِلَيهِ

حَدِيثُ العَقلِ مَوضُوعٌ وَلَكِن
حَدِيثُ القَلبِ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

@@@@@@@@@@@@

                      الساعة الثالثة فجراً

يقف في رواق المشفى يتحرك ذهاباً وإياباً بتوتر بينما صراخ ماريا يعلو من إحدى الغرف ، مسح على وجهه بضيق ليقترب منه صديقه عمر يحاول تهدئته قائلاً بإبتسامة :" هدئ من روعك ، ستكون بخير بإذن الله وستنجب لك أجمل فتاة وستكبر بينكم وتتربى على حبكم لها وسعادتكم بها ، أعلم إنه موقفٌ صعب ومرعب لكن إن شاء الله سيكونان بخير فقط إدعي لهم "

نظر له مازن بيأس ليقول بإنزعاج :" إنها تصرخ منذ خمس ساعات وتتألم والطبيبة تقول إن الوقت لم يحين بعد ، كيف تريدني أن أهدئ وأنا عاجز على أن أفعل لها شيئاً إو أخفف عنها ألمها رغم إنني طبيب "

:" لا بأس لقد مررت بما تمر به ، وأنظر لقد أصبحت زوجتي وطفلي بخير الحمدلله ، فقط إدعو لها أن يخفف الله ألمها ويجعلها يسيرة عليها  " قالها عمر بتشجيع محاولاً التخفيف عنه ليومئ له الآخر بهدوء ثم اتجه إلى المسجد التابع للمشفى كي يصلي لوجه الله تعالى ويدعو لماريا

مرت ثلاث ساعات أخرى ومازالت هي بداخل تلك الغرفة تصرخ وتتألم والجميع بالخارج يدعون لها أن تقوم بالسلامة هي وطفلتها بعدما أتوا ما إن علموا إنها بالمشفى

أطلقت صرخة قوية هزت أركان المشفى بأكملها واهتز معها قلب مازن الذي نظر بهلع للباب الذي تقنط خلفه

صمتٌ طغى على المكان بأكمله تاركاً الجميع ينظرون إلى بعضهم البعض بشيء من الخوف والترقب ، وبعد ثوانٍ إرتفع صوت بكاء تلك الصغيرة كاسراً الصمت لتتهلل الوجوه بفرح

انفتح الباب لتخرج الطبيبة وعلى وجهها إبتسامة مجهدة لتقول ببشرى :" مبارك لكم لقد أنجبت فتاة " اقترب منها مازن قائلاً بسرعة وخوف :" ماريا ، ماريا كيف حالها؟ طمئنيني عليها ، هل هي بخير؟"

تحدثت سريعاً لتزيل الخوف من على قلبه قائلة :" إنها بخير لا تقلق ، فقط متعبة تحتاج للراحة وسينقلونها الممرضات إلى غرفة عادية لترتاح "

تنهيدة راحة خرجت من بين شفتيه وكأن جبلاً قد إنزاح من على صدره ، اقترب منه عمر محتضناً إياه وهو يبارك له ويهنأه بسلامة زوجته وطفلته ثم تتالت عليه المباركات من الجميع وهو حاضرٌ معه بجسده أما قلبه وعقله فما يزالان ينتظران خروج صغيرتيّه ليطمأن عليهم

..................................

دلف للغرفة التي انتقلت إليها ليراها متمددة على السرير نائمة بهدوء وبجانبها سرير صغير يحتوي على تلك الصغيرة ، اقترب من ماريا ليمسح على شعرها بهدوء ويطبع قبلة على جبينها وهو يحمد الله على سلامتهم

اتجه لسرير الصغيرة واقترب منها ليتفحصها بهدوء وابتسامة متسعة ، حملها ببطئ وهو يحاول بكل جهده أن لايؤذيها ، قربها من صدره ليحتضنها بلطف ويقبل وجنتيها الصغيرتين ، وكأنها شعرت به لتبتسم له أثناء نومها مما جعل غمازتين صغيرتين تظهران بوضوح لتتسع إبتسامته أكثر مظهرةً صفي أسنانه

سمع صوت أنين يصدر من ماريا ليلتفت لها سريعاً مقترباً منها ويقول بصوت منخفض قلق :" ماري عزيزتي هل أنتِ بخير ياقلبي؟"  فتحت عينها ببطئ تطالع وجهه القلق عليها لتنطق بنبرة متحجرشة :" أنا بخير فقط أريد كأس ماء " أومأ لها سريعاً ثم أعاد الطفلة مكانها وسكب لها من زجاة الماء داخل كأس بلاستيك وأعطاها إياه لترتشف منه القليل وتعيده له

جلس على حافة السرير بجانبها ليمسح على رأسها بنعومة ثم رفع يدها مقبلاً باطن كفها قائلاً بإبتسامة :" حمداً لله على سلامتك"

ابتسمت بتعب لتقول بصوتٍ مبحوح :" أريد رؤية صغيرتي ، أحضرها إلي"
:" حسناً " قالها بإبتسامة سعيدة وحمل الصغيرة ليضعها بجانبها وقال بضحكة :" لديها غمازتين جميلتين مثلك"

نظرت له بدهشة لتصيح بدهشة :" حقاً؟" أومأ لها وهو يقهقه على ردة فعلها ويقول بحالمية وعيون متلألأة بالسعادة :" ولن تصدقي ماذا حدث ، لقد إبتسمت لي  "

اتسعت عينيها غير مصدقة لتضحك بخوت وتقول بينما تنظر إليها بحب :" ستكون شقية جداً هذه الفتاة "
أومأ لها مؤكداً على كلامها وهو يشاركها ضحكاتها وسعادتها بتلك الصغيرة التي ملئت قلوبهم فرحاً ما إن علمت بحملها مجدداً بعد فقدانها لطفليها

أتت صبا وزوجها وعمر ولين إلى المشفى مجدداً ليباركون لهم بقدوم تلك الصغيرة ويهنئونه بسلامة ماريا وطفلتهم ، وبعد فترة قصيرة رحلوا كي تنال ماريا قسطاً من الراحة

.......................

يجلس أمامها على مقعد موضوع بجانب السرير لتتحرك إلى الطرف الآخر من السرير قائلة :" تمدد بجانبي السرير واسع ويتسعنا نحن الإثنين"

نفى برأسه رافضاً ذالك وقبل أن ينطق أو يعترض قاطعته قائلة :" لا تخف لن أتضايق ، أعلم أنك متعب أيضاً ومنذ يومين لم تنام والسرير يتسع لكلينا ، هيا تعال"

أومأ لها ليتمدد بجانبها على السرير محتضناً إياها مقبلاً فروة رأسها

تحدث بهدوء كاسراً حاجز الصمت الذي كان يخيم على الغرفة :" ماذا تقترحين أن نسميها؟"

صمتت للحظات ثم قالت بإبتسامة وهي ترفع رأسها تناظر عينيه :" فرح ، أريد أن اسميها فرح  "

:" ممممم ولماذا فرح؟" تسائل بفضول لتقول بحب :" لأنها كانت فرحتي الأولى بعد عدة خيبات وإنكسارات ، كلما ناديتها بفرح سأتذكر فرحتي عندما رزقني الله إياك ، سأتذكر فرحتي عندما علمت بحملي بها بعد خسارتي لطفلي والله عوضني خيراً منهم ، سأتذكر فرحتي برؤيتها بعد إنتظار دام لتسعة أشهر ، لهذا أردت أن أسميها فرح ، وأرى أن الإسم يليق بها جداً ، ما رأيك أنت  "

نظر لها بضع دقائق ليقول بسعادة وعينيه تفيض عشقاً بها :" هل قلتُ لكِ من قبل إنني أُحبك "

أومأت له بنعم لتقول بغرور وضحكة زينت ثغرها وأظهرت غمازتيها :" أجل لقد قلتها لي من قبل كثيراً لكنني أحب أن أسمعها دائماً منك "

ضحك عليها بخفة ليطبع قبلة رقيقة على شفتيها قائلاً :" حسناً ، أُحبك إذاً "

                           " النهاية "

إنعزال مُظلم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن