المقدمة
الساعة قد تعدت منتصف الليل بقليل ومازلت أنا في انهماكي العميق لاعادة ترتيب الخزانة العلوية ، محاولةً استغلال وقت نوم الغالي زياد قبل أن يصحو وصراخٌ يصم الاذأن يبدأ بالدوي في ارجاء البيت فلا أتمكن من اسكاته إلا عندما يستحوذ عليَّ بالكامل ، وها أنا الأن اسابق الزمن لأنتهي من مهمتي قبل أن يفتح ملاكي الصغير عينيه .
ملائكة الرحمن .. لا اعلم من هو المجنون الذي اطلق هكذا لقب على الاطفال لكن الذي اعرفه لا بل ومتاكدة منه انه لم يرزق باطفال ابدا !
سقط من الرف العلوي كتاب على راسي فصرخت :ـ أه !
صرخة ألم صغيرة أطلقتها قبل أن انحني لألتقط الدفتر وقشعريرة بدأت تدب في جسدي واحساس بالضياع والألم والتخبط عاد ليسكن روحي فينقبض قلبي وتختنق انفاسي وأنا اتذكر احداث مرت بي غيرت تاريخي باكمله ، وكلمات بدأت ترن في اذني اعادتني الى الوراء سنين عديدة .ـ اكتبي مذكراتك !
ـ أنا ؟
ـ نعم . وهل في الغرفه غيرك ؟!
ـ ماذا سأكتب ؟ وهل في حياتي مايستحق أن يكتب ؟
ـ اكتبي كل شي ، كل ذكرى ، كل حديث وكل احساس مررت به .
ـ حياتي أنا كلعبة السلم والثعبأن ، فما أن اتوقع اني وصلت الى النهايه حتى يلتقطني الثعبأن لينزل بي درجات ودرجات فهل هذا يستحق الكتابة ؟!
ـ وما الذي يستحق الكتابه اكثر من هذا ؟؟
ـ لكن .. ولكن من اين سأبدأ ؟
ـ من البداية .
قلّبت صفحات الدفتر وكلمات الطبيبة النفسية التي كانت تتابع حالتي حينها تقرع طبول الذكريات ..
سرت نحو الشرفه بخطوات هادئه تناقض كل اختلاجات نفسي لأتناول اقرب كرسي فألقي بجسدي المرتعش عليه . ضوء القمر المكتمل كأن يتغلغل الى روحي ليوسع لي مجرى تنفسي الذي ضاق فبدأت اكلمه كما كنت افعل سابقا :
ـ حتى انت ياقمري مصرٌ على تذكيري بما نسيته !
وفتحت الصفحه الاولى لأقرأ قصة حياتي كما كتبتها أنا في لحظات ضعفي وقوتي ، يأسي وأملى ، عنادي وخضوعيوابتسامه ماكره تلوح بين شفتي وأنا أتذكر كيف قلّبتني الدنيا يمينا وشمالا كما أقلّب أنا اللحم في المشواة لينضج .. فنضجت سنوات وسنوات لأكبر وأنضج حتى غدوت اكبر من عمري .
يتبع...