الفصل الثالث
نَزَل رجل يركض نحوي وهو يصرخ فزعاً :
ـ هل انت بخير ؟!نظرت له بذهول ثم نظرت الى سيارة الإسعاف البعيده وكأني داخل حلم مزعج انتظر أن ينتهي لأقوم فزعه ويد والدتي تربت عليَّ برفق بينما يدها الأخرى تسقيني كوباً من الماء البارد .
ثوانٍ وكان عماد يقف قربي وهو يسأل بلهفه واضحة وهو يتلمس ركبتي المصابه :
ـ زينه هل أصبتِ ؟ أ أنت بخير ؟!وصل العم توفيق بخطواته المتعثره ودموع تأبي إلا أن تفضح انفعالاً يحاول السيطرة عليه بصعوبة، لأفاجئه بنظره حطّمت كل حصونه لتسيل دموعا نقية من عينيه عندما تساءلت بتوسل :
ـ عم توفيق ، ابي ؟مدّ يده ليأخذني بين احضانه وانا في وسط ذاك الجمع من الجيران والبعض من الفضوليين الذي توقفوا ليشاهدوا الحادث الذي كاد يؤدي بحياة تلك المجنونه التي تركض في وسط الشارع ، وبعض الكلمات تلوكها السنتهم بشفقة تصل اذني تصاحبها نظرات حاولت تجاهلها ولكنها كلها اجتمعت لتثير فيَّ موجة من البكاء المرير وصوت صديق والدي يهمس
:ـ فلندعو له يا ابنتي .ليبدأ بعدها بالبكاء على إثر نشيجي الذي يقطع أوصال أقسى القلوب عندما دسست رأسي بين أضلعه أحاول الهرب من مصير يحكم قبضته حولي .
وضع يده على كتفي وأخذني الى بيت الخاله سندس جارتنا لأقضي النهار هناك كما اوصتني والدتي .
ذهبت مساءاً لزيارة والدي بعد فقد الجميع القدرة على اقناعي بتناول الطعام او التوقف عن البكاء فأخذني العم حسام والخالة سندس لزيارته عندما وعدتهم باني لن اوذيه ببكائي .
يا لسذاجتهم ! كيف استطاعوا ان يفكروا ولو لثانية اني قادره على إيذاء ابي ؟! إنه يحتاجني الان قربه ليشفى ويقف شامخاً على قدميه ويدي مستقره على خصره ، فخوره به وهو يسير بجانبي كالأيام الخوالي .
اخذت اهمس له بصوت يغالبه البكاء ويدي تحتضن كف يده الضخم فأقبّلها حينا وحينا أخرى اضعها على خدي الايسر ، اقبل باطنها وامسح بها خدي كما كان يفعل معي دوما .
ـ ابي ، اعدك سأتغير ، سأكون فتاه تفخر بها ولكن تحسن ارجوك !
بدأت ابكي بهستيريا وانا ممسكه بيده وكل تخيلاتي بانه سيشمخ واقفاً، بدت قمه في السخافة وأنا أراه ملتصقا بالسرير الأبيض لا أثر للحياة على ملامحه وصوت الأجهزة من حوله تثير اعصابي بل وتفقدني القدره على التنفس أيضا .
ـ المريض بحاجه للراحة، أرجو ان تخرجوا جميعاً. دوى صوت الممرضه المزعجه وكأنها سجان يعلن انتهاء وقت الزيارة للمساجين .
ـ اريد البقاء قرب ابي !
ـ والدك بحاجه للراحه .
قبّلت رأس والدي وخرجت مرغمة فقد توسلت وبكيت ولكن الممرضه كانت مُصرة، امسكني العم توفيق لأغادر معه لاقضي اللية عند الجيران، بينما كانت عمتي سعاد الى جانب والدتي تبكيان تاره وتدعوان له تاره اخرى واختي سمر تقف بعيدا قرب الشباك تتأمل الفراغ وهي تبكي وفلاح زوجها وابن عمتي يجلس على الكرسي لوحده يحتضن راسه بيده بطريقه مؤلمة ارعبتني وخاصه انها تصدر من رجل قوي كفلاح ، ولكن لا لن يحدث لوالدي شيء !