الجزء الثانى من الفصل الخامس و الاربعون
بعد مرور اربع شهور وصل ادم امام ورشه بلال اوقف السياره امام الباب مباشره و ظل ينظر اليها و كأنه ينتظر خروج راجح الان له كما اعتاد احيانا ... و لكن مر عده دقائق و لم يخرج ليغمض آدم عينيه بألم ثم اخذ نفس عميق و نظر الى جورى التى كانت تنظر اليه بحزن شديد و تفهم و قال بهدوء قدر استطاعته
- استنينى هنا على ما اتكلم معاه ماشى
هزت راسها بنعم ليترجل من السياره و ظل واقف مكانه لعده ثوان يحاول تمالك اعصابه ثم دلف الى الداخل يبحث بعينه عن رائحه راجح فى ذلك المكان يتمنى ان يجده امامه و لو لدقيقه واحده اغمض عينيه لثوانى يحاول عبور تلك الصدمه و تصديقها عل هذا الالم يقل و يختفى فتح عينيه و نظر فى اتجاه مكان جلوس بلال ليصدم من هيئته و جهه شديد الارهاق و عينان شديده الحمره ذقنه ناميه و ملابسه غير مرتبه اخذ نفس عميق وتوجه اليه و هو يدعوا الله بداخله ان يستطيع التعامل مع هذا الموقف الصعب
حين شعر بلال بأقتراب احد منه رفع راسه عما كان يفعل لينظر من القادم و حين وجده آدم وقف سريعا و اقترب منه يضمه بقوه و كأنه يحتضن به اخيه الذى رحل و ترك خلفه جرح كبير لن يطيب يوما ... من الممكن ان تهدء روحه المتألمه ... و ان تشغله الحياه عن الحزن قليلا لكن سيظل جرح فراقه و وفاته ندبه واضحه لن تختفى و كان آدم يضمه هو الاخر يبحث فيه عن صاحبه صاحب الابتسامه المستمره و المرح الذى لا يتوقف و الرجوله التى لا مثيل لها كل منهم كان بداخله نار تشتعل و روح تتألم و لا سبيل امامهم للراحه ... بعد دقيقه كامله ابتعد بلال ينظر الى آدم بعيون دامعه و ابتسم ابتسامه صغيره حزينه و قال
- غبت عنى ليه يا آدم ... مش كفايه اتحرمت منه
اخفض آدم راسه بخجل و هو يقول
- انا اسف يا بلال بس مكنتش قادر اصدق و لا استوعب كل الى حصل كنت موجوع و مصدوم ... كنت تايه يا بلال تايه
هز بلال رأسه بتفهم و اشار له ان يجلس تقدم آدم خطوتان و جلس على الكرسى الموجود امام المكتب يجلس بلال امامه ليطمئن كل منهم على الاخر و كلمات مواساه لا تساعد بشئ حتى قال آدم
- اخبار ارمله الشهيد ايه ؟
اخفض بلال راسه قليلا ثم قال
- اصلا انا كنت هتصل بيك اول الاسبوع الجاى
ليقطب آدم حاجبيه بحيره و هو يشعر ان هناك خطب ما و قال سريعا
- هى موده حصلها حاجه ؟
ليهز بلال رأسه بلا و هو يقول
- كنت هتصل بيك علشان عايزك تشهد على عقد جوازى انا و موده
وقف آدم ينظر الى بلال بصدمه و غضب شديد ثم امسكه من مقدمه ملابسه و قال بصوت عالى
- اخوك مكملش خمس شهور وانت طمعت فى مراته
- دى وصيه راجح
قالها بلال بهدوء و حزن ليتوقف آدم عن تحريك بلال بقوه و الصدمه ترتسم على وجه و الزهول ليخرج بلال وصيه راجح التى لا تفارقه و اعطاها لآدم الذى امسكها بيد مرتعشه و فتحها يقرأ ما فيها بعيون دامعه و قلب متألم و عند نهايه الوصيه لم تعد قدماه تحملانه يتهاوى على الكرسى و الحزن يرتسم على ملامحه و بقوه ... خاصه مع كلمات بلال
- انا ضحيت بعمرى كله علشان راجح ... كنت عايش و بشتغل علشانه نسيت نفسى و نسيت اتجوز علشانه مفرحتش بحاجه فى حياتى علشان هو يشوف كل الفرح اللى فى الدنيا .. راجح مكنش اخويا يا آدم راجح كان ابنى اللى مخلفتوش و لا هخلفه
ثم جلس بتهالك على الكرسى المواجه لآدم و اكمل قائلا
- انا جوا قلبى حاجات كتير دفنتها جوايا من زمان علشان خاطره و بعد استشهاده دفنتها معاه فى قبره يا آدم و الميت مبيرجعش
خيم الصمت عليهم و كل منهم لا يستطيع وصف احساسه و صدمته و حزنه .. و بعد عده دقائق وقف آدم و هو يمد يديه بالورقه وقال بصوت لا روح فيه
- انا اسف يا بلال مش هقدر احضر ... مش هقدر
و غادر سريعا تاركا خلفه رجل لم تبكى عينيه يوما الا موت والده و اخيه الان يبكى ظلم كبير كتب فى قدره و لا يوجد امل فى رفعه عنه يوما
و كان آدم يغادر الورشه و كأن عفاريت العالم تتطارده غضب كبير بداخله و احساس قوى بالرغبه فى الصراخ بصوت عالى ... رغبه قويه فى تحطيم اى شئ احساس خانق لا يستطيع استيعابه ولا تخيله ... و حين لمحته جورى على تلك الهيئه شعرت بالخوف و حاله من الرهبه و عدم الفهم .. ماذا عليها ان تفعل الان .. ان آدم فى حاله غريبه تخشى اذا تحدثت ان تزيد ما به و تخاف ان لا تتحدث فيكون هو بحاجه الى صوتها و كلماتها لتهدئه و لكنه قطع تفكيرها و هو يصعد الى السياره و قادها بسرعه كبيره جعلتها تشهق بخوف و تتشبث بمقعدها بعد ان اعادت حزام الامان حولها من جديد ... كان يقود السياره بسرعه عاليه و كأن غضبه هو ما يقودها و ليس هو و كانت هى تتابع الطريق تاره و تنظر اليه برعب تاره اخرى حتى وصل الى ذلك الجبل العالى اوقف السياره بقوه لتصدر صوت عالى جدا و جعلت جورى تنتفض فى جلستها و لولا الحزام لصطدمت راسها بمقدمه السياره ... ترجل من السياره فور توقفها و تقدم من حافه الجبل و وقف ينظر الى كل ما هو اسفله واضع يديه على خصره يتنفس بسرعه و بصوت عالى ... هدأت جورى قليلا ثم ترجلت هى الاخرى من السياره لكن قبل ان تتحرك خطوه واحده كان آدم يصرخ بصوت عالى اجفلها
- ليه يارب الوجع ده كله ليه .. ليه حرقه القلب ... ليه ياااارب ليه .. راااااااااااجح ... انا عارف ان ليك حكمه بس لييييه هو ليه
لتقترب منه سريعا تضمه من الخلف بقوه ليقول
- ليه يموت قبل ما يفرح قبل ما يعيش كل احلامه مع موده ... ليه حلمه حد تانى يحققه لييييييييه لييييييه
كانت مع كل كلمه يقولها تضمه اقوى و كأنها تود لو تخبئه داخلها و تغلق عليه ضلوعها تحميه من ذلك الالم الحاد و القوى
- قلبى واجعنى يا راجح انت سامعنى قلبى واجعنى يا صاحبى مش هقدر اقف جمب اخوك فى يوم زى ده مش هقدر اشوف اسم تانى غير اسمك بيتكتب جمب اسمها حتى لو كان اخوك مش هقدر
استوعبت الان ان الامر يخص موده و لكن كيف ستتزوج و الان و لم يمر سوا فتره العده فقط الم تكن تحبه و كما فهمت من آدم كانت لهم قصه حب قويه تنافس قصص الحب و الرومانسيه القديمه ... ظلوا هكذا لعده دقائق حتى هدئ آدم تماما و استوعب كل ما يحدث حوله ليبتعد عنها قليلا و هو ينظر اليها بضعف و لاول مره تراه جورى فى هذه الحاله و ترى تلك النظره فى عينيه لتفتح ذراعيها من جديد ليرتمى بين ذراعيها كطفل صغير يبحث عن الامان فى حضن والدته و هو يهمس
- انا تعبان اوووى يا جورى ... اوووى
قبضه من حديد تمسك بقلبها لتقول من بين دموعها
- انا موجوده يا آدم ارمى حملك عليا و خلينى اشيلوه معاك
ابتعد عنها قليلا و هو يقول بأرهاق
- تقدرى تسوقى ؟
هزت راسها بنعم ليسير بجانبها حتى صعد الى السياره و صعدت هى على كرسى السائق و بدأت فى التحرك ليغمض هو عينيه بأستسلام و كأنه يهرب من الواقع الى النوم لتتنهد جورى بقلق و خوف و لكنها انتهزت الفرصه و ارسلت رساله صغيره الى خالها حتى يكون فى انتظارهم فحاله آدم سيئه بالفعل
***********************************
تقف داخل المطبخ تحضر طعام عتمان بعد ان وضعت الطعام لحماتها و صفى و ضرتها التى تبغضها .. نعم هى ضرتها فهى لا تعتبر نفسها زوجه عتمان هى ترى نفسها زوجه صفى فقط و لن تسمح لها يوما بأن تنعم به
نظرت الى الباب نظره سريعه حتى تتأكد ان لا احد يراها ثم اخرجت تلك الزجاجه الصغيره التى تخبئها بملابسها و وضعتها فى الطعام كله لم تترك شئ لم تضع ما فى الزجاجه فيه و قلبته جيدا ثم خرجت و توجهت الى غرفه عتمان و بدات فى اطعامه رغم اعتراضه و نظراته اليها التى تخبرها انه يعلم جيدا ما تفعله و ما تقوم به ... و لكنه اصبح بلا حول و لا قوه لكنه يريد ان يخبر اخيه بما يشعر سيحاول ان يتكلم
كانت تبتسم له بشماته و هى ترى عجزه امامها صحيح لم ترى من عتمان شئ يؤذيها و لكنه كان عقبه كبيره فى طريقها لحلمها كان السبب فى هدم حياتها بأكملها و كان عليه ان يدفع ثمن ذلك
انتهت من اطعامه و تأكدت من انها اعطته ما تريد حتى يتم مرادها و من الواضح انه اقترب بشده عادت الى المطبخ تغسل الصحون سريعا قبل ان يراها احد
*****************************************
تجلس فى المدرجات تنظر اليه و هو يقوم بتدريبات الاحماء بعد ان رحب به زملائه و مدربه ترحيب شديد و بعد ان قام بتعريفهم بها اجلسها فى مكان مميز حتى يستطيع رؤيتها بسهوله و طوال الوقت
انتبهت الى اصوات خلفها لكنها لم تلتفت و لم تهتم فشئ طبعيى حضور بعض اعضاء النادى للتمرينات ... و لكن ما يقولوه وصلها بوضوح
- الا صحيح من البت اللى كانت داخله متشعقله فى دراع كابتن محمد دى
لتجيبها فتاه اخرى بأستهزاء
- تلاقيها معجبه .. و لا يمكن واحده قريبته و شبطت فيه تيجى معاه النادى
لتقول الاخرى
- انسوها بقا و قولولى ايه رأيكم نروحله بعد التمرين نسلم عليه و نعرض عليه انه يقعد معانا شويه و كمان نطمن عليه بعد الحادثه اللى حصلت
كانت تشعر بالضيق و كأن ما كانت تخشاه قد حدث امامها لكن فى وسط كل ذلك لمعت كلمات والدها فى عقلها و ايضا سعاده محمد بها و هو يقدمها لزملائه و مدربه و يخبرهم بفخر
- احب اعرفكم زينه خطيبتى .. فى الحقيقه كاتبين يعنى بس لسه خطيبتى
لتضحك بخجل مع اصوات الجميع المهنئه و السعيده من اجلهم و حين اجلسها فى مكانها و قبل يديها بسعاده و قال
- هنا هبقا شايفك طول الوقت
انتبهت من افكارها على احدى الفتايات تقول
- معقول يكون كابتن محمد بيشاور لنا يا بنات
لترفع زينه يديها تشير له ... و ترسل اليه قبله فى الهواء ليردها لها بسعاده و هو يقترب من مكان جلوسها و قال
- حبيبتى هغير بس و اجيلك هوا
لتهز راسها بنعم ... ثم وقفت على قدميها و نظرت الى الفتايات و قالت
- انا اللى كنت متشعبطه فى ايد محمد ... و انا مش معجبه و لا قريبته .. انا مراته عن اذنكم
و غادرت بثقه و ثبات و هى تدعوا لوالدها تاركه خلفها الثلاث فتايات فى حاله صدمه ... وقفت على اول الدرج تنتظره و على وجهها ابتسامه سعاده حين وقف امامها قال
- ها حبيبتى تحب تروح فين ؟
- و لا اى مكان خلينا هنا فى النادى ايه رايك ؟
قالتها بأبتسامه واسعه ليقول هو بأبتسامه
- انا تحت امرك ... تعالى بقا افرجك على النادى كله
هزت راسها بنعم بسعاده كبيره و حاوطت ذراعه و سارت بجانبه بفخر ... و كان هو رغم ساعدته التى لا توصف بتصرفاتها التى تلمس قلبه و روحه الا انه يشعر بالاندهاش لكن لا يهم ما يهمه انها تتقرب منه تحبه و غير ذلك لا يهم