الفصل الثلاثون..

1.7K 52 82
                                    

نكمل روايتنا(ضحايا المنتصف)بقلم سلسبيل كوبك..
الفصل ال٣٠..
__________________________
دلفوا للمكتب ليهتف أكمل باسم ورد، لتنتفض حينما استمعت لصوته وسقط القلم من يدها لترفع رأسها وتراه، شعرت باضطراب وصدمة احتلت معالم وجهها لتنهض وهي تنظر له كيف يتقدم نحوها بخطوات بطيئة وكأنه في دوامة من الذكريات حينما كانت تجلس مثلما جلست أخته الآن، ألهذا المدى أخطأوا؟ ليتسائل بداخله ربما شعر أبيها بنيران كما يشعر بها الآن.
نهض الجميع ليتحدث علاء قائلا بارتباك:
-أكمل.
قاطعه أكمل بصراخه قائلا:
-اخرس! كنت عايزها تبيعنا عشانك تبيع أهلها عشانك أنت اتجننت!
وكأن الكلمات كانت كالسهام أصابت قلبها وبجدارة، ألم يكن يُصر عليها من أجل زواجهم بتلك الطريقة حتى يتمكن من البوح بمشاعره بشكل أكبر.
اقتربت كنز من علاء لتمسك يده قائلة وهي توجه حديثها لأكمل:
-أختك عندك، أعتقد مفيش داعِ للمشاكل أو الكلام يا أستاذ أكمل.
-يلا يا علاء.
-سيبيني يا كنز أتكلم وأقول اللي أنا عايز أقوله.
نظر علاء لأكمل بعدما ترك يد كنز ليتقدم نحوه ويقول:
-مش ده الحب! فعل المستحيل.
-مطلوب مننا إيه وأحنا بين عائلتين بيكرهوا بعض، مطلوب مننا ننسى كنتوا قدرتوا تنسوا بعد فراق تمن سنين.
-أنا بحبها، في الزمن ده الحب بقت غلطة!
-مش أنتوا اللي بتربونا على الحب والمودة.
-مش أنتوا اللي بتقولوا اتمسكوا باللي بتحبوه!
-واللي يتخلى عن اللي بيحبه يبقى خاين مش حبيب.
-أحنا حاولنا كتير، وفي كل مرة بنواجه رفض.
-وكمان مش كنز عاشت نفس اللي أختك فيه دلوقتي.
-حلال ليكم وحرام علينا.
نظر أكمل لـ كنز ولكنها جلست على المقعد في انتظار علاء حتى ينهي حديثه وتغادر فهي لاتطيق أن تجلس في مثل هذا المكان.
-سيبونا نحب بقى.
نظر أكمل لـ ورد التي احتضنته وهي تبكي، ليقول ومازال بصره مصوب اتجاهها:
-لو قدرت تقنع عائلتك اعتبر إن الفرح بعد جامعتكم.
ابتسم علاء لينظر إلى كنز والتي تعلم بأنه من المستحيل أن يوافق كلا من شريف وحازم على مناسبة عائلة الصالح، لتنهض وهي تغادر قائلة:
-يلا يا علاء.
هبط أسر من السيارة ليصطدم بكنز التي حملته وهي تبتسم له قائلة:
-أخبارك يا بطل؟
ابتسم لها أسر ليقول وهو يشعر بالفرح من رؤيتها:
-سعيد.
-دايما يا عمري، ركز في دراستك مفهوم.
اومأ لها أسر لتتركه كنز وتستقل سيارتها بينما علاء استقل السيارة الذي أتى بها ليغادروا سويا..
-لو فاكر إن عائلتك هتوافق تبقى مجنون.
-وفلسفتك دِ في ظروفنا مش هتمشي متخليش عندك أمل كبير.
-هخلي عندي أمل وأمل كبير يا كنز، الحب.
أردفت كنز بسخرية وهي تقول:
-الحب! الحب كدبة يا علاء مش بمنعك إنك تحب ولكن لازم تعرف مش كل قصص الحب بتنتهي بِـعاشوا في تبات ونبات.
-قصص الحب الجميلة اللي بنسمع عنها مش زي الحقيقة، البطل بيحارب عشان البطلة وفي الأخر بيأخدها.
-مبيحكوش عن المعاناة اللي بتعيشها البطلة و الألم اللي بيتحمله البطل، مبيتكلموش عن انفصالهم كذا مرة بسبب كل الرفض اللي بيواجهوه من المجتمع.
تركته ودلفت للقصر لتجد الجميع يجلس بغرفة المعيشة لتذهب لهم، وتجد فاطمة تنظر لها بسخرية لتعلم بأن هناك أمر جرى من خلفها.
أردفت سميرة بحدة:
-أنتِ فعلا هددتي عمك ومراته لو مكتبوش ممتلكاتهم باسمك هتأذيهم! كل المصايب بتحصل منك أنتِ.
-كان يوم ولادتك يوم شؤوم.
-اهدئي يا سميرة، لما تيجي تتكلمي مع كنز تتكلمي براحة هي مش مجرمة قدامك ولا متهمة الله وأعلم كلام مين اللي صح.
-أنا فعلا عملت كدة.
نظر لها جلال باندهاش، لتضع يدها بجيب بنطالها قائلة:
-نص أملاك عمي باسمي وتحت تهديد صريح بإني أسجنه تاني.
-وأعتقد ده من حقي تعويض.
-وبالنسبة بقى لمرات عمي الغالية، فهي كانت مشتركة في الجريمة معاه وهي صاحبة فكرة اختطافي عشان كدة ممتلكاتها كلها باسمي.
-وتحمد ربنا إني مخلتهاش تجرب قعدة السجون بتبقى عاملة ازاي وبالذات لو عليكِ توصية.
نهض شريف بغضب وعنف قائلا:
-أنتِ ازاي تتجرأي.
-صوتك ميعلاش، لو كان عمر الهواري لسة عايش كان زمانك بتشحت على الرصيف وبره البيت ده من غير لقمة تأكلها أو جنيه واحد تصرف منه.
-اما مراتك الله وأعلم كان إيه هيبقى مصيرها.
-ماشية تكلم نفسها في الشوارع ولا مريضة في مستشفى حكومة مش لاقية اللي يدفع مصاريف علاجها.
-لكن لو عمر الهواري مات، فبنته لسة موجودة وقادرة تعمل ده ولكنها عملت حساب لجدها جلال الهواري.
نهض حازم ليصرخ بغضب في كنز:
-أنتِ ناسية بتكلمي مين يا كنز ده عمك.
-عمي ده اللي اتفق هو مراته أنهم يخلصوا مني ويأخدوا شركات أبويا اللي تعب فيها وبناها.
-لما تيجي تقف في صف حد أقف في صف الحق.
-وكدة كدة أنا مش قاعدة فيها، اولعوا في بعض.
تركتهم لتصعد للأعلى حيث غرفتها، لتغلقها خلفها وتنظر حولها وهي تشعر بأن الظلام بدأ يحيطها لتسقط أرضًا وتصطدم بالأرض الصلبة مغشيا عليها.
على الجهة الأخرى،،
عاد أكمل للقصر مع أخته وابنه ولكنه لم يهبط من السيارة، لتقول ورد:
-أكمل.
-نعم؟
-أنت زعلان مني؟
ابتلع لعابه، لا يعلم أهو حزين بسببها أم بسبب غبائه في الماضي كان يجب عليه المحاولة كما فعل علاء دون الخوض في تلك الطرق السوداء.
-لا، المهم خلي بالك من نفسك.
-أكمل أنا بقيت أخاف من البيت.
-ماما مشيت راحت عند تيتة، أنا لوحدي يا أكمل أرجع عشان خاطري.
-اديني وقت يا ورد، عارفة لما يكون العالم كله بين ايديكِ وفجأة يختفي مش لدقيقة ولا ساعة ولا شهر لسنين.
-كنز كانت بالنسبة ليا العالم، وأنا ضيعتها ممكن لو كنت على وعي كافي زي دلوقتي كان زمانا مع بعض دلوقتي وبموافقة العائلتين كنت هحاول مش هخاف أضيعها بين إيدي و أخاف أحارب عشانها.
-أنا في دوامة كبيرة يا ورد، محدش عالم بيها.
-سيبيني أرجوكِ الفترة دِ أعيد ترتيباتي.
اومأت له ورد لتهبط من السيارة وتدلف للداخل، كاد أن يغادر حتى وجد عمته تناديه ليقف على الفور ويقلق.
-هو لازم عشان نشوفك يبقى تختفي وترجع!
-ليه بس؟
-إيه يا أكمل؟ الحب واخدك مننا.
ابتسم أكمل ليقول:
-ادعيلي يا عمتي حتى توافق تبص في وشي.
-أكمل حبيبي، اللي حصل زمان خليه في زمان بلاش تعاقب نفسك وتعاقبنا كلنا على غلطة.
هبط أكمل من السيارة واستند عليها ليقول:
-أنا.
-أكمل أنا فاهمة اللي بيدور، عائلتنا من الأساس مفككة كل واحد تهمه مصلحته وبس زرعنا وأهو حصادنا.
-ده حصاد زرع باسل باشا، خليه يشوف الأيام هتعمل إيه.
تنهدت عزة لتنظر لابنه أسر وتقول:
-مش حرام تمرمط طفل زي الورد كدة معاك، خليه معانا وركز أنت في حياتك.
نفى أكمل برأسه ليقول:
-أسر في المكان اللي أنا فيه.
لينظر أكمل لابنه ويرى كم أهمله في الآونة الأخيرة ولم يستطع التوفيق بين حياته وحياة ابنه ليشعر بالحزن من إهماله له، ويفكر كيف سيتمكن من تعويضه.
___________________________
كانت تشعر بالآلام في معدتها لتحاول النهوض من فراشها ولكنها سقطت أرضًا أثر ذلك الدوران الذي شعرت به يجتاحها، جذبت هاتفها لتحاول الاتصال بأحمد ولكن الهاتف سقط من بين يدها أثر ارتعاش يديها.
فُتِح الباب ودلفت كوثر للداخل حتى تطمئن عليها وعلى حفيدها، لتجدها تجلس أرضا وتبكي جرت نحوها على الفور لتحيطها بيدها متسائلة:
-حاسة بإيه؟
أردفت ليلى من بين شهقاتها:
-وجع شديد.
هتفت كوثر باسم الخادمة لتجلب لها الهاتف وتتمكن من الاتصال بسيارة إسعاف.
لتُنقل ليلى للمشفى على الفور وتخضع للفحص الطبي، لم تخبر كوثر ابنها حتى لا يشعر بالفزع ويأتي من سفره.
لتدعو الله أن يحمي ابنها وحفيدها القادم، تقدمت من زجاج الغرفة لتنظر لـ ليلى والتي كانت قلقة على ابنها وخائفة من فقدانه.
تقدمت سميرة لداخل المشفى لتتعجب كوثر من معرفتها وتتسائل:
-أنتِ إزاي هنا؟
أردفت سميرة بقلق وهي تنظر حولها على أمل رؤية ابنتها:
-هي فين؟
-بيعملوا ليها فحص.
تنهدت سميرة لتجلس على المقعد خلفها وهي تدعو الله أن يحفظ لها ابنتها وحفيدها؛ فـ ليلى طلبت منهم أن تأتي لها أمها حتى تشعر بالاطمئنان في قربها.
على الجهة الأخرى،،
صعدت جميلة للغرفة لتناديها، فجدها طلب رؤيتها لتفتح جميلة الباب وتفزع حينما رأتها أرضًا لتتقدم منها على الفور في محاولة منها لإيقاظها.
هبطت جميلة لأسفل لتجلب مياه وهي قلقة حتى وجدت أدم الذي تسائل عن حالها، لتردف جميلة بارتباك وقلق:
-أدم بيه الصراحة.
-في إيه يا جميلة مالك؟
-كنز هانم طلعت عشان اناديها للبيه الكبير لقيتها مرمية في الأرض ومش عارفة أعمل إيه.
جرى أدم على الفور نحو غرفتها ليقترب منها ويتفحص نبضها، حملها ووضعها على الفراش ليؤمر جميلة أن تجلب له بيرفيوم خاص بها.
جعلها تستنشق الرائحة لترمش بعينيها عدة مرات ومن ثم فتحتهم ببطء وهي تعتاد على إضاءة الغرفة.
-كنز!
نظرت له كنز لتشعر بالحرج منه وتغمض عينيها مرة أخرى، أردف أدم متسائلا:
-أنتِ كويسة؟
اومأت كنز التي اعتدلت في جلستها وهي تقول:
-معرفش حصل إيه.
-المهم أنك كويسة دلوقتي، تحبي نروح نطمن ونروح لدكتور؟
نفت كنز برأسها، لينهض أدم ويؤمر جميلة أن تغادر الغرفة ليقترب من كنز التي تراجعت للخلف وهي تنظر له بريبة:
-مقابلاتك كترت بأستاذ أكمل.
قاطعته كنز بحدة وهي ترفع سبابتها بوجهه:
-ياريت تحافظ على كلامك يا أدم.
-أنا بقول اللي ملاحظه.
-أنا كل شوية يتصل بيا حد يقولي دِ مع أكمل الصالح يا أدم بيه.
-وأنت تمشي حد ورايا ليه! صغيرة.
دلف جلال للغرفة مستمعا لصوت صراخهم وحديثهم، ليقول:
-أنت بتعمل إيه هنا يا أدم؟
-تعالى يا جدي شوف حفيدتك اللي بتكرر نفس اللي حصل زمان.
-أدم!
نظر أدم لـ جده الذي اقترب من كنز عندما لمح وجهها الشاحب، ليقول:
-بطل تسرعك ده، وكمان أنت وكنز دايما زي الأخوات إيه تعاملك السيء ده.
-ومتقوليش بتحبها، التعود مش حب الإعجاب مش حب ميز مشاعرك الأول.
تركهم أدم ليغادر ويجلس جلال بجانب كنز قائلا:
-جميلة بلغتني إنك تعبانة.
-أه شوية.
صمت كلاهما لتقطع كنز ذلك الصمت بقولها:
-جدو أنا عايزة أسافر.
___________________________
في الصباح الباكر،،
كان أكمل يرتدي بذلته ليذهب إلى الشركة ويطالب بحقه في ذلك العمل، ولكنه وجد أسر يقف بجانبه يعدل ثيابه ليعقد حاجبيه قائلا:
-مش لابس زي المدرسة ليه؟
-عشان مش رايح المدرسة.
-اومال جنابك رايح فين؟
-هقابل كنز.
ابتلع أكمل لعابه ليتحمس حينما هتف أسر باسمها، ليتسائل عن الأمر قائلا:
-هتقابلها ازاي يعني؟
-اتفقنا هنتقابل النهاردة ونخرج.
-من غيري!
-هي قالت أنا وهي وبس أنت تيجي ليه!
-أسر حبيب بابا هو أنت مش بتحب بابا يجي معاك خالص!
-ده ميعاد خاص بيني وبينها.
-بقى كدة!
اومأ له أسر ليغتاظ أكمل ويكمل ثيابه، حتى استمع لصوت سيارة أحدهم بالأسفل ليجري أسر نحو الشرفة وهو ينظر لكنز ليجدها تلوح له بابتسامه ترتسم على شفتيها.
-بابا أنا نازل.
-استنى هنا، هتروح ازاي!
-كنز تحت.
-هتنزل كدة لوحدك! استنى.
جمع متعلقاته ليهبط لأسفل مع أسر وينظر لها، بينما هي كانت تبتسم لأسر الذي جرى نحوها وهو مسرور لتلتقطه يديها وهي تحتضنه.
استند أكمل على سيارتها وهو ينظر لها ولابنه، نهضت كنز لتصبح في مستوى أكمل الذي مد يده ليصافحها لتصافحه كنز قائلة:
-عندك مانع لو خرجت أنا وأسر شوية؟
-طب وأبو أسر؟
-يروح يشوف شغله أحنا مش فاضيين.
-أنا فاضي.
شبكت كنز ذراعيها للأمام قائلة بنبرة جادة:
-وأنا هخرج مع أسر لوحدنا يا أستاذ أكمل، وهنبقى على تليفون نشوف هتأخد أسر ولا اجيبه لغاية البيت.
اومأ لها أكمل ليرجع للخلف بظهره ليفتح باب سيارته ويبتسم لكلا من أسر وكنز التي استقلت سيارتها على الفور وهي تتفادى وتتحاشى النظر له.
قضت كنز اليوم بأكمله مع أسر، فهي اعتبرته منذ الوهلة الأولى ابنها الذي لم تنجبه وفقدته قبل أن يأتي لهذا العالم لنكن أكثر صراحة لطالما يذكرها أسر به وملامحه.
-إيه سبب الخروجة؟
-المهم إنك انبسطت.
كان يضحك أسر ببلاهة وفرحة، عادا سويا للمنزل ولكن لم يأتي أكمل ليفتح أسر الباب ويدعوها للداخل.
-هو بابا مرجعش؟
-شكل في شغل كتير عنده.
هاتفته كنز ولكنه لم يجيب لتضطر أن تمكث مع أسر والذي كان خائفا من الجلوس وحده.
أعادت ترتيب بعض الأشياء بالمنزل، وقامت بتحضير طعام لأسر لأنه كان جائع حتى شعرت بالملل؛ فأسر قد نام منذ ساعة ولكن أكمل لم يأتي ولم يجيب للهاتف.
دلف أكمل للمنزل وهو يستند على الحائط، لتلتفت له كنز حينما استمعت لخطواته لتشهق بصدمة متسائلة:
-إيه اللي عمل فيك كدة؟
رفع بصره نحوها ليتفاجيء من وجودها، ولكنه أجاب بقوله:
-حادثة على الطريق، وروحت المستشفى.
-فين أسر؟
-نايم جوا، كويس إنك جيت همشي أنا.
جذب ذراعها لتقف وهي تنظر له، ليبادر في الحديث:
-أنتِ هتمشي لوحدك في الوقت ده!
-أه.
-هوصلك.
-مش ناقصة مشاكل يا أكمل.
-أحنا هنبقى أهل قريب.
-ده لو فضلت موجودة.
تعجب من حديثها ليتسائل:
-قصدك إيه؟
-مفيش عن أذنك.
-أكمل لو سمحت سيب دراعي مفيش داعي لكل اللي بيحصل ده.
-بطل تتكلم كل ما تشوفني في موضوعنا، أحنا علاقتنا أنتهت.
-حاربت عشانك زمان وهح.
قاطعته وهي تضع يدها على صدره وتقول بسخرية:
-حاربت عشاني! الحب كان بالنسبة ليك تقضية وقت يا أكمل.
-بنغلط.
-غلطتنا متتغفرش.
تركته وغادرت، لتعود الأيام لسابق عهدها كلا منهما في حياته الخاصة على عكس كنز التي كانت تخطط لرحيلها وسفرها؛ فهي تعلم بأنها مازالت تحبه وإن ظلت بجانبه ربما ستضعف مرة أخرى وتخطيء أمام إصراره تلك المرة.
احتضن علاء كنز لتوديعها وتركها ليغادر ويهاتف ورد التي استيقظت من نومها قلقة، فهو أخبرها أنه لن يهاتفها مرة أخرى حتى يوافق أهله.
-علاء!
-ورد فوقي مفيش وقت.
-إيه؟
-كنز هتسافر.
أردفت ورد بغباء وعدم فهم:
-وفيها إيه؟
-ركزي معايا يا ورد، كنز هتسافر قولي لأكمل أخوكِ.
أغلقت ورد المكالمة لتتصل بأكمل ولكنه كان نائم ولم يجيب، حتى استيقظ أسر بإنزعاج شديد على أثر الهاتف ليوقظ أكمل الذي نهض بضيق شديد، وأجاب على ورد ويغلبه النعاس:
-ألو.
-أكمل ألحق كنز.
انتفض أكمل على الفور حينما استمع لجملتها، ليتسائل:
-مالها كنز؟
-علاء كلمني وقالي إنها ناوية تسافر وكلمني عشان أقولك وتلحقها.
كان يرتدي ثيابه وهو يهاتف أخته التي أخبرته بالمطار وميعاد الطائرة، ارتدى ثيابه على عجلة وهكذا متعلقاته ليغادر الشقة على الفور خوفا من فقدانها.
على الجهة الأخرى،،
كانت تحضن أدم الذي ربت على ظهرها قائلا:
-هستناكِ ومتخافيش هترجعي تلاقي أدم أخوكِ ابن عمك.
نظرت له كنز بابتسامه لتتركه وتذهب لكلا من سميرة وليلى التي أتت على الفور حينما أخبرتها سميرة.
صافحت كلاهما لتدمع عين ليلى وتقول:
-مش هتستني لما أخلف! ولما أتعب؟
-عمتو معاكِ وكمان الدكتور طمنا عليكِ أنتِ والبيبي وقال أنه سوء تغذية بس.
-وكمان مين عالم هرجع امتى؟
بكت ليلى لـ تقول غير عابئة لما تقوله:
-هتمشي زي طنط عائشة وخالو.
شعرت كنز بالحزن ولكنها على الرغم ابتسمت لها وهي تربت على كتفها قائلة:
-ربنا يرحمهم.
ودعت الجميع لـ تغادر ولم تسمح لأحد أن يصطحبها، وذهبت للمطار وبيدها حقيبة سفرها.
كان أكمل يبحث عنها بين الجميع حتى ذهب لمكتب الاستفسارات متسائلا عن حجز باسمها ولكنهم لم يخبروه.
لمحها وهي تتجه نحو الطائرة ليهتف بأقصى نبرة صوت لديه:
-كنز.
توقفت بمكانها وهي تبتلع لعابها وتفكر أتغادر ولا تجيب لِـندائه، أم تظل وتستمع له؟!!
استدارت مستجيبة لِـندائه، فَزادت من قبضتها على حقيبة السفر و هي تنظر له يسير تجاهها.
لم يجرؤ أحدهم على الحديث التزموا الصمت، و كأن لسانه لُجِم.
فعقدت حاجبيها و هي تلتف؛ لتذهب و تجر حقيبتها خلفها، ولكنها توقفت مرة أخرى عندما أردف بكلمته الوحيدة:
-متمشيش عشاني.
أغمضت عينيها و نظرت له و هي تردف قائلة:
-وهو البُعد خيارك أنت بس؟
-لما إختارتهم خسرتك، ولما إختارتك خسرتهم؛ ولكني المرة دي بختارني.
أنهت كلماتها و جرَّت حقيبتها خلفها و غادرت لتنفذ قرارها، قرار الرحيل.
لم يجرؤ على إبقائها ليشعر بالعجز وسقط أرضًا، فهو مخطيء ومذنب حينما تركها وحيدة وغادر دون أن يلتفت لها ولابنهم ليشعر بالذنب اتجاهها والحقد والكره اتجاه عائلته والتي كانت السبب في انفصالهم وذلك الكره الذي يملؤ قلبها، ولكنه لا يعلم بأن قلبها مازال ينبض باسمه هو فقط.
كانت لتظل و تبقى، ولكنها لم تكن تخسر سوى نفسها.
_____________________________
لـتمر سنتين من حياة الجميع، كلا منهم يحارب من أجل تحقيق هدف خاص به ولكن قلوبهم تتعلق بأشياء أخرى على عكس ما يفعلونه.
كان الجميع على عجلة من أمره، فالغد حفل زفاف كلا من سندس وورد والتي سعدت كثيرا بأن أخاها أوفى بعهده معها وتحدى الجميع من أجل زواجها بـعلاء حينما وافقت عائلته.
كان ينتظر حازم بسيارته أمام تلك الحضانة حتى خرجت علياء منها واستقلت السيارة ليردف حازم:
-مكنش في داعي للشغل النهاردة.
-الفرح لسة بكرة.
-هنلحق نجيب فستانك!
-متشغلش بالك أوي كدة، ولو سمحت متتعصبش عليا.
هز رأسه عدة مرات بسخرية، ليقود نحو متجر ملابس لشراء ثوب لها لزفاف الغد.
-ياريت نخلص أنا خلقي ضيق.
-أنت اللي أصريت تيجي معايا.
-اومال أسيبك لوحدك!
تذمرت علياء وهي تتجه نحو المتجر وخلفها حازم الذي نظر لخاتم خطوبتهما الذي يزين إصبعه منذ ستة أشهر.
على الجهة الأخرى،،
كان ينتظر أكمل ابنه خارج المدرسة، فاليوم أخر امتحاناته ليجري أسر نحو أبيه بفرحة وهو يقول:
-خلصت.
ابتسم له أكمل ليحمله ويضعه بالسيارة ويقودها نحو القصر، فهو عاد للعيش مع عائلته مرة أخرى حينما أتى له باسل وأعتذر عما فعله، ولكن عادل سُجِن حينما اكتشفوا أنه يتاجر ببعض الأعمال الغير القانونية لتطلب نهلة الطلاق منه ويقرر طلاقها لتعود إلى القصر لتظل مع ابنتها ولكن هدى رفضت الرجوع لـ باسل مرة أخرى.
دلف أكمل للقصر لتجري نحوه شذى وتحتضنه، ليقول لها أكمل:
-فين حسام؟
-مع مامي في أوضتهم.
-تمام يا حبيبتي، العبي مع أسر هطلع أشوف ورد.
-مش هنا مع سندس بره.
اومأ لها أكمل ليصعد حيث غرفة أمه ويقبّل يدها قائلا:
-ما تدعي يمكن دعوة تصيبني.
ابتسمت له نهلة لـ تقول:
-بدعيلك علطول يا حبيبي، ولكن الصبر.
-لو خدنا كل حاجة في الوقت اللي أحنا عايزينه مش هنحس بحلاوة العوض.
وضع رأسه على قدميها ليغمض عينيه ويفكر في تلك التي سلبت منه أفكاره منذ الوهلة الأولى حين رأها في المدرج الخاص به تضحك بتلقائية غير عابئة بمن حولها.
أطلق تنهيدة حارة تعبر عن مدى مستوى النيران التي لم تخفق بعد منذ أن غادرت وتركته.
ربتت نهلة على رأسه بحنية وبدأت تدعي له على أمل أن تصيبه دعوتها.
_________________________
كان يستند على عكازه وينظر لـ علاء ويقول:
-خلاص يا ابن الهواري هتنسانا!
-هو أنا أقدر يا جدو يا حبيب قلبي!
-أنت مصلحة يا واد خلاص ما صدقت أننا وافقنا وخلاص هتنسانا.
ضحك علاء وهو يقيس البذلة الخاصة به، ليقول:
-حلوة؟
-زي الزفت.
-تسلم يا غالي.
ضحك جلال وتقدم منه يربت على كتفه قائلا:
-اللي أنت داخل عليه كبير يا علاء، خليك قده وبلاش مشاكل مع عائلة الصالح تاني.
-أحنا من طريق وهما من طريق، كفاية اللي حصل زمان وبيحصل دلوقتي.
-كفاية إن حفيدتي بعيدة عن حضني وعيني.
حزن علاء حينما تذكر كنز، فهو اشتاق لها كثيرا فهي لم تعود منذ ذلك الحين لتدفن نفسها بالعمل دون توقف تحاول أن تواصل العمل حتى لا تجد وقتا للتفكير به أو بحياتها القديمة.
كانت تقف أمام مرآتها ترتدي ثيابها الرسمية لتغادر الغرفة وتهبط من الشقة لتذهب إلى عملها وتحضر ذلك الاجتماع.
-آنسة كنز لا يمكننا الموافقة على تلك البنود.
-حسنا، لا مشكلة.
-يمكننا إنهاء تلك الشراكة فكلانا ليس بحاجتها.
نظروا جميعا لبعضهم البعض، فهم بحاجة تلك الشراكة للغاية فكنز لم تتخلى عن اسم أبيها والذي لديه سمعة كبيرة تصدع بجميع البلدان؛ فالجميع يعلم بمدى أهمية العمل مع شركات عمر الهواري أو أحد من عائلته.
-أعتذر ولكن لا يمكنني مضيعة الوقت.
كادت أن تنهض ليوقفها مستر بيتر المتحدث الرسمي باسم الشركة الأخرى:
-حسنا ولكننا سنغير إحدى البنود.
-يمكنك مناقشة ذلك الأمر مع مستر جاك، حينها سأفحص الأوراق بعناية.
ابتسمت لهم لتنهض وتغادر لتذهب إلى مكتبها ويذهب خلفها ماكس السكرتير الخاص بها قائلا:
-موعد الطائرة في التاسعة صباحا.
-حسنا يمكنك الذهاب الآن.
جلست على مقعدها لترجع رأسها للخلف وهي تطلق تنهيدة حارة، فهي تود ألا تعود حتى وإن كان لحضور حفل زفاف لـ ليلة واحدة فلا شك بألا سيحدث اصطدام بينهما.
__________________________
في الصباح،،
-أحمد.
-نعم؟
-فين نور؟
-مع ماما تحت متقلقيش.
-صحيت من النوم ملقيتهاش.
-خلاص مش مهم، ادخلي غيري هدومك عشان نروح القصر.
اومأت ليلى لتبدل ثيابها لأخرى، وتهبط لأسفل لتأخذ نور من بين يد كوثر وهي تقول:
-قومي البسي يا طنط عقبال ما أغير لـ نور.
-الناس تقول صباح الخير الأول، وكمان هروح دلوقتي أعمل إيه!
-روحوا وأنا هأجي على الفرح علطول.
-ليه يا حبيبتي؟
-معلش يا أحمد سيبني على راحتي.
اومأ لها أحمد لينظر إلى ليلى ويقول:
-اطلعي جهزي نور ويلا بينا أحنا.
اومأت له ليلى لتصعد للأعلى وتبدل ثياب نور، لتهبط سميرة من غرفتها بعدما أبدلت ثيابها وتتقدم من ابنها أدم وتعدل له ياقة قميصه وتغمز بعينيها اليسرى قائلة:
-إيه الأخبار؟
غمز أدم هو الأخر، ليتسائل قائلا:
-أخبار إيه؟
-مفيش حاجة كدة أو كدة!
-لا يا سميرة مفيش حاجة كدة أو كدة ركزي في حالك.
-الاه وأنا ناقص حد غيرك اطمن عليه.
-ياستي بقى ركزي في فرح ابن أخوكِ.
-وهو فين أخويا!
-احمدي ربك إن كنز قبلت ترجع ليهم نص فلوسهم.
-واحترموا نفسهم ونقلوا يعيشوا بره القصر.
-واللي أحنا فيه ده صح!
-العائلة يعني ترابط، وأحنا مفككين.
-عندك حق، ولكن برضو العائلة مش اختلاط.
-ابن العم مع بنت الخال والحوارات دِ.
ليردف بنبرة مازحة وهو يغادر:
-اتقوا الله بقى اتقوا الله.
__________________________
هبط كلا من سندس وورد من غرف الفندق، ليقف كلا من جاسر وعلاء أسفل السلم في انتظارهم.
ابتلع جاسر لعابه وهو ينظر لزوجته والتي تبدو كالبدر في ذلك الثوب الأبيض كجمال قلبها الذي يزينها، ليقبّل رأسها قائلا:
-ربنا يخليكِ ليا.
مسك علاء يد ورد والتي كادت أن تسقط ليبتسم لها، قال علاء وهو يحتضنها بجانب أذنها:
-الوصول ليكِ صعب ولكن مش مستحيل.
ذهبوا كلاهما لمقاعدهم، ليصفق الجميع وتنظر العائلتين لهم بمشاعر مختلفة.
كانوا جميعا تسيطر عليهم عدة مشاعر سوى الحزن عدا ذلك الذي ينظر لِـساعته وإلى ذلك الباب كل دقيقة في انتظار طلتها.
حتى لمحها تدخل وهي تحمل بيدها حقيبتها الصغيرة، كم تبدو جميلة فلم ينتظر ليذهب نحوها ويجذبها بعيدا عن الأنظار لتشهق كنز بقوة حينما وجدته يحتضنها.
-طال بُعادك.
ارتبكت كنز لم تكن تتوقع ذلك الأمر، لتشعر بالدفء ولكن بالرغم من ذلك حاولت السيطرة على تلك المشاعر التي اجتاحتها أثر احتضانه لها.
ابتعدت عنه ببطء لتجده ينظر لها بعتاب لم تقوى على تحمله، لتتركه وتغادر على الفور وهي تدعو الله أن تمر تلك الليلة بسلام.
احتضنت كنز جدها الذي سعد كثيرا بوجودها، صافحت الجميع والذي سعدوا لعودتها مرة أخرى لتذهب كنز وتصافح كلا من ورد وعلاء، لتنظر لها سندس وعلى الفور تنظر لأكمل الذي كان يراقبها منذ أن تركته.
-مبروك.
احتضن علاء كنز بقوة وهو يقول:
-شكرا شكرا.
-أنا اللي بشكرك على إصرارك على المواجهة.
باركت كنز لـ كلا من سندس من جاسر الذي مال على سندس وتسائل:
-هو إيه الحوار؟
-هبقى أحيكلك القصة دِ كبيرة ومحتاجة قعدة.
لتأتي رقصة الثنائيات، كانت تقف كنز بجانب جدها تشعر بالتوتر من نظراته لها فهو يفكر كيف سيقنعها بالبقاء معه.
كانت تتحدث إلى ليلى وتداعب ابنتها، حتى وجدت يده تلتف حول خصرها لتجحظ عينيها وتنظر لجدها الذي اومأ لها.
دفعها ببطء نحو الجميع ليقربها منه ويرقصا سويا، كانت تتحاشى النظر له حتى أردف:
-تيجي نتعرف من الأول؟
-لا ما هو أنتِ هتدخلي على الخمسة وتلاتين ومش هنلحق نخلف، خدي خطوة.
-أكم.
قاطعها بقوله وهو يقلدها بسخرية:
-أكمل أنا وأنت علاقتنا انتهت من زمان، مش ده اللي كنتِ هتقوليه!
-ياستي اعتبري بنفتح صفحة جديدة.
-أنا عايزة أنزل.
كادت أن تتركه حتى وجدته يتمسك بها وينظر لداخل عينيها قائلا:
-عايز جواب يا كنز.
-موافقة نرجع لبعض وفي النور قدام الكل؟
كانت في حرب بين قلبها وعقلها، كلاهما يتصارعان واحد يخبرها ألا تعود له وأن تستمر في العيش بمفردها والأخر يخبرها بأن تتمسك به تلك الفرصة لن تُعاد مرة أخرى، يخبرها بأن الفراق ليس الحل الوحيد لتلك العلاقة.
ليصرخ قلبها قائلا كفى فراق، كفى عذاب لي ولقلبه كفى ذلك الحزن الذي يخيم على كلانا؛ ولكن وإن وافقت حديث قلبها أستتمكن من التخلص من عبارات عقلها والتي تؤمرها دوما بالابتعاد والفراق وأن تشتري نفسها لا أن تضحي تلك المرة أيضا.
رفعت بصرها نحوه لـ تقول بنبرة تائهة تدل على مدى تفكيرها العميق الذي يرهقها:
-نفكر!
لتنسدل الستائر عزيزي القاريء وتنتهي تلك القصة إلى هنا مستندة على فِكرك العميق، لتضع أنت النهاية المناسبة من وجهة نظرك لترى الأمر من منظورك.
لأنهي قصتي الآن ببعض الكلمات لعلها تلمس قلبك وتعبر عن النهاية،
"لِكل قصة نهاية، حتى وإن توقفنا في منتصف الطريق قليلا سنكمل رحلتنا ولو بعد حين".
.
.
_النهاية.
بقلم/سلسبيل كوبك.
__________________________
ربما تفاجأتم كثيرا لإنهاء الرواية دون مقدمات، ودون تلك الأحداث التي كانت في مخيلتكم؛ ولكنني مضطرة للإنتهاء من الكتابة بتلك السرعة لعدة أمور لعلها خير❤️.
أتمنى أن تنال إعجابكم❤️.

🎉 لقد انتهيت من قراءة ضحايا المنتصف.. 🎉
ضحايا المنتصف..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن