الفصل الحادي عشر

775 87 39
                                    


حملها بهلع قبل أن يفترش جسدها الأرض، وخرج بها ليدلف لغرفتهم الخاصة ومن ثم مددها برفق على الفراش، وبسرعة التقط زجاجة عطر ونثر منها على يده وقربها من أنفها، لتستيقظ بعد عدة محاولات منه وبدأت ترمش بعينيها وأخذت تتطلع حولها بتشوش، وحينما استوعبت إنها في معقله الذي شهد على مقتلها انتفضت بعنف وهي تشعر بالاختناق، همت للنهوض والهرب من براثن تلك الذكريات التي تشن عليها غارات عنيفة دون رحمة، إلا أنه مسك يدها قائلا بروية :- رايحة فين ارتاحي .

أخذت تهز رأسها بعنف مرددة برفض :- لا أنا مش عاوزة أقعد هنا، بتخنق .

قالتها بإصرار ونهضت إلى أنه شكل حاجزًا أمامها يعيق حركتها، رددت بانهيار:- أبعد أنا عاوزة أطلع من هنا، سيبني أمشي.

ولدهشتها قام بمحاوطتها بذراعيه الصلبة، ورغم محاولاتها الشديدة في أن تفر منه إلا أن الهروب منه بات مستحيلًا بسبب تلك الأذرع الحديدية التي تطوقها، أخذت تضربه على صدره ولكن لا حياة لمن تنادي، تركها هو تفرغ ما بداخلها علها تستطيع إخماد بعضًا من سعير روحها المحترقة، دلفت في موجة بكاء عنيفة تنعي روحها التي صعدت منذ أن تلقت صدمتها في شقيقتها .

بعد وقت طويل قضته في النحيب استقبله هو برحابة صدر، عل ذلك يشفع له مما ارتكب في حقها، غفت مكانها فحملها وخرج بها متوجهًا بها إلى غرفة أبنائه حيث تقبع طيلة الأشهر المنصرفة، حتى لا تدلف في نوبة أخرى من البكاء عندما تستيقظ وتجد نفسها في مكان لا تود البقاء فيه، مددها برفق وجلس على طرف الفراش يتأملها بحزن شديد ومشاعر متضاربة طرأت عليه فجأة.
التقط الهواتف مجددًا وأخذ يبحث فيهما عله يجد شيئا آخر يدين المغفور لها ويبقى دليل حي على براءة تلك الغافية، وبالفعل وجد ما هز قلبه وجعله يرتجف كليًا وهو يوزع أنظاره بينها وبين الهاتف، لقد اكتشف سرها العظيم الذي أخفته لمدة تسع سنوات عن الآخرين إلا شقيقتها التي علمت بذلك، والتي لجأت لمثل هذا المخطط كي تبعده عن مرماها وتفوز به وحدها، طالعها بعدم تصديق أتحبه منذ تلك الآونة ؟ يا لها من صدمة!

ضغط بكفيه على رأسه التي كادت أن تنفجر، لا يصدق ما فعلته سمر وكيف لعبت بخسة في سبيل الوصول إليه، وهو كالمغفل وقع وسلم لها الرايات البيض، لطالما هو العابث الذي يركض خلف الفتيات ويتلاعب بهن، لم يصدق أن يأتي اليوم الذي يوضح له أنه كان في أكبر كذبة وعاش أكبر وهم، وكم كان مغفل حينها هو لا يعرف كينونة الحب الذي تضخه له تلك الراقدة لا حول لها ولا قوة، يعترف بأنه تزوج سمر راغبا بها بعد محاولاتها المستميتة في إغرائه، ولم يعطي اهتمام أبدًا أنه يدوس على قلب هش فحطمه وحوله إلى فتات، يشعر بأنه في كابوس مروع وعما قريب سيوقظه أحدهم وسينجو منه، سحب نفسا عميقا وهو لا يزال في صدمة .

**********************************

في مكان آخر يجلس في الظلام على مقعد بجانب النافذة، يتطلع إلى السماء الحالكة إلا من النجوم التي تنير بعضًا من عتمتها، تنهد بحزن وهو يشعر بجبل شاهق الارتفاع يجثو فوق كتفيه، وخاصة بعدما اكتشف أمامه الحقائق واحدة تلو الأخرى، والتي ما هي إلا عبارة عن أبواب هلاك فُتحت بوجهه، أبواب لم يكن يعلم بهوية وجودها من الأساس، ظهرت فجأة لتلفظه نحو السعير مرحبة به، يا ليته ما علم تلك الحقيقة المريرة، التي قلبت حياته رأسًا على عقب، لقد عاش سنواته في أمان حتى أتى عليه الوقت الذي يناضل للبقاء، ما هذه الورطة والمسؤولية التي على عاتقه ولا يستطيع الفرار أو التخلي عنها، فالأمور باتت معقدة كثيرًا وصعب الخلاص منها، نظر للهاتف بلهفة عله يجد ما يطفئ حريق صدره المشتعل خوفًا، يعلم أنه لم يرها ولكن كونه مسؤل عنها يحتم عليه ذلك .

ملتقى القلوب (الجزء الاول)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن