حتى النهاية●

33 3 0
                                    

   استلقيت على سريري و قد صارت عيناي ساقيتان من شدة الدموع التي ذرفتها. كانت يداي ترتجفان و كل جسدي يرتعش، لم أعد قادرة على فهم ما يجري حولي، فحتى أبواي اللذان كانا أعز شيء لدي كشفت الأيام عن شيء يخفيانه منذ أمد طويل. أصبت بالحيرة و الغضب و الحزن، كانت مشاعري مختلطة للغاية و لم أستطع فهمها. و في تلك اللحظة بالذات، حدث شيء لم أكن أتوقع حدوثه...... لقد ظهر طيف تلك الفتاة من جديد، و بدأت تخاطبني بصوت مستهزء :" ما هذا الوضع الذي يرثى له؟ انت حقا كائن ضعيف جدا". ثم بدأت تتقدم نحو سريري بخطوات بطيئة، لكن هذه المرة لم تتوقف وسط الغرفة، بل اقتربت حتى وصلت إلى سريري وقالت :" انظر إلى وجهي جيدا... أنا أنت، لكن بنسخة أقوى. أتعلمين لماذا قررت أن أري وجهي لشخص بغيض مثلك، ذلك لأنك استطعت اكتشاف أن هناك عالما موازيا، لذا فقد اكتسبت بعض الاحترام مني.... لا تسأليني كيف علمت بإنجازك هذا، فأنا بجانبك في كل خطوة، لا تنسي بأنني انعكاسك. لقد رأيت قبل قليل كيف تعاملت مع أبيوك، و لقد أعجبني ذلك حقا... لقد أظهرت بأنك على الأقل تملكين شيئا تعتزين به، حتى و إن كان آزاد هذا بنفسه من دون قيمة...."
_" لا أسمح لك بقول كلام كهذا عن آزاد...." بينما تقول هذه الكلمات، كنت غاضبة جدا لدرجة رغبتي في الانقضاض عليها و شنقها حتى الموت، لكنني كالعادة كلما ظهرت هذه الفتاة أمامي أفقد السيطرة على جسدي و يصعب علي التحكم به كما أريد.
_" حسنا حسنا، هدئي من روعك.... سأتوقف عن نعت آزاد بالسخيف حتى لو كان كذلك لأن ذلك يأثر على جسدك و هذا غير مفيد لي أيضا. بالمناسبة، سأكافئك على ما فعلته بوالديك، لذا سأخبرك بالعلاقة بيني و بينك، و عن المرآة أيضا. لكن لا تتوقعي مني الكثير، يجب عليك فهم ما تبقى لوحدك. سأخبرك أيضا بطريقة تساعدك على فهم كل شيء. ما رأيك؟"
استغربت عندما سمعت، ففي المرة السابقة، كانت هاته البغيضة تعاملني بقسوة و استصغار، فتساءلت عما قد تغير الآن ؟و ما إذا كانت تريد الإيقاع بي في كمين ما؟ أو أنها تساعدني لأننا مرتبطتبطتين كما تزعم؟ لكن فضولي في استكشاف المزيد عن هذا الموضوع تغلب على شكوكي" في الحقيقة.... حسنا... اخبريني بكل ما أستطيع معرفته الآن.... " كان ذهني مشوشا و لم أكن أسمع سوى صوتا بداخلي يقول لي:" ثقِ بها و اتركيها تخبرك بكل ما تعلمه" فانصعت لهذا الصوت.
  ابتسمت الفتاة ابتسامة خبيثة نوعا ما، ثم جلست على سريري و بدأت بالحديث:" قبل أن أقول شيئا، يجب أن تعلمي بأن الأشخاص من العالم الموازي يعلمون عن انعكاساتهم أكثر مما تعلمون عن أنفسكم، لكن في المقابل لا يملكون إسما. "
_" هل هذا يعني.... بأنك تعلمين كل شيء عني؟"
_" أجل كل صغيرة و كبيرة، لكن ذلك ليس رائعا كما يبدو، أن يكون لك اسم أفضل بكثير من أن تعلم كل شيء...." ساد صمت ثقيل لمدة ثواني معدودة، لكنها بدت كما لو أنها أعوام لأنني كنت أتحرق شوقا لمعرفة سر الغموض الذي يحيط بعالمنا. ثم تنهدت الفتاة و أكملت :" بما أنك المختارة...." فقاطعتها :" ما الذي تقصدينه بالمختارة ؟"
_" لن أخبرك، يجب أن تكتشفي ذلك بنفسك..... كما قلت، بما أنك المختارة، فقد صنعت مرآة تربط بيني و بينك. لو أنك تلقيت التدريب الملائم، كنت ستستطيعين التواصل معي من خلالها. و الآن بعد أن انكسرت، فقد تحرر قدر كبير من طاقتي، و صرت قادرة على نقل جزء مني إلى هذا العالم. كما أنني لا أستطيع التواصل مع أي شخص هنا غيرك. "
_ " هكذا إذن... بما أنك تعلمين كل شيء عني، لا بد من أنك تعلمين سبب تعلقي الكبير بآزاد؟ أريد أن أعلم لماذا استطعت أن أثق به بسرعة؟ و ما نوع العلاقة التي تربط بيننا ؟"
_"  لا أريد إخبارك بهذا الجزء. ليس كما لو أنني لا أريد، بل هذا شيء لا أستطيع البوح به" شعرت بالخيبة لتلقي جواب كهذا، لكنني سألتها مرة ثانية على أمل أن أتلقى جوابا مرضيا هذه المرة :" أتساءل عن كيف تبدو الحياة في العالم الموازي ؟"
طأطأت الفتاة رأسها ثم أغمضت عينيها:" أنها رائعة حقا، تستطيع معرفة كل شيء و أنت جالس في مكانك، تشاهد انعكاسك يمضي في حياته البائسة. أحيانا يضحك فتضحك، أحيانا يبكي فتبكي، أحيانا يقوم بأعمال طائشة فتشعر بالراحة عندما يعاقب، أحيانا يتخذ قرارات تراها غير صائبة، أحيانا يكذب فتنزعج... رغم كوننا شخصا و انعكاسه فأفكارنا و شخصياتنا مستقلة عن بعضها تماما، نملك مشاعرنا و أفكارنا الخاصة، لكننا لا نستطيع نقلها أو التأثير بها على العالم الحقيقي بأي طريقة، لذلك فهي بدون قيمة.... نحن لسنا نفس الشخص، نحن شخصين لهما نفس الشكل، مرتبطين بشيء واحد، وهو قدرة سكان العالم الموازي على معرفة جميع تفاصيل حياتكم. كما أننا نتميز عليكم بالوعي منذ الولادة ، وذلك لإدراك ما يصير في حياتكم حتى خلال فترة الرضاعة.... لا أستطيع أن أخبرك ما إذا كانت حياتنا جميلة أو سيئة لأنها مختلفة عن نمط عيشكم كثيرا، و لا يمكن المقارنة بينهما. أنا متأكدة بأن أي أحد منا سيرغب بشدة تجربة العيش بين البشر، و كما سيرغب البشر في تجربة الحياة في العالم الموازي. لكن هناك شيء أظن بأنه يتميز عن عالمكم.... ( فنظرت الفتاة في عنيني ، و حدقت فيهما لبعض الوقت و أكلمت كلامها) هو قدرتنا على عدم أذية أي أحد ، حتى و لو لم نكن نريد ذلك." اقشعر بدني و تسارعت ضربات قلبي بمجرد سماعي هذه الجملة " قدرتنا على عدم أذية أي أحد" ، فبالطبع لهذه الكلمات وقع كبير علي لأنني سئمت من الأذية التي سببتها لوالدي و لآزاد أيضا، فهو الآن صار متورطا في قضية عنف منزلي بسببي فلو ألقي القبض على أمي بطريقة ما، سوف يتهم بالتستر على الجريمة. ثم قلت لها :" أتمنى لو كنت أعيش في هذا العالم، فكل ما أريده هو عدم إيذاء الآخرين، فقد وصلت لدرجة إقلاق أبي و جعل أمي تبكي قبل قليل".
_" إذن ما رأيك أن آخذك إلى العالم الموازي؟ ... هل تريدين الذهاب؟" قالت الفتاة و نظرة غريبة قد علت وجهها، و ابتسمت ابتسامة تدل على فرح شديد مختلطة برائحة المكرة. استطعت ملاحظة ذلك لكنني تظاهرت بعدم رؤية اي شيء، لأنني أردت أن أقنع نفسي بأن تلك الفتاة لطيفة و تريد أخذي إلى مكان حيث لن يتأذى فيه أحد بسببي. كنت لا أزال مترددة فلم أجبها بسرعة و ذلك ما أثار غضبها، فأخذت تسألني مرارا و تكرارا بإلحاح: هل تريدين الذهاب ؟ أخبريني ؟ قل أجل و سآخذك...... هل تريدين الذهاب؟ أخبريني؟ قل أجل و سآخذك...." ظلت الفتاة تردد و عيناها ملتصقتان بعيني ، كما أن تلك الابتسامة الغريبة لم تفارق وجهها أبدا. بدأ قلبي يخفق بسرعة، و تزايدت ضرباته مع كل كلمة نطقت بها. شعرت بخوف شديد جعلني أتمنى الموت بدل عيش لحظة حاسمة و مخيفة كهذه، لم أعلم كيف يجب علي التصرف في هذا الموقف، هل أقول أجل فتأخذني إلى عالم لا أعلم عنه شيئا؟ أم أقول لا فتغضب الفتاة و تقوم بشيء فظيع و بشع. فجأة رن هاتفي فاختفت الفتاة في رمشة عين و كأنها لم تكن هناك على الإطلاق. لقد كان آزاد من يدق. أشعرني ذلك بارتياح كبير و سعادة غامرة، لقد ظننت لوهلة بأنني لن أخرج بسلام من تلك الفتاة، لكن ها هو ذا آزاد ينقذني ثانية. فبادر بالحديث أولا:" مرحبا؟؟ أماليا، هل أنت بخير ؟ مرحبا؟؟" بدى من صوت آزاد على أنه متعب و قلق. رددت عليه و أنا مبتسمة:" لا تقلق آزاد ، هون عليك. كل شيء بخير. ما الذي جعلك تتصل بي في وقت متأخر كهذا؟"
_" لقد كنت نائما، ثم حلمت فجأة بأنك في مكان معتم، و تشعرين بالخوف و قلبك يدق بسرعة كبيرة. لقد كنت تبكين و لم أستطع أن أقدم لك المساعدة. لذا استيقظت مرعوبا و اتصلت بك من دون أن أفكر."
_" هكذا إذن.... لا أدري كيف استطعت الإحساس بذلك، لكنك أنقذتني من موقف سيء للتو."
_" هل هذا صحيح!؟ ما الذي حدث بالتحديد!؟ هل آتي إليك الآن؟"
_" لا، لادعي لأن تتعب نفسك بالقدوم، لقد صار كل شيء على مايرام. شكرا جزيلا لك."
_" لا تشكريني فهذا واجب.... أماليا،أريدأن أسألك عن شيء، و أتمنى ألا يزعجك ذلك ."
_" ما هو هذا الشيء؟"
_" ألا ترين بأن العلاقة التي تجمعنا غريبة نوعا ما؟ ففي فترة قصيرة صرنا نثق ببعضنا كثيرا، و صرنا قادرين على البوح بأسرارنا دون الشعور بالذنب حيال ذلك. عندما أنظر إليك... أشعر و كأنني أنظر إلى نفسي الثانية، لكن من زاوية أخرى، هل تشعرين بذلك أيضا؟ أم أنني أتخيل؟"
_" لست وحدك من يظن هذا!"
ضحك آزاد ضحكة خفيفة و تابع:" كنت أظن بأنني الوحيد الذي يشعر بذلك، لقد ظننت بأن فقدان أختي أثر علي كثيرا و شوقي لِلُقياها جعلني أحطك مكانها. أنا سعيد الآن." ساد صمت خفيف، ثم كسرته" آزاد، يجب أن نلتقي وجها لوجه كي أخبرك عن اليوم."
_" حسنا... غدا يوم عطلة، لما لا نذهب إلى الحديقة بجانب البحيرة و نتحدث هناك ؟"
_" اتفقنا... تصبح على خير ، أراك غدا ."
_" تصبحين على خير."
ثم غط كل منا في النوم ، فماذا يخبئ المستقبل لنا؟

الذكريات المحرمة || The Forbidden Memories Où les histoires vivent. Découvrez maintenant