استيقظت بعد أن نمت لمدة ما، لكن الغريب في الأمر أن الليل لا يزال مخيما، و كأنها ليلة خالدة تعج بسمفونيا حفيف الأشجار المدوي و هزيم الرعد المزمجر .
أثناء عودتي إلى قاعة العبور، لاحظت بأن القبة تشبه الزهرة، و بها سبعة ألوان كتلك التي كانت تلبسها الفتيات أثناء القيام بالطقس" هل يعقل بأن هذه الألوان السبعة هي ما سمته الأحجية بألوان الجن. و رمز اوميغا الذي يحيط بالقبة، انه يعني الحياة في لغة الخيمياء.... جن، الوان، حياة؟ أتذكر بأن مرجانة أخبرتني مرة بأن الجن مصنوعون من النار، هذا يعني... كلمة المرور هي النار؟ لكن بربطها مع كلمة الحياة... اممم ... زهرة خالدة وسط رمز الحياة... الحياة الأبدية ، مصنوع من النار... حياة ابدية في النار ... ها !! لقد وجدتها " قلت و الحماس يضيء من عيني" إنها الجحيم ، المكان الذي يعذب فيه الأشخاص السيؤون كما أخبرتني مرجانة ذات مرة".
أسرعت إلى قاعة العبور و رتبت الأحرف لأشكل كلمة جحيم، و ما حصل بعد ذلك هو ارتفاع دعامة من الأرض، وسطها جوهرة سوداء و خطين من اللآلئ من الألوان السبعة.
* هذا شكل تقريبي لما تخيلته عن الدعامة*لاحظت بأن هذه الدعامة تشبه قبة المنزل نوعا ما، حيث الألوان موضوعة بنفس الترتيب غير أنها لا تحتوي على مدارين، كما أن الحفرة الصغيرة وسط الدعامة تشبه الفتحة في وسط القبة التي تترك ضوء القمر يعبر من خلالها . ففكرت بأنه يجب علي وضع مصدر للضوء في الحفرة كي يماثل ضوء القمر.
بحثت في جميع انحاء المنزل عن شيء ما قد يساعدني على اشعال الضوء لكن دون جدوى.
عدت إلى تلك القبة على أمل أن أجد فيها تلميحا ما و بالفعل، فبعدما دققت النظر لاحظت بأن هنالك رقم صغير فوق كل جوهرة يشير إلى ترتيبها من الأولى الي السابعة ، حيث كانت آخر جوهرة حمراء.
في قاعة العبور، كان هنالك صفين من سبع جواهر اي ما يعادل 14 جوهر، لذا كان العد للرقم 7 ممكنا. فعلت ذلك و كانت الجوهرة السابعة حمراء أيضا في الصف الثاني، فإذا ما اعتبرنا مركز الدعامة هو الشمس كما ذكر في الأحجية، فالجوهرة المقصودة هي الجوهرة الحمراء على المدار الثاني من الشمس. لم أدري مالذي يجب علي فعله بها ، و كل ما فكرت به هو نزعها من مكانها و انتظار ما سيحصل، و فعلت.
و في الحال، بدأت التماثل السبعة تتحرك رافعة يديها ، فاصطفت راحات يد كل تمثال بجانب راحة يد الآخر، لتشكل بذلك طريقا تصل بيني و بين الجهة الجهة الأخرى من قاعة العبور.
صعدت فوق راحات اليد و مشيت فوقها إلى أن وصلت أمام حائط يبدو و كأن عليه خريطة منقوشة لمكان ما ، لكن جزءا منها كان محطما مما جعل الخريطة بدون فائدة.
خرجت من البيت و أنا خائبة الأمل، و بينما أمشي تحت ضوء القمر المتوهج تلبدت السماء فجأة بالغيوم و بدأت قطرات المطر تتهاطل قطرة قطرة.
" كل شيء بدأ عندما حاولت الانتحار في ذلك اليوم من أجل سبب تافه، ذلك اليوم الذي التقيت فيه بآزاد لأول مرة... ماذا لو لم نلتق ذلك اليوم؟ هل كان من الممكن أن أكون في وضع أفضل مما انا عليه الآن؟ بالطبع نعم، فليس هنالك أسوء من أن يكون أخاك عالقا في كون غريب، صديقتك على وشك الموت بسببك، و نجاة العالم بأسره على عاتقك. اشتقت إلى آزاد، اشتقت إلى مرجانة، اشتقت إلى أمي، ابي و جدتي... لماذا وقع الاختيار علي انا بالضبط؟ لقد فقدت كل ما كنت أملك من منزل، أهل، أصدقاء...." قلت و أنا متكئة على جدع ضخم لنخلة عملاقة تتأرجح أوراقها مع الرياح العاتية مصدرة صوت زمجرة و كأنه يصرخ مكان قلبي الصامت، موجهة عيني نحو الأعلى و تاركة قطرات المطر تتسلل إلى وجنتي و تذرف منها ماء كقطرات دمعي التي جفت من شدة ذرفها " لقد تعبت، أريد أن أرتاح قليلا. اتمنى أن اغمض عيني فتوقظني امي في الصباح و تخبرني بأن كل ما مررت به كان فقط كابوسا مرعبا. " ثم جلست على الأرض مسندة ظهري إلى النخلة و أغلقت عيني محاولة النوم، فراودني في غفوتي حلم عن مرجانة تستنجد و تستغيث أيقظني هرعة " ماذا كنت أفعل؟ هل حقا كنت احاول النوم بينما صديقتي تعاني الأمرين . علي الذهاب لإنقاذها! "
استندت على الفور و بدأت بالركض تحت وابل من الأمطار الغزيرة مصارعة الرياح، و أضواء القرية تلوح من بعيد خافتة و باهتة، و كلما اقتربت سمعت اصوات البكاء و النحيب تعلوا أكثر فأكثر. أصبت بالذعر لما سمعت، لذا اختبأت خلف حيطان المنازل محاولة اختلاس النظر لما يجري بداخل القرية.
و إذا بي أرى مجموعة من المخلوقات بستة أعين ذات أيد طويلة تصل إلى حافة اقدامها، بشرتها سوداء كالظلام الحالك ،قرونها طويلة و افواهها ممتلئة بسطرين من الاسنان الحادة ، تسفك دماء جميع اهل القرية بدون استثناء سواء أن كان طفلا، امرأة أو عجوزا.
شعرت بقدماي تتصلبان من شدة الخوف، فبت عاجزة عن الحركة لذا بقيت مختبئة وراء جدار أحد المنازل بينما جسدي كله يرتعش. و لم أقض سوى ثواني معدودات حتى جعلني قلقي حيال مرجانة أتحرك غصبا عني صوب منزل مرجانة خلسة على أمل أن أجد أي شيء يدلني عليها.
وصلت بأعجوبة إلى المنزل بعيدا عن مرأى تلك المخلوقات البشعة ثم فتحت الباب و دخلت بسرعة ثم أقفلتها.
جعلتني رائحة المنزل التي اعتدتها أتذكر الأيام الجميلة التي قضيتها برفقة مرجانة و جميع أهل القرية.
لم أستغرق في أفكاري كثيرا و بدأت بالبحث عن شيئ ما يقودني الى مرجانة، و إذا بي أجد رسالة تحت وسادة نومها:
" لقد أخبرتك ألا تعودي إلى القرية و ها أنا ذا أكتب لك رسالة وداع و كلي يقين بأنك ستعودين ، لذا جمعت ما بقي من قوتي لأكتب لك آخر كلماتي.أعلم بأن رسالتي ستكون طويلة لأن لدي الكثير من الأشياء لأقولها لك، و لكن أولها: عندما تجدين هذه الراسلة أركضي بأقصى سرعة لديك من القرية لأبعد مسافة ممكنة.
هذه الليلة ستتم التضحية بي من أجل الطقس الذي يقام لحماية القرية كل سنة، لكنني متأكدة بأنه لن ينجح لأن الوقت و طريقة اختيار الأضحية غير سليمين، و هذا يعني غضب الجن و إبادتهم للقرية عن بكرة أبيها.
من دون ان تكملي قراءة الرسالة أركضي حالا!! "
بدأت دموعي تتساقط على رسالة مرجانة ثم ضممتها بشدة الى صدري و حاولت الا أصدر صوت بكاء. أثناء ذلك تذكرت محادثة صغيرة كانت قد دارت بيني و بين مرجانة
" أماليا هل تدرين ما فائدة السارية الموجودة وراء المنزل في وسط القرية ؟ " قالت مرجانة و هي تحذق بذهن شارد في السارية الطويلة التي تظهر من خلال النافذة.
" لا، ما فائدتها؟"
" هذه السارية دليل على وجود شعب يعرف دينه لكنه يخالف قواعده."
لم أفهم حينها ماذا كانت تقصده مرجان، لكنني الآن أدركت كل شيء.
توجهت نحو النافذة الخلفية، فإذا بي أرى مشهد قمزيا في ليلة عمرها ألف سنة. جثث متناثرة هنا و هناك غارقة في بحيرات من الدماء .
ماذا لو كانت الجثث مثل النباتات تحيى من جديد بعد موتها عندما تروى بمياه المطر؟
فوق السارية كانت هناك جثة تشير بيدها الى مكان ما. كانت الجثة مغطاة بالكامل من رأسها حتى أخمص قدميها، لكن شعرها الطويل جدا كان بارزا من تحت قدميها... إنه شعر مرجانة!
كان تعرفي على الجثة كالصاعقة ضربت قلبي الذي كلما جمعت حطامه ينكسر ثانية. أشحت نظري عنها بسرعة و ظللت ابكي وحيدة في هياهب الظلمات.
اثناء انتظاري رحيل تلك المخلوقات، بدأت حبيبات الثلج تتساقط ببطء على أوجان الجثث و تأخذ لونها الأحمر و كأنها تمتص آلامها و تحررها من العذاب و الذعر الذي عاشته هذه الكتل الخامدة ، التي قبل دقائق فقط كانت تنبض بالحياة و الأمل.
اشتدت حالة الطقس و هبت عاصفة ثلجية، لكن ذلك لم يمنعني من الإنطلاق نحو الاتجاه الذي أشارت اليه مرجانة في لحظاتها الأخيرة ، غير دارية إلى أين سينتهي بي المطاف.
VOUS LISEZ
الذكريات المحرمة || The Forbidden Memories
Fantasyمن كان يظن يوما أن ظاهرة طبيعية كسقوط النيازك ستؤدي إلى حدوث ظواهر غير طبيعية في عالمنا؟ صرخات من الجحيم، أموات ينادون الأحياء، مخلوقات غريبة تحاول الاستحواذ على الأجسام .... كل هذا و أكثر يعيشه بطلا قصتنا أماليا و آزاد في محاولة منهما لاكتشاف الس...