أشرقت شمس الصباح و أنا لا زلت جالسة وسط ذلك المكان الفسيح، مسحورة بجماله و أناقته.... عندها دخل شاب في العشرينيات من عمره و تحدث معي بإنجليزية جيدة:"عفوا... هل أنت تائهة؟"
_" ليس تماما.... لقد كنت متجهة إلى مكان آخر لكن انقطع سبيلي على مشارف هذه القرية، لذا أتيت إليها أملا في أن أجد من يساعدني."
_" و لقد أتيت إلى المكان الصحيح... تعالي معي سأرشدك إلى منزلي الذي أعيش فيه مع أختي... إنها وحيدة و تشعر بالملل، ستسعد لقدومك حقا."
غمرتني السعادة عندما قال ذلك الشاب ما قاله، أخيرا وجدت من يأويني إلى أن أجد الطريق إلى مدينة الصفر. ثم وقفت منتصبة و تبعت خطاه.
_" أنا وِسام ، عمري 23 سنة. لدي أخت أصغر مني بسنتين اسمها مرجانة ."
_" و أنا اسمي أماليا، عمري 18 سنة.... اعذرني على السؤال لكن هل تجيد أختك الإنجليزية؟"
_" نعم. لقد كنا ندرس الإنجليزية معا في نفس الجامعة لكن بعد موت أبوي، قررت الانقطاع عن الدراسة لأن المال الذي تركاه لنا لم يكن ليكفي تكاليف دراستنا معا، لذا قررت التضحية من أجلي كي أكمل دراستي."
_" يالها من أخت رائعة. "
_" أجل بالطبع، لذلك قطعت عهدا على نفسي بأن أجعلها تعيش في رخاء بعد عملي."
وصلنا إلى بيت وسام، و قد كان ذلك الخط الأسود على باب منزله كذلك، كانت تنبعث منه رائحة قوية و غريبة، لكنني أحببتها نوعا ما. لاحظ وسام حيرتي حياله لذا قال لي:" هذه مادة نسميها بالعسل الأسود، رائحته القوية تطرد الحشرات و الأفاعي لذا نستخدمه كثيرا خاصة في فصل الصيف."
_" هكذا إذن، شكرا لك على المعلومة."
دخلنا المنزل و أرشدني وسام إلى غرفة المعيشة، ثم سمعته يتكلم مع أخته. فجأة أتت أخته تركض نحوي ثم عانقتني بقوة ثم سألتني بالانجليزية:" هل حقا ستمكثين معنا ؟ "
_" أ...أجل."
_" أنا سعيدة بذلك جدا. أرجوك من اليوم اعتبري المنزل منزلك. يمكنك البقاء معنا قدر ما تشائين. "
_" هذا لطف منك... أرجوا أن تعتنوا بي ."
و بعد لحظات دخل علينا وسام و هو يحمل في يده الشاي و التمر. كنت أتضور جوعا لذلك لم أرفض دعوتهم لي للإفطار.
أمضينا النهار بطوله و نحن نتحدث عن أنفسنا و نتبادل أطراف الحديث. و عندما حل المساء، اقترحا علي أن ننام في سطح المنزل كي نستمتع بمنظر السماء الليلي، و لم يكن لي إلا أن أوافق على اقتراحهم الرائع هذا، فلقد كنت متشوقة لرؤية ذلك المنظر البديع مرة أخرى.
كان الجو حارا بالنسبة لفصل الشتاء، لذا استلقيت على الأرض الترابية الباردة. و بينما نحن نشاهد السماء مر نيزك فوقنا فبدأ الأخوان يتمتمان بكلمات لم أستطع فهمها، و عندما انتهيا قالت مرجانة:" نحن نعتقد بأن سقوط النيازك يدل على وجود شياطين في الأرجاء تحاول اختلاس السمع من الملائكة كي تخبر المشعوذين بما سمعته من تنبؤات و علم الغيب، لذا كنا ندعي بأن يحمينا الإله من شرورهمو يبعدهم عن دربي و درب اي شخص آخر. "
_" هذا غريب.. لم أسمع بمعتقد كهذا من قبل."
_" ربما لأنك من بلاد بعيدة جدا لم تصلك معلومة كهذه. لقد اتخذت من النيازك تذكيرا كي أدعي لي و لجميع الناس بأن يسلموامن أعمالالشياطين الخبيثة"
_" هذا رائع حقا، يعجبني كيف تفكرين في مصلحة أناس لا تعرفينهم."
_" تفكير كهذا لا يعتبر مميزا في مجتمعنا، فجميعنا نحب الخير للآخرين قبل أنفسنا(ثم تنهدت) لكن مع الأسف، بدأت هذه القيم بالتلاشي مع الأجيال الجديدة، فصار كل شخص يفضل الفردانية و العزلة و تقييم الذات أكثر من الجماعة... " ساد صمت ثقيل للحظات كسره وسام قائلا:" بالمناسبة، هل تعلمين ما هو ذلك البناء الذي وجدتك به؟"
_" آه لقد تذكرت، كنت أود سؤالك حياله."
_" إن هذا البناء يدعى بالمسجد، و هو مكان للتعبد و الصلاة... يترك بابه مفتوحا ليل نهار و ذلك ليحتمي فيه عابروا السبيل."
_" و من هو ذلك الرجل الذي كان يلبس الأبيض."
_" إنه السيد محمد، إمام المسجد... يمكنك القول بأنه المسؤول عن تدبير شؤون المسجد و عن قيادة الصلاة . لقد وجدك هناك و أخبرني بأن أتكلم معك بما أنني أجيد الإنجليزية"
_" أرجوك بلغه شكري... تبدوا تقاليدكم جميلة جدا."
_" شكرا لك على الإطراء."
في صباح اليوم التالي، استيقظت على لحن صنعه وسام بصفيره أثناء استعداده للذهاب إلى الجامعة، لكن أخته كانت تتحدث معه بنبرة توبيخ.... نزلت الدرج و سألتها:" ما الذي يجري ؟" فأجابت :" لقد كان و سام يصفر، لذلك وبخته."
_" و ما العيب في ذلك؟" قال وسام
_" إن الصفير عادة سيئة، لأن المنازل التي تُحدث هذا الصوت هي فقط المنازل الفارغة و المهجورة، و التي تتسرب الرياح من شبابيكها المتصدئة فيحدث صوت الصفير. لذلك فهذا الصوت فأل سيء على منزلنا."
ثم قال وسام بنبرة ساخرة و هو ينظر إلي: " لا تكترثي لكلام هذه المعتوهة، فرغم محاولتها المجحفة في التخلص من المعتقدات الخرافية السائدة في قريتنا إلا أنها لم تستطع ذلك."
_" هذا ليس صحيح، فأنا أحتفظ بالأعراف التي أثبتت صحتها فقط. ألم تسمع بشأن العائلة التي كانت تسكن في الواحة القريبة منا؟ لقد كان ابنهم معتادا على الصفير ليل نهار، و في إحدى الأيام قتل هذا الابن والديه و انتحر بعدها شنقا."
_" لا تتفوهي بمثل هذه الترهات أمام ضيفتنا.... سيجعلها هذا تشعر بالخوف. أماليا لا تقلقي، لا بد من أن هذا الفتى كان يعاني من اضطراب نفسي دفعه لارتكاب جرم كهذا."
_" عن أي اضطراب تتحدث؟ لقد كان ممسوسا بالجن ، و الإمام بنفسه أخبرنا بذلك و حذرنا منه لأنه قد يرتكب فعلا شنيعا في أية لحظة... و مرت الأيام حتى تحقق كلامه."
_" يا إلهي... يا لك من ثرثارة. لا بد من أن أماليا الآن تشعر بالخوف و تريد الذهاب."
_" لا ليس كذلك.فأنا أعلم بشأن هذه المخلوقات و قد التقيت بهم البارحة فقط."
برزت معالم الدهشة على الأخوين، فسألتني مرجانة: "أين التقيت بهم؟ و كيف حدث ذلك؟" ثم رويت لهما قصتي مع جاد، و قد كان كلامي صادما لهما.
ذهب وسام إلى الجامعة، و هذا يعني غيابه لعدة أسابيع عن المنزل. مر اليوم الأول بسلام و أنا في المنزل مع مرجانة، لكنني في الليل بدأت بسماع أصوات قادمة من الخارج.... لقد كانت الأصوات تشبه الصرخات و الأنين. لم نكن نائمتين على السطح تلك الليلة لأن هذا غير آمن لفتاتين لوحدهما.
اتجهت صوب الباب و فتحتها كي أحدد مصدر هذه الأصوات، و قد كانت قادمة من الواحة القريبة، بالضبط من المنزل الذي تحدثت عنه مرجانة في الصبح. شعرت مرجانة بعدم وجودي من الفراش لذا قامت مهرولة من السرير:" أماليا... أماليا... أين أنت؟"
_" أنا هنا يا مرجانة، بجوار الباب."
ثم تقدمت نحوي و هي تحمل شمعذانا بالكاد ينير ضوءه عتمة المكان، ثم قالت:" ما الذي تفعلينه هنا؟"
_" آ.. في الحقيقة.... لقد شعرت بالعطش و لم أجد ماء في المطبخ، لذا قررت الذهاب إلى الواحة القريبة و جلب بعض الماء."
_" يا إلهي ما الذي كنت ستفعلينه... لقد أخبرت وسام بأنه يجب علينا إخبارك بالحقيقة لكنه رفض ذلك."
_" ما الذي تقصدينه؟"
_" تلك الواحة ملعونة، و لا يجلب أحد منها الماء خاصة في الليل. لأن كل من ذهب إليها ليلا رأى أرواح العائلة التي قتلت هناك."
قلت في نفسي :" لا بد من أنهم الانعكاسات مرة أخرى يرغبون في الاستحواذ على جسد أحد سكان القرية "
_" أرجوك، لا تحاولي الاقتراب من تلك الواحة. هنالك قلة قليلة فقط من يذهبون إليها لجلب الحطب فقط، و هم أناس مختارون بعناية. "
_" حسنا أنا آسفة." ثم مررت يدها فوق رأسي و قالت بحنان :" لا عليك، فهذا ليس خطأك. كان يجب أن نخبرك منذ البداية، و الآن هيا لنطلب بعض الماء من الجيران. "
_" لا هذا ليس ضروريا، أستطيع الصبر حتى الصباح."
_" هل أنت متأكدة، فالجو حار و نحن لا زلنا في بداية الليل. "
_" أجل أنا متأكدة... هيا لنعد إلى النوم، تبدين متعبة. "
_" حسنا كما تريدين. "
كنت أبغط مرجانة التي كانت تبدو مستمتعة بنومها، بينما أنا أعجز عن ذلك بسبب الأصوات الصاخبة القادمة من ذلك المنزل.
VOUS LISEZ
الذكريات المحرمة || The Forbidden Memories
Fantasyمن كان يظن يوما أن ظاهرة طبيعية كسقوط النيازك ستؤدي إلى حدوث ظواهر غير طبيعية في عالمنا؟ صرخات من الجحيم، أموات ينادون الأحياء، مخلوقات غريبة تحاول الاستحواذ على الأجسام .... كل هذا و أكثر يعيشه بطلا قصتنا أماليا و آزاد في محاولة منهما لاكتشاف الس...