الحقيقة المخفية●

26 3 0
                                    

_" اماليا استيقظ، لقد حان وقت المدرسة."
_" ماذا؟ ... أبي؟ ألم تذهب إلى العمل بعد؟" قلت و أنا نصف نائمة
_" لا يا ابنتي، فلقد قررت أن أوقظك اليوم بنفسي لأنني أحمل أخبارا ستسرك جدا."
_" ها؟ ماذا هناك؟"
_" لقد وافقت أمك على اتخاذ آزاد صديقا لك.."
_" هل هذا صحيح.....؟ " صحت من شدة المفاجئة و قد اقشعر بدني، لم أستطع تصديق ما سمعته أذناي. ثم دخلت أمي الغرفة و قالت:" أجل يا ابنتي... لقد رأيت بأن آزاد شخص جيد، و لن يسبب لك الأذى، لذا لا ضرر في أن يصير صديقك. "
_" هيا، انهض الآن و اذهب إلى الجامعة."
حاضر يا أبي، شكرا جزيلا لك." ثم قبلت أبي و أمي و ذهبت لتجهيز نفسي.
   ظللت أنتظر آزاد في مدخل الجامغة لى أن قدم " ما بك تأخرت كثيرا اليوم؟... آه عفوا صباح الخير. لدي أخبار رائعة، لقد وافقت أمي على اقتراح إبي. و هي الآن لا تمانع بأن تصير صديقي.. " كانت البهجة واضحة جدا علي حتى أنني كنت أتحدث بصوت مرتفع، و عندما شعرت بذلك أصبت بالإحراج .
أجابني آزاد :" هذا رائع حقا، أنا سعيد بذلك جدا..."
_" آزاد؟ ألا تبدو متعبا؟ هل صار شيء ما ؟"
_" لا عليك.... هيا لنذهب الآن كي لا نتأخر. سوف أخبرك عندما نلتقي في استراحة الغذاء."
ذهب كل منا إلى صفه. و بعد انتهاء الدوام، التقينا في المكتبة كالعادة، فأخبرته عن الفتاة الطيف و عن سبب طعن أمي لي، لكن على غير عادته، بدى آزاد مضطربا بعض الشيء.
_" أنت لست على طبيعتك! تبدو مرهقا جدا حتى أن عينيك صارتا حمراوتين و أجفانك سوداء. "
_" في الحقيقة.... صوت أختي يمنعني من النوم، ففي كل ليلة يناديني، و يذكرني بتلك الحادثة البشعة. لماذا يحدث هذا بعد أن كنت قد بدأت أتعود على الأمر؟"
_" هكذا إذا... أظن بأن للعالم الموازي علاقة بالنيزك الذي سقط، و للموتى علاقة بالعالم الموازي، فكل الظواهر الغريبة بدأت بعد سقوط النيزك، ومن بينها سماع أمي لنداء جدتي.."
_" ناهيك عن تغير تصرفات أمك و تعاملها السيء بعد ذلك."
_" تماما... آمم مارأيك أن ننهي حديثنا اليوم. فأنت متعب جدا و الحديث عن هذا الموضوع سيستنزف طاقة أكثر."
_" آسف... "
_" انظروا من يتأسف الآن على شيء لا يجب أن يتأسف عليه." ثم ابتسمنا ابتسامة خفيفة و افترقنا بعد ذلك لنعود إلى الصف. و لم نلتق بعد ذلك حتى في طريقنا إلى المنزل.
دخلت المنزل و السعادة تغمرني ، ثم تسارعت نحو أمي كي أخبرها عن ردة فعل آزاد لكن ما شاهدته أثار الرعب في قلبي. لقد كانت أمي تحمل عصى طويلة من الحديد، و طرفها قد صار أحمرا كالجمر بسبب تعرضه الطويل لدرجة حرارة مرتفعة" أمي؟ ما الذي ستفعلينه بتلك العصى."
_" أليس هذا واضحا" ثم ضحكت ضحكة السخرية " سأضربك بها طبعا "
_" لكن لماذا؟ لم أفعل شيئا يستح...."
_" اصمت، أيتها الوغدة. لقد ضقت ذرعا منك. أجبرتني على القبول بآزاد كصديق لك و ذلك فقط كي لا يشك أبوك في أمري. إلى متى ستجبرينني على قول كلام لا أريد قوله؟ لقد كنا نعيش في راحة تامة قبل ولادتك. كل المشاكل التي عانينا منها كانت بسببك. أتمنى فقط لو أنك لم تولد." ثم أبرحتني ضربا بالعصى فوق ضهري و في جميع أنحاء جسدي حتى بلغت حدي من الصمود فوقعت على الأرض، كانت قواي قد خارت فلم أستطع الدفاع عن نفسي لذا ظلت أمي تضربني مرارا و تكرارا دون توقف. فجأة فتح أبي الباب، و دهش مما رآه أمامه. لم يتخيل يوما بأن زوجته ستقوم بشء كهذا على الإطلاق.
_" ساجي؟ لقد عدت بسرعة... دعني أشرح لك..." قالت أمي و هي في قمة الارتباك
_" ماذا ستشرحين لي... لقد كنت على وشك قتل أماليا بالضرب. انظري إلى جسدها، لقد صار مليئا بالجروح. " جر أبي أمي و أقفل عليها باب غرفة المعيشة، ثم نادى شرطي المراقبة الليلية لإيقافها. في ذلك الحين كنت نصف واعية بما يجري حولي فشعرت بأبي يحملني إلى سيارته متجها نحو المشفى.
   حالما وصلت إلى المشفى كنت قد فقدت الوعي تماما ليوم كامل كما قالت لي الممرضة فيما بعد.
عندما استيقظت و جدت والدي بجانبي:" أهلا بعودتك سالمة يا ابنتي... هل تشعرين بأي ألم؟ ... هل تريدين أن أنادي الممرضة؟"
_" لا داعي لذلك. فأنا بخير."
_" هكذا إذن. حمدا لله.... أنا آسف لأنني لم أدرك ذلك من قبل. عندما فحصك الطبيب، و جد آثار تعنيف تعود إلى تسع سنوات.. كما أن يدك كانت على وشك أن تشل بسبب السكين... أشعر بالخزي لكوني أبا مهملا.. لا أدري كيف لم أكتشف سلوك أمك العنيف تجاهك الذي دام لتسع سنوات ؟" ثم بدأ أبي بالبكاء و كانت دموعه تتساقط على حضني.
_" هذا ليس خطأك يا أبي... فمن سيخطر على باله بأن زوجته تعنف ابنته أثناء تواجده في العمل... و فوق ذلك كنا نمثل أمامك دور الأم الحنونة و ابنتها المطيعة."
_" لماذا لم تخبريني بذلك من قبل؟"
_" لأنني كنت مقتنعة بأن ما تفعله أمي يصب في مصلحتي... لكن ذلك تغير عندما التقيت بآزاد، لقد فتح عيني على الحقيقة، و صرت قادرة على إدراك ما ينفعني و ما يضرني. و رغم ذلك لم أرد تخريب العلاقة بينكما، لذا ظللت صامتة و متحملة الألم الذي يكاد يقطع أطرافي حتى بعد وعيي بالحقيقة." ضحك أبي ضحكة خفيفة و قال:" هذا المتوقع من ابنتي... فمنذ أن كنت طفلة كنت تضحين بسعادتك من أجل سعادة والديك، و كنت تخفين شعورك بالخوف و الوحدة عندما كنا نتركك في المنزل من أجل العمل كي لا نقلق عليك. لقد كنت قادرا على ملاحظة كل هذا، لكنني كنت أتظاهر بأن كل شيء على ما يرام."
_" بالمناسبة يا أبي، لماذا عدت باكرا البارحة؟ و أين أمي الآن؟"
_" هناك شيء مهم يجب أن تعرفيه، لكن الطبيب أخبرني بأن دماغك يحتاج للراحة لأنه تلقى صدمة عنيفة نجوت منها بأعجوبة ،لذا سأخبرك في وقت لاحق إلى أن تتعافي. أما أمك.... أظن بأنك كنت واعية بعض الشيء عندما دخل الشرطي؟"
_" أجل."
_"تماما، إنها رهن الاعتقال الآن، و قد بدأ التحقيق في أمرها. أظن بأنها ستحاكم بالسجن قريبا لأن جميع الأدوات التي عذبتك بها قد وجدت مخبأة في العلية ."
_" هكذا إذن... يالها من نهاية سيئة لأسرتنا. من كان يقول بأن عائلة سعيدة مثل عائلتنا ستتفرق يوما ما؟"
_" أسرتنا لم تكن سعيدة يوما، لقد كانت سعادة زائفة لأنك كنت تعانين في صمت، ليست هنالك أسرة ناجحة تستمد سعادتها من تعاسة فرد منها.... ( شعرت بمحاولة أبي في تغيير الموضوع كي لا يجرحني أكثر) بالمناسبة، لقد اتصل بك آزاد، وبما أنك كنت فاقدة للوعي أجبته. فاخبرني بأنه لن يكون قادرا على الالتقاء بك أو الحديث معك لمدة من الزمن لأنه مصاب بزكام حاد ، لذا أحب أن يعلمك كي لا تقلق عليه." ثم وردت مكالمة مفاجئة لهاتف أبي" إذن يا ابنتي، يجب أن أذهب الآن إلى مخفر الشرطة، اعتن بنفسك ." ثم ذهب و تركني وحدي هناك.
    أحسست بالوحدة و الفراغ بداخلي تلك اللحظة...أمي اعتقلت، أبي ذهب لمقاضاتها ، و آزاد مريض..ليس هنالك شخص أروي له كربي و ضيق صدري في اللحظة التي كنت في أمسّ الحاجة لشخص ما كي يساندني و يمسك بيدي ثم يخبرني بأن كل شيء سيكون على ما يرام. اختفى جميع من أحببت و كأنهم لم يتواجدوا بحياتي قط.

   أطللت من نافذة الغرفة لألمح أضواء المدينة تمتد إلى حد بصري و فكرت كم أنه من الغريب عدد الناس الهائل الذي يعيش في هذه الحياة، حيث لكل شخص قصته و لكل شخص نهايته، لكن في الأخير نظل جميعا نشترك في كوننا بشرا نسعى نحو الحصول على السعادة... أن نستمتع بأقصى قدر ممكن في حياتنا قبل أن نموت. هذا غريب جدا، فنفس هؤلاء البشر الذين يبحثون بشغف عن السعادة، يموتون قبل تحقيقها لأسباب تافهة كالطمع في المزيد و الحسرة على الماضي و عدم الاعتراف بالذات، بينما الناس اللذين لا يهتمون بها يعيشون في سعادة دائمة...

الذكريات المحرمة || The Forbidden Memories Où les histoires vivent. Découvrez maintenant