سأنقذك●

32 3 0
                                    

    استيقظت  بعد مدة طويلة من النوم فلم أعلم ما إذا كان الوقت ليلا أم نهارا لأن الظلمة كانت تخيم على المنزل. ذهبت إلى الثلاجة ثم أخذت تفاحة و أكلتها، و عدت للجلوس في مكاني. لم تكن لي نية في زيارة آزاد لأنني لم أرد أن يراني على تلك الحال لذا قررت أن أكمل قراءة كتاب القصص، و كانت القصة التالية تحمل عنوان " أمام باب الضفة الأخرى" .
   فجأة ظهر طيف الفتاة من العدم ثانية " ها ها ها... انظري إلى نفسك أنت مثيرة للشفقة. حتى أنا التي تكره البشر قد أثرت شفقتي."
رميت الكتاب على الأرض من شدة الفزع ثم استجمعت جأشي و نظرت إلى عيني الطيف  " لماذا تكرهين البشر فكل ما تقومين به هو المراقبة فقط و لا تجمعك أية صلة بهم، فلماذا تكونت لك ضغينة ضدهم؟"
_" بالطبع لن أخبرك من دون مقابل. "
_" ما المقابل الذي تريدينه؟"
_" الثقة ."
_"الثقة؟"
_" كما سمعت... أريد أن أحوز ثقتك الكاملة."
_" و كيف ستفعلين ذلك؟"
_" أظن أن القرار عائد إليك."
فكرت مليا فيما قالت مع قرارة نفسي " هناك الكثير من الأسئلة التي أجهلها عن هذه الظواهر، و لا أملك أي مصدر للمعلومات غير هاته الفتاة ، لا بد أن أمنحها ثقتي لكن بشرط أن تجيبني عن الأسئلة التي سأطرحها.  ثم قلت لها:" أنا موافقة على منحك ثقتي لكن بشرط... يجب عليك أولا إجابتي عن بعض الأسئلة."
_" قبلت شرطك لكن لن أجيبك عن جميع أسئلتك فأنت فتاة ثرثارة و لن تتوقفي عن طرح المزيد و المزيد من الأسئلة ، لذا سأجيبك عن ثلاث فقط عليك أن تختاريها بدقة."
_" حسنا قبلت شرطك.. إذن سؤالي الأول هو... لماذا تكرهين البشر ؟"
_" انت غبية جدا لتضييع سؤالا كاملا على أمر كهذا. على كل حال سأخبرك. منذ اليوم الذي وُجِدتِ فيه كنت أراقب كل تصرفاتك و الحياة المحيطة بك. لم أكن أدري كيف هي حياة الآخرين رغم ذلك لم يصعب علي إدراك بأن حياتك كانت بائسة أكثر من أي شخص آخر. أمك التي تمثل أمام أبيك ، أبوك الذي كان يمضي وقته في العمل أكثر من وقته مع أسرته، أنت التي اقتنعت بمبادئ أمها و لم تحاول المقاومة... كل تلك الأشياء جعلتني أستشيط غضبا . كل من كان في المدرسة يسخرون من طبيعتك الانطوائية...( صمتت قليلا ثم أكملت كلامها) بالإضافة إلى الأبحاث التي كنت تقرئين عنها و الظواهر التي صارت تحدث بعد سقوط النيزك، كلها كانت أقاويل و ادعاءات و إشاعات تنشرها الحكومة كي تقنع الملأ بأن الوضع تحت السيطرة... كل يوم كان يعيد نفسه لمدة 18 سنة، و قد كانت مدة كافية جدا لأكره البشر خلالها. هذا كل شيء "
_" ما الهدف وراء وجودكم؟"
_" أسفة لا يمكنني الإجابة."
_" ما الذي كنت تقصدينه عندما قلت بأنني المختارة؟"
_" هذا أيضا لا يمكنني الإجابة عنه ."
_" م..ماذا مهلا، لم تجيبي إلا على سؤال واحد. هذا ليس عدلا."
_" لا يهمني، فأنت لم تضعي شرطا بأن أجيبك عن جميع الأسئلة مهما كانت. الآن سوف أطلب منك ما أريده، و يجب عليك تنفيذه حسب الاتفاق."
_" ما الذي تعنيه بكلامك ؟"
_" الثقة بين الشخص و انعكاسه هي كلمة سر تجعل الشخص ينفذ كل ما يأمره به انعكاسه.
_" ماذا ؟ لكنك لم تخبريني بذلك."
_" هذا ليس من شأني، فتفعيل هذه الاتفاق لا يحتاج معرفتك بتفاصيله "
   ابتسمت الفتاة ابتسامة مخيفة جدا، و أظهرت تعابير موحشة و مخادعة على وجهها ثم اقتربت مني و قيدتني بشعرها. ثم قالت:" فلنستبدل الأماكن الآن . أنا سأعيش في جسدك كل ما تبقى من عمرك، و أنت ستعيشين في العالم الموازي إلى الأبد. هيا قولي بأنك موافقة."
كان فمي يحاول التحرك من تلقاء نفسه لنطق كلمة " موافقة" لكنني منعته من ذلك بصعوبة كبيرة. و فجأة بدأت صفحات الكتاب بالانقلاب من تلقاء نفسها مما لفت انتباهي.و عندما نظرت إلى الكتاب وقعت عيناي على جملة تقول " عندما يجبروك على الموافقة يجب أن تثبت و ألا تخاف أبدا ثم قل : أيتها الأرض الشاسعة، أيتها الارواح المقدسة القادمة من السماء، أعيدي هذا الكيان إلى حيث أتى ليثبت كل بعالمه." و ما كان لي  إلا تنفيذ ما جاء في الكتاب على أمل أن أنفذ بجلدي، ثم تلفظت بتلك الكلمات بسرعة و بصوت عال من شدة الخوف :" أيتها الأرض الشاسعة، أيتها الارواح المقدسة القادمة من السماء، أعيدي هذا الكيان إلى حيث أتى ليثبت كل بعالمه."
ثم قالت الفتاة: "اللعنة عليك أيتها البغيضة! ما الذي قلته؟ من أخبرك بهذه التعويذة. أنا أكرهك" ثم تغيرت نبرة الفتاة فجأة من الغضب إلى الحزن :" كل ما كنت أفكر فيه هو أنه ليس من العدل أن تتمتعي بحياة طبيعية بينما أعيش في ذلك القفص المظلم. ما الذي يميزك عني كي أنتظرك هناك طوال حياتي لأرشدك إلى طريقك نحو الضفة الأخرى"
_استغربت  من كلامها فسألتها :" ما الذي تعنينه بكلامك؟" لكن الفتاة كانت غارقة في حزنها و لم تسمع سؤالي ثم أكملت : "أنا أكره البشر و لا أرى فائدة من عيشهم." ثم اختفت الفتاة.
   شعرت ببعض التعاطف نحو الفتاة، فربما لو كنت مكانها لقمت بنفس الشيء : " كل منا وجد في هذا العالم بمهمة محددة، و اظن أن مهمتك هي إرشادي بعد الموت..... طمعك في أخذ مكاني هو ما جعلك تعيسة.... كما أن حياتنا ليست بتلك السهولة التي تبدو عليها في العالم الآخر، بالطبع لن تشعري بصعوبتها بما أنها تعرض أمامك في العالم الموازي كما تعرض الأفلام في السينيما، لكنها شاقة جدا ... " 
  اتجهت عيناي صوب كتاب القصص الملقى على الأرض ، ثم حملته بكل عناية و ضممته إلى صدري، ثم اتكأت على الحائط و تمتمت:" شكرا لك أيها الكتاب، لقد أنقذتني من هلاك وشيك..... ( انهارت دمعة من عيني ثم انبطحت على الارض) أعلم أنك يا جدتي من قلب صفحات الكتاب كي تنقذيني.... شكرا جزيلا لك ، فأنت ما فتأت تحمينني حتى بعد موتك، أحبك كثيرا."و ظللت معانقة الكتاب لمدة طويلة، حتى غفوت و هو بين ذراعي، ثم هلعت مستيقظة:" يا إلهي يبدو اني غفوت.....  أتساءل كيف أصبح آزاد الآن " نظرت إلى وجهي في زجاجة الهاتف وقلت:" لا زال وجهي منتفخا بالبكاء، لن أكون قادرة على زيارته هكذا." أخذت بتفحص الأوراق و المستندات التي تركها لي أبي، شعرت بالاختبار عندما رأيت كيف أن أبي فكر في حتى  في لحظاته الأخير. فجأة لمحت عيناي قطعة ورق صغير أثارت اهتمامي فبدأت بقراءتها:" ابنتي أنا الآن أموت... أمك من قتلتني لكن هذا ليس ذنبها لأنه تم السيطرة عليها بواسطة الظواهر الغريبة ، لقد استحوذا على جسدها" توقفت عن القراءة و قلت :" كنت متأكدة بأن تغير أمي كان رهينا بذلك النيزك الذي سقط، أتمنى ألا تكون تعاني بسبب هذا" ثم أتممت :" هنالك الكثير من الأسرار التي لم نخبرك بها، أنا آسف لذلك. أنا متأكد بأنك قادرة على اكتشافها بنفسك، لكن هنالك حقيقة سجب أن تعرفيها مهما كان الثمن، وهي أن آزاد أخوكِ."
  لم أصدق ما قرأته، كيف ذلك؟ آزاد أخي؟ ما الذي يجري هنا؟ شعرت بالدوار و بدأ قلبي يخفق بسرعة، ثم انطلقت من المنزل جريا نحو منزل آزاد.
*وجهة نظر خارجية*
كان آزاد مستلقيا على سريره معيدا محاولاته البائسة في النوم، فصوت أخته الذي يناديه ما لبث يزعجه و يمنعه من الاسترخاء، ثم قال و هو ينهض مسرعا من سريره راكضا نحو الباب الخلفي للحديقة:" يستحيل أن أنام في ظل هذه الفوضى في رأسي، يجب أن أذهب و أعرف مصدر الصوت الذي ينادي مهما كلف الثمن." ثم استمر في الركض إلى أن وصل إلى الكوخ الذي ماتت فيه أخته، ليتفاجئ بها جالسة على سطحه :" أختي!؟ " ابتسم آزاد :" هذه انت أليس كذلك ؟لقد كنت أعلم بأنك لازلت حية.... "
_" أهلا يا أخي، لماذا استغرقت كل هذا الوقت للاستاجبة إلى ندائي؟ ....... لا أنا لست حية، أنا ميتة بالفعل.... لن أسامحك لأنك تركتني أموت "
_" لماذا؟؟ كيف حدث هذا؟!.... ( ارتبك آزاد و تكمشت ملامحه) أنا آسف جدا يا أختي... لم أكن أنوي تركك تموتين . هل هناك طريقة كي تصفحي عني ؟"
_" أذا كنت تريدني أن أصفح عنك فلدي اقتراح بسيط ، إذا قمت به سأسامحك. "
_" أجل بالطبع ما هو ؟"
_" أن نتبادل الأماكن...."
وصلت أماليا إلى منزل آزاد و دقت الباب ففتحتها أمه ثم قالت :" أماليا ... ما الذي جاء بك في الثامنة ليلا؟"
_" أهلا يا سيدتي! أرجوك أريد أن أرى آزاد حالا لأمر طارئ"
بدت أم آزاد متوترة، لكنها أرشدت أماليا إلى غرفة آزاد محاولة إخفاء توترها، لكن ما كان صادما بالنسبة لهما، هو عدم تواجد آزاد في سريره. ذهبت الأم مسرعة لإخبار زوجها، لكن أماليا تذكرت حديث آزاد عن أخته و عن صوتها الذي يسمع، لذا ركضت باتجاه الجبل. ظلت تركض على أمل أن تلحق آزاد لمساعدته قبل فوات الأوان، و عندما وصلت وجدت آزاد يقول "نعم" كموافقة على اقتراح أخته ليسامحها، ثم فتحت بوابة من النور لتمتص روح آزاد و يصبح جسده فارغا و جاهزا لاستضافة روح أخته التي لم تكن في الحقيقة سوى انعكاس لها. لكن أماليا نطقت بالتعويذة المقدسة لإيقاف عملية امتصاص روح آزاد:"أيتها الأرض الشاسعة، أيتها الارواح المقدسة القادمة من السماء، أعيدي هذا الكيان إلى حيث أتى ليثبت كل بعالمه" و أغلقت البوابة حالا، لكن نصف روح آزاد كان قد امتص بالفعل، و لم يعد قادرا على الحركة او التكلم فكل ما بقي من روحه يعمل على تحريك قلبه فقط. قالت أخت آزاد :" من أنت أيتها الخرقاء؟ لقد افسدت خطتي. سوف انتقم منك شر انتقام ... " ثم قالت أماليا و الغضب يستشيط من عينيها:" أغرب الآن عن وجهي و إلا استخدمت التعويذة ضدك ، انا أعلم بأنك لست روح أخت آزاد بل أنت انعكسها و تريدين التحول إلى مستحوذة، استغللت الفجوة التي خلقتها مشاعر الندم لديه للتسلل إلى عالمنا و الاستحواذ على جسده.... و الآن هيا انقلعي ." تفاجأت الإنعكاس بكم المعلومات الذي تعرفه أماليا ثم اختفت حالا خوفا من أن تكون الهدف التالي بتعويذتها.

الذكريات المحرمة || The Forbidden Memories Où les histoires vivent. Découvrez maintenant