_" أريحي بالك يا ريمان، فمناظر بلادنا الجميلة ستنسيك أمر هذه القضية"
_" هل ناديتني للتو بريمان؟" تفاجأت من مناداته لي بخذا الاسم، فلا أحد يدري عنه، كيف استطاع معرفة ذلك؟ لم أخبر أي أحد باسمي الحقيقي حتى أخي آزاد ، لأن أبوي و لسبب ما، كانا متحفظين جدا على هذا الإسم حتى أنهما غيراه في جميع الوثائق و المستندات.
_"آآآه آسف... كل ما في.. الأمر هو... أن لي ابنت اخت تشبهك كثيرا و في نفس عمرك اسمها ريمان، لذا أخطأت و ناديتك باسمها... يبدو أنني اشتقت إليها كثيرا ، فأنا لم أرها منذ سنة و نصف. "
_" حسنا لا عليك فأخطاء مثل هذه الأخطاء عادة ما تقع."
_" آسف لإزعاجك .علي الآن الذهاب لإرشاد باقي السياح إلى العربات التي يجب أن يصعدوا إليها"
انصرف جاد كلمح البصر ، و إذا بأسراب من الناس حلت فجأة على العربات، كنت أراقب جاد من النافذة و كان يبدو مشغولا جدا بإرشاد كل هؤلاء الناس، لكن ما لفت انتباهي حقا، هو ملابسهم الغريبة، كانت جميعها تشبه زي الفتاة الطيف ، طويلة تصل إلى أخمص القدمين، لها قب تتدلى منه سلسلة قصيرة من اللؤلؤ. كان الرجال يرتدون قبعات حمراء و النساء أثوابا تغطي شعرهن إما بشكل كامل أو جزئي.
و أخيرا أتى جاد إلى الحافلة التي أستقلها و بصحبته عدد هائل من الناس، صعدوا الواحد تلو الآخر و جلسوا في مقاعدهم كما لو أنهم آلات مبرمجة. سألت جاد عن قصة لباسهم فقال لي :" إن هذا هو لباسنا التقليدي اسمه الجلباب. "
_" و لماذا يرتدي الجميع لباسكم التقليدي ؟"
_" لا أدري ربما قد أعجبهم لذا قرروا لبسه. "
لم يبد لي جواب جاد مقنعا لكنني لم أعر الأمر اهتماما.... انطلقت الحافلة و لا زال الصمت القاتل يعم المكان، لكن حالما شغل جاد موسيقى أخبرني بأنها لطائفة مغربية تدعى "غناوة" ، حتى بدأ جميع من في الحافلة بالرقص و القيام بحركات غريبة جدا . كانت النساء تتمايلن بشعورهن صعودا و نزولا، و كان الرجال يهزون أكتافهم على إقاع واحد... شعرت بالرعب و الدهشة في آن واحد من غرابة ما يحدث، لقد كانت حركاتهم منسجمة و كأنهم فرقة تمرنت على التناغم و الإيقاع .
ظللت أراقبهم حتى شعرت بالدوار بسبب حركاتهم السريعة و العنيفة، و إذا بي ألمح أقدامهم عندما نظرت للأسف كي أتمالك نفسي... لم تكن أقدامهم أقداما بشرية، بل كانت عبارة عن قوائم ذات حوافر كالأحصنة،
لم أستطع ملاحظة ذلك من قبل لأن ملابسهم طويلة جدا.
نظرت إلى أقدام جاد لكنها كانت عادية فشعرت بالأمان، ثم نظرت إلى وجهه الذي لا يبرز أية ملامح على الإطلاق، ثم نظر إلي عبر المرآة الأمامية و ابتسم في ابتسامة خفيفة و أومأ برأسه ليطمئنني.
سرنا على الطريق لمدة أربع ساعات على ألحان الموسيقى و الرقصات الغريبة، و إذا بضوء قرية بدأ يلوح لنا في الأفق. توقف جاد بالحافلة و طلب مني النزول ثم قال بنبرة تملأها الجدية و نحن في الخارج:" اسمعيني جيدا يا أماليا، لقد اكتشفت بأن هؤلاء الناس ليسوا بشرا عاديين بل هم جن ."
_" ماذا، ما الذي تقصده بالجن ."
_" ليس هنالك وقت للشرح.. عندما اكتشفت ذلك شغلت الموسيقى كي لا يشعروا بالملل و يهاجمونا..... أنا آسف لك يجب علي أن أتركك هنا، اذهبي إلى تلك القرية التي يظهر ضوءها في الأفق و أنا سأتكلف بإعادتهم إلى مكانهم."
_" لكن..."
_" أنا آسف فعلا لكني أفضل تركك وحيدة في الصحراء على أن تبقي برفقة هذه المخلوقات الشريرة. لقد كنت أنتظر بفارغ الصبر إيجاد قرية قريبة لأتركك فيها. اذهبي إلى هناك أنا متأكد بأنهم سيرحبون بك... لا تقلقي سأعود إليك قريبا كي آخذك إلى المكان الذي تريدين الذهاب إليه." فألقى ابتسامة أخيرة مع آخر كلماته و صعد العربه ثم انطلق بسرعة البرق، و سرعان ما اختفت خلف الكثبان الرملية التي تلمع تحت نجوم السماء.
كان الخوف يعتريني لكن سماء الليل الباهية أدخلت على قلبي السكينة. لقد كانت السماء تلك الليلة رائعة كما لو لم أرها من قبل، كان القمر بدرا شديد الضياء، و النجوم تلمع كقناديل وهاجة. لم تكن هناك غيوم لتحجب جمالها و أناقتها، كما و انعكس الضوء على الرمال الذهبية حتى بدت الأرض كما لو أنها مفروشة باللؤلؤ و المرجان. مشيت بخطوات ثقيلة جدا كي أستمتع بهذا المنظر البهي قدر المستطاع. استلقيت فوق الرمال و تخيلت نفسي رفقة أبوي و آزاد نشاهد معا هذا المشهد البديع، و أسهبت في تخيلاتي إلى أن غلبني النعاس. عندما استيقظت و جدتني أذرف الدموع. كان الوقت لا زال ليلا فأكملت مسيرتي نحو القرية حتى شارفت على الوصول إليها .
كانت القرية شبه ميتة، لا صوت و لا حركة في أي مكان عدى المصابيح الزيتية المعلقة أمام كل باب، و رائحة غريبة تعبق في الأرجاء أظنها قادمة من مادة سوداء رسم بها خط أمام باب كل بيت دون استثناء.
لم أجرئ على طرق أي باب لكنني وجدت بناية كبيرة بعض الشيء، لها قبة خضراء، و ترتفع منها بناية أخرى بطول خمسة أمتار تقريبا مليئة بالنوافذ المرتبة الواحدة فوق الأخرى، و في طرفها العلوي هلال نحاسي. كانت الباب ضخمة و مصنوعة من الخشب، يتوسطها قوس مليء بالزخارف. كانت الباب مفتوحة لذا دخلت محاولة إيجاد مأوى لي الليلة، و إذا بي أندهش بفساحة و بهاء ذلك المكان. لقد كان عبارة عن قاعة واسعة لا تحمل أثاثا عدى الزرابي الحمراء التي غطت الأرض بأكملها، و كرسي خشبي ارتفع بأربع درجات عن الأرض. ناهيك عن السقف العالي الذي نقشت فيه كل أنملة بزخارف من الجبص الأبيض اللامع، و ثريات نحاسية ضخمة تتذلى منه حاملة مئات الشموع البيضاء. كان المكان يبدو مقدسا جدا و ذو أهمية لأصحاب القرية نظرا لبروزه و جمال عمرانه عكس البيوت الطينية البسيطة التي تملأ المكان. استلقيت على الأرض و حاولت النوم آملة ألا أغضب أهل القرية بسبب اقتحامي لمكان مقدس كهذا.
بالكاد استطعت النوم تلك الليلة بسبب قساوة الأرض، لكن سرعان ما أيقظني صوت مرتفع جدا طال لمدة خمسة دقائق تقريبا، لم أدري ما الذي كان يجري هناك، هل هذا إنذار على فاجعة ستحدث؟ لكن الصوت كان يبدو هادئا و رزينا بعث الأمان في قلبي حتى رغم عدم مقدرتي على فهم كلماته. و بعد أن توضحت رؤيتي بعض الشيء، ،رأيت ظل رجل ذو لحية طويلة و لباس أبيض ناصع ينزل من درج البناية العالية و يتجه إلى وسط القاعة بالأمام، و إذا بهم الرجال يشرعون في دخول المكان الواحد تلو الآخر و الاصطفاف جنبا إلى جنب دون الالتفات إلي، شككت لوهلة عن كوني قد أصبحت غير مرئية. و في ظل هذا الحدث الغريب لم يسعني سوى التنحي جانبا و ترك الرجال يمرون.
و بعد اصطفافهم، بدؤوا جميعا بالصعود و النزول في رتم واحد و كان الرجل ذو الجلباب الأبيض يترأسهم و ينطق كلاما بلحن ديني بصوت مرتفع جدا. كان تناغمهم رائعا جدا، فكرت في أنه قد أخذ منهم هذا وقتا ليتدربوا عليه.
و بعد انتهائهم، خرجوا ثانية مصطفين إلا الرجل ذو اللباس الأبيض، تقدم نحوي مباشرة و عيناه لا تفارقان الأرض، ثم بدأ التحدث بلغة لم أستطع فهمها. أظن بأنه قد أدرك بأنني أجنبية لذا استخدم إشارات تدل على أنه يمكني النوم هناك ثم رحل.
من شدة غرابة ما حدث أمامي لم أستطع النوم مجددا، و إذا هي بخيوط شمس الصباح تتسلل ببطء عبر النوافذ الخشبية المنقوشة، زاد ضوءها من جمالية المكان، فاتضحت زخرفاته بشكل أفضل و برزت التفاصيل الدقيقة التي كست أسواره.
VOUS LISEZ
الذكريات المحرمة || The Forbidden Memories
Fantasyمن كان يظن يوما أن ظاهرة طبيعية كسقوط النيازك ستؤدي إلى حدوث ظواهر غير طبيعية في عالمنا؟ صرخات من الجحيم، أموات ينادون الأحياء، مخلوقات غريبة تحاول الاستحواذ على الأجسام .... كل هذا و أكثر يعيشه بطلا قصتنا أماليا و آزاد في محاولة منهما لاكتشاف الس...