نقطة الهندباء●

10 0 0
                                    

فتحت عيني بعد مدة ما من الزمن، و الليل و العاصفة ما زالا مخيمين كالعادة.
لم تكن لدي فكرة عن كيف سأتنقل، أو حتى الاتجاه الذي سأسلك، فالخريطة لم تكن تعرض اي اشارة لتحديد الاتجاهات الأربع.
فجأة تذكرت البوصلة التي اعطاني اياها الجد. اخذتها من الامتعة بسرعة ثم وضعتها على الخريطة المصغرة. و بذلك استطعت أن احدد الشمال المغناطيسي الذي يتطابق مع الشرق الجغرافي، و منه حددت الغرب، الشمال و الجنوب . لكن مهلا، أليس علي أن أحل الجزء الأخير من الأحجية قبل أن أنطلق؟ لاسيما انه يبدو ذو علاقة وطيدة مع الاتجاهات.
" هممم...في سماء الليل يظهر نجم الشمال الذي استدل به البحارة إلى ديارهم، لكنه سيكون كاذبا هذه المرة لأن الشرق غرب ، و الغرب شرق. الا يعني هذا بأن علي أن أعكس اتجاهات الخريطة، مثلما قال الجد تماما. فإذا ما أشرقت الشمس من الغرب، سيصير الشرق غربا، و الغرب شرقا، و الشمال جنوبا، و الجنوب شمالا." أخذت قلم الحبر في يدي و رسمت على الخريطة المصغرة زهرة الرياح باتجاهاتها الأربع المعكوسة كما وصلت اليه بتحليلي.
حالما انتهيت من رسم زهرة الرياح، و وسط العتمة التي لا يصل اليها ضوء الشمعة التي كنت استنير بها، ظهرت نقطة بيضاء كزهور الهندباء تشع بنور خافت جدا، ثم بدأت بالدنو نحوي شيئا فشيئا" كما هو متوقع من المختارة. حللت احجية قاعة العبور دون استعمال الكتاب الذهبي، و الآن انتهيت من حل احجية بلاد الصفر ."
هل تحدثت الهندباء المشعة للتو؟ " من أنت؟"
" أنا روح جدتك الكبرى، صاحبة المنزل الذي تحتمين داخله من العاصفة الثلجية الآن."
ما الذي أسمعه؟ جدتي الكبرى؟ حقا ؟
" لقد كنت اراقبك طوال هذه المدة منذ البداية. لقد ختم الجن روحي في هذا المنزل كي أدلك على الطريق الى متاهة قارا لأنني الوحيدة في عائلة الديجور التي تدري موقعه ،و لن أستطيع الذهاب الى العالم الآخر الا بعد ان اوجهك الى هناك. لكن لأكون صريحة معك، اشعر بالسعادة لاستطاعتي الالتقاء بأحد احفادي، و بالفخر لأنك فتاة ذكية و حازمة. لذا أود لو نجري محادثة بسيطة عن تاريخ هذا المنزل قبل أن ننطلق في رحلتنا. "
" يشرفني ذلك ايتها الجدة الكبرى ."
قهقهت روح الجدة عدة قهقهات خافتة ثم بدأت بالحديث :" ... لكن يقال بأن عائلة واحدة فقط من هذه الأرض التي يرجع لها الفضل في الحفاظ على توازن عالمنا بطريقة ما ، و لم يعرف عنهم شيء غير هذه المقولة التي يرثونها جيلا بعد جيل.
" ...عندما يجبروك على الموافقة يجب أن تثبت و ألا تخاف أبدا ثم قل : أيتها الأرض الشاسعة، أيتها الارواح المقدسة القادمة من السماء، أعيدي هذا الكيان إلى حيث أتى ليثبت كل بعالمه. ان هذا مقتطف من قصة امام باب الضفةالأخرى."
" اجل هذه هي تكملة الفقرة. لقد كانت انا من دلك على الكتاب و القصة. لقد تنكرت بهيئة جدتك الراحلة ثم تسللت إلى أحد أحلامك تاركة لك اشارات هناك"
"تلك لم تكن جدتي ؟"
" لا بل أنا ."
" لماذا اخترت هيئة جدتي بالضبط؟"
" ذلك لانني كنت أعرف مقدار حبك لها، لذا كنت متيقنة بأنك لن تتجاهلي اي شيء يتعلق بها. "
" إذن لقد كانت انت من ساعدتني طوال تلك المدة؟"
" أجل!"
" و لماذا توقفت عن مساعدتي بعد ذلك؟"
" لقد كنت أساعدك في الاشياء التي ستحتاجين المساعدة فيها فقط، اما ما بقي فقد كانت مهمتك لتسويتها. "
" هكذا إذا... لكن ماذا حدث بجدتي الراحلة؟"
" أنا احسدها كثيرا، لقد كانت من أكثر الاحفاد الذين احبهم. لقد كان قلبها ابيض يخلو من أية شوائب، حتى ان انعكاسها كانت طيبة ايضا. ميتتها كانت سهلة من دون الم، و انتقلت بكل سلاسة إلى العالم الأخر. اي لم يبقى منها شيء في هذا العالم. "
حل صمت ثقيل لبضع ثوان ثم أكملت كلامها:" رغم ان جدتك هي من كانت صاحبة فكرة هربكم من هذا المنزل، إلا انني كنت احبها و اراقبها بحب طوال الوقت ."
" صاحبة فكرة الهرب من هذا المنزل؟ما الذي تقصدينه بكلامك؟"
" لكن يقال بأن عائلة واحدة فقط من هذه الأرض التي يرجع لها الفضل في الحفاظ على توازن عالمنا بطريقة ما ... إنها عائلتنا يا اماليا، عائلة الديجور التي تحمي الجنس البشري من بطش الأشرار من الجن. لقد كنا في البداية نعيش في مدينة الصفر التي بناها الملك سليمان ، كانت الحياة هناك سالمة إلى أن أعمت القوة اعين بعض جماعات الجن، فبدؤوا بمهاجمة البشر و إرعابهم في سبيل تحقيق المتعة، فعقدنا اتفاقا مع سبعة افراد من الجن الخيرين، و المعروفين أيضا باسم حكام نجوم الشمال السبعة ، لتوفير الحماية لنا و للبشرية جمعاء."
" لماذا وقع الاختيار على عائلتنا بالضبط؟ "
"لقد كان الجميع في مدينة الصفر مسلمين اشداء ذوي ايمان قوي و بيوت محصنة بذكر القرآن لا يستطيع الجن اختراقها. لكن عائلتنا كانت الأضعف ايمانا من بين الجميع، لذا استطاع احد خدم الجن التسلل الى بيتنا و عرض المساعدة علينا. مخبرا إيانا بأن اسياده لم يرضوا ما يفعله بني جنسهم من أعمال قذرة للبشر، فأرادوا جلب العدالة لنا."
" هكذا اذا، لقد فهمت."
" عندما عقدنا الاتفاق مع أسياد الجن، كان قد مات الملك سليمان منذ عامين و صار مكانه ملك حازم على دينه، فعندما علم بصفقتنا امر منزلنا بأسره على إخلاء المدينة، لذلك اضطرت عائلتنا على الانقسام، نصف بقي في المدينة متخفيا دون علم الملك، و نصف آخر انتهى به المطاف في هذه القرية."
" هل هنالك سبب لاختياركم هذه القرية؟"
" هل تدرين عن خطوط لاي ؟ "
"هل تقصدين تلك الخطوط التي يستعملونها في الملاحة ؟"
" هذا ما يقولونه عنها، لكنها أكثر من ذلك بكثير. خطوط لاي في العالم الروحاني تشكل شرايين الأرض، أو المسارات التي تنقل الطاقة المتدفقة من الكون الى الأرض، و ذلك ما يجعلها مفعمة بالحياة. في هذا المكان، و حيث بنينا منزلنا بالضبط، توجد نقطة التقاء اكبر عدد من هذه المسارات، و ذلك ما جعل التواصل مع الجن أسهل بكثير."
" و لماذا بقي نصف عائلتنا الآخر في مدينة الصفر؟"
" ذلك لأن مدينة الصفر تتمتع بطاقة روحانية اعلى بكثير من هنا، لذا احتفضنا بمخبئ لناا هنالك لكي ننقل اليه المختارة و تتشبع بطاقة الحياة. "
" إذن كنت سأرسل إلى هناك بعد الولادة!! و ما السبب في ذلك؟"
" في الحقيقة، الأمور معقدة نوعا ما، و سأحتاج لوقت طويل من أجل الشرح بينما يجب عليك الشروع في رحلتك. ستعرفين ما بقي من الحقيقة عندما تصلين الى هناك. "
" مهلا ايتها الجدة الكبرى، قبل أن ننطلق لدي بعض الأسئلة"
" ما هي ؟"
لماذا حرضت جدتي ابي و امي على الهروب من المنزل ؟"
" لقد كانت جدتك فتاة رقيقة منذ صغرها، و كانت تتمتع باحساس قوي بالقوى الروحانية. لم تكن تحب جدتك عملنا كثيرا، لذا قررت الهروب مع والديك و اخوك التوأم الى مكان بعيد و البدء في حياة جديدة سالمة. فانظري إلى الفوضى العارمة التي حلت بالعالم جرّاء تصرف جدتك الأناني. لكن لا عليك ستصلحين كل شيء عندما تصلين الى مدينة الصفر."
" همم.... و لماذا لم يكن يجب على مرآتي أن تنكسر؟"
" لقد اعطانا اسياد الجن السبعة تلك المرآة كعربون على الاتفاق الذي دار بيننا و بينهم ، و ألحُّوا على أن نحافظ عليها من الانكسار و أن نهديها للمختارة عندما تولد. غير هذا لا أدري شيئا آخر."
"و ماذا عن جاد، هل سمعتي عن شخص بهذا الاسم من قبل."
" جاد في الحقيقة....هو جدك الاكبر، اي زوجي يا حفيدتي. لقد ساعدك بدوره للوصل الى هذا المدى."
جاد جدي؟ ذلك الفتى العشريني نفسه؟ هذا لا يعقل !! و أنا التي كنت أسأل كيف ساعدني الحظ لدرجة اني وجدت شخصا قدم لي مساعدة كبيرة كالتي قدمها لي جاد. " هل لا زالت روحه هو الآخر مختومة في عالمنا ؟"
" قطعا لا، لأن جدك الأكبر جاد لم يمت منذ البداية."
ما هذه المفاجآت التي بدأت بسماعها منذ ان أتيت إلى هذه البلاد و الواحدة صادمة اكثر من التي قبلها.
" لقد منح الجن جدك جاد القدرة على المحافظة على شبابه و العيش لمدة طويلة كمكافأة على إخلاصه الكبير لهم، لذا فهو لا يزال حيا يرزق بنفس الجسد و القوة التي كان يتمتع بها في سن العشرين لأزيد من 470 عاما."
" يا لها من مدة طويلة حقا. لقد تفاجأت حقا من كون جاد هو جدي الأكبر"
" لقد علمت ذلك من ملامح الدهشة التي علت وجهك حالما سمعت الخبر...اذن، هل أجبتك عن جميع أسئلتك؟"
" أجل يا جدتي الكبرى. و الآن لقد حان وقت الإنطلاق في رحلتنا! أتمنى أن ننتهي من هذا قريبا ، اشعر بتعب كبير، ثم لقد اشتقت إلى أخي كثيرا."
" لم يعد هنالك الكثير امامك. اصبر لمزيد من الوقت القليل و سيعود كل شيء إلى طبيعته، و ستستطيعين رؤية اخاك مجددا عما قريب"
"آمل ذلك !!"

Vous avez atteint le dernier des chapitres publiés.

⏰ Dernière mise à jour : Aug 17 ⏰

Ajoutez cette histoire à votre Bibliothèque pour être informé des nouveaux chapitres !

الذكريات المحرمة || The Forbidden Memories Où les histoires vivent. Découvrez maintenant