ما وراء السطور●

96 5 11
                                    

_" و الآن، هيا لنعد إلى المنزل قبل حلول الظلام.  سأحاول ان اشرح لوالديك الأمر بطريقة ما ."
_" في الحقيقة لا أظن بأنك قادر على تسوية الأمور لأنها أعمق من ذلك" أتذكر بأنني قلت هذه الكلمات و أنا أحدق في الأفق البعيد، لأن ما كان يشغل تفكيري حقا هو كيف ستكون ردة فعله عندما أخبره بباقي التفاصيل، ثم أجابني:" ما الذي تقولينه؟ لم أفهم شيئا ؟"
_" حسنا في الحقيقة... لا، عدني أولا بأنك لن تخبر أي أحد، فأنت أول شخص أفكر في إخباره بالحقيقة. "
_ "هذا وعد."
_" أنا....أنا... أنا أتعرض للعنف المنزلي من طرف أمي"
فرد علي و هو متفاجئ:" ماذا؟ ..... ه..هذا مستحيل... لماذا لم تقل شيئا من قبل؟ لماذا ظللت صامتة؟ ... منذ متى و أنت تتعرضين للعنف؟" كانت ملامحه تحاول كبح الغضب العارم الذي يجول بداخله، لكن كلامه هذا جعلني أشعر بالارتياح لأنه لم يتخل عني بالرغم من معرفته لكبر حجم المشكلة، لكن عكس ذلك أراد أن يعلم الكثير عما يحصل لي في محاولة منه مساعدتي فقلت له:" منذ أن كان عمري تسع سنوات."
_" هذا لا يعقل! لقد مرت تسع سنوات بالفعل و انت تعاملين بطريقة بشعة في منزلك الذي يفترض أن يكون ملاذك الآمن. و مع ذلك كنت صامتة طوال هذه المدة... هذا مستحيل" تفاجأ آزاد بما سمعه، و لم يكن قادرا على التفكير في الخطوة الموالية التي يجب أن يتخذها. كنت أنتظر منه أن يقترح علي الذهاب إلى الشرطة لكن يبدو بأنه علم مسبقا بأنني سأرفض ذلك، فلو كنت أريد إخبار الشرطة لذهبت بقدمي لذا و عوض ذلك استفسر عن سبب أرجحه يجعلها تقوم بفعل غير معقول تجاه ابنتها فقلت له:" ليكن بعلمك فقط، أنا أحب أمي رغم كل ما تفعله بي، أنا متأكدة من أنها تفعل هذا بسبب خوفها الشديد علي. كما أنني أظن بأن تعرضها لحادث السيارة قد أثر عليها....."
_"حادث سيارة؟"
_" أجل، لقد قالت لي بأنها كانت تسمع صوت جدتي الميتة يناديها، لذا ظلت تنصت إليه بتمعن و في وهلة فقدت السيطرة على جسدها، فاصطدمت بشاحنة. منذ ذلك الحين صارت تعاملني بطريقة مختلفة." لم أتوقع منه أن يصدقني لكنني تفاجأت بما قاله" آه ! أتظنين بأن للظواهر الغريبة دخل في هذا ؟.... على كل، من الآن فصاعدا سأظل أراقب حركات أمك، و سوف أتدخل عندما تعاملك بشكل سيء. و لن أقبل منك أي اعتراض." وجدت اقتراحه هذا جيدا جدا فهو سيحميني أنا و  أمي في نفس الوقت، فأنا سأتلقى المساعدة عندما أخحتاجها و هي لن تضطر لدخول السجن بسببي، فابتسمت و أجبته :" إذا كان هذا رأيك ، فأنا موافقة، طالما لا يعرض أمي للأذى."
رد آزاد و معالم البهجة قد برزت على وجهه:" جيد جدا! إذا هيا لنعد الآن إلى المنزل."
و بعد أن وصلنا إلى منزلي، بادر آزاد لطرق الباب
ففتحتها أمي. لاحظت حينها تغير لون وجهها السريع. لقد توقعت ذلك بما أنني احضرت معي شخصا غريبا إلى المنزل، لكن الذعر الذي انتباها كان نوعا ما مبالغا فيه حتى أن يديها صارتا ترجفان . ثم حاولت استجماع رابطة جأشها لتقول بصوت مرتجف و كلمات متقطعة :" م...م...من أنت؟ ما الذي تفعله م...مع ابنتي؟ " لقد كانت بالكاد محافظة على توازنها في تلك الأثناء، لكن آزاد تصرف كما لو أن كل شيء على مايرام و قد قمت بالمثل، فأجابها :" لا تقلق يا سيدة. أنا آزاد زميل أماليا و رئيس الصف. لقد كان عليها أن تقوم ببعض الأعمال في مكتب رؤساء الأقسام و تأخرت في ذلك، لذا رأيت أنه من واجبي أن أرافقها إلى المنزل. أنا آسف حقا لإزعاجك. "
عندما فهمت أمي ما جرى، أو بالأحرى، عندما صدقت كذبة آزاد، بدت كما لو أنها ارتاحت بعض الشيء و لم تعد قلقة مثلما كانت في البداية، ثم ابتسمت ابتسامة باهتة لتخفي ذعرها و قالت:" آه ! هكذا إذا. لقد قلقت جدا حيال ابنتي لأنها تأخرت، و قد كان من المفاجئ أن تظهر فجأة مع زميلها، خاصة و هي فتاة خجولة و ليس لها أصدقاء. أتمنى ألا تعتبرها وقاحة مني لكن.... هلا ابتعدت عنها رجاء؟ فهي فتاة انطوائية و أعلم بأنها لم تكن مرتاحة في رفقتك. لذا..." كانت محاولة أمي في إبعاد آزاد عني واضحة وضوح الشمس، و أظن أن ذلك أزعجه مما جعله يقاطع كلامها و قوله لكلمات قاسية :" آسف أيتها السيدة لكن من الآن وصاعدا، أرجوك أن تتعودي على الأوضاع الجديدة فابنتك لم تعد ملكك، لقد صارت حرة و ستتصرف بما تراه مناسبا لها !"
_" ما الذي تقصده بهذا الكلام؟" سألت أمي متعجبة عن فحوى كلام آزاد ، لكنه تجاهلها و ودعني وحدي كما لو أن أمي غير موجودة، ثم عاد إلى المنزل.
أغلقت أمي الباب بقوة كبيرة، ثم حملت المزهرية التي كانت على الطاولة بجانب الباب و رمتها علي. حميت وجهي بذراعي لكن لحسن الحظ لم تصبني بل أصابت مرآة دائرية صغيرة كانت خلفي فانكسرت، ثم صرخت في وجهي و الغضب يتعريها:" اللعنة عليك و على ذلك الفتى! ما هذه الوقاحة و الجرأة؟ يبدو أنني لم أعلمك الأدب جيدا.... كم مرة أخبرتك بألا تنسجي أي علاقات مع أي أحد؟ سواء أكان فتاة أم فتى.... " ( ثم أخذت الصحن الذي وُضعت عليه المزهرية و قذفتني به، لكنني لم أنجو هذه المرة و أصبت في عيني) اصعدِ حالا إلى غرفتك. و لن تذهب غدا إلى الجامعة عقابا لك ، ستظلين في غرفتك طوال اليوم."
_" حاضر يا أمي، أنا آسفة جدا.... أنا المخطئة." قلت و أنا متوجهة نحو غرفتي، دون مجادلتها. لم يكن في الأصل لي حق في مجادلتها، فأنا من عصيت أوامرها بإحضار فتى غريب إلى المنزل، لذا كان علي تحمل العواقب. كنت أتمنى بألا يرى آزاد هذا المنظر ،و لحسن الحظ كان قد رحل إلى منزله .
استلقيت على سريري و حاولت أخذ غفوة لأنسى ما مر بي لكن ذلك كان صعبا جدا ، لأنني لم أتوقف عن الشعور بالذنب لمخالفة مبادئ أمي.
و بينما كنت أتذكر اليوم الذي اطعمتني امي حشرة نيئة لانني قلت بأن طهوها سيء، ظهر فجأة أمامي طيف فتاة في مقتبل عمرها. و عندما أعود بالزمن إلى الوراء أجد بأنها كانت تشبهني كثيرا ، لكنني لم أستطع ملاحظة ذلك حينها بسبب العتمة و عيني المصابة . لقد كانت ترتدي لباسا غريبا لم أتعرف عليه، كان يبدو كلباس ديني أو إشارة إلى الانتماء لطائفة ما. فقلت في حالة غضب:" لقد سئمت من هذه الظواهر الغبية. أينما حليت تجدهم، في الواقع في التلفاز ... أرى أن الجميع تعود عليهم، لماذا لا زال العلماء يبحثون في الأمر على أية حال؟"
_" هذا لأن البشر فضوليون جدا." أجابت الفتاة
_" ماذا؟ هل تحدثت للتو؟ لم أسمع عن أي حالة من قبل تم فيها التواصل بين البشر و مخلوقات الظواهر الغريبة..." كانت كلماتها كااصاعقة اخترقت قلبي، لم أتوقع أبدا أن يحدث نوع من التواصل بيني و بين هاته المخلوقات يوما ما.
_" هذا بديهي لأنك المختارة و أنا مرآتك." تقدمت الفتاة بخطوات صغيرة و بطيئة نحوي، بينما لم أستطع الحراك بسبب خوفي، تخدرت أطرافي و انقطع صوتي. و عندما وصلت الفتاة إلى نصف الغرفة قالت بصوت خافت جدا و رزين : " ما كان على المرآة أن تنكسر...... أنت مثيرة للشفقة. أشعر بالعار لأنني مرآة فتاة مثلك. لماذا تتحملين تصرفات أمك الساذجة؟ القيم... الأخلاق... المعتقدات....؟ ما هذا الهراء ؟ المخلوقات في الجانب الآخر مرايا لكم. لا تمازحوني؟ ما الذي جعلكم متيقنين بأن هذا العالم الذي تعتبرونه الأصل موجود حقا؟ ما الذي جعلكم تظنون بأن القيم و الأخلاق أشياء يتميز بها الإنسان و لا يستطيع أن يعيش بدونها؟ ما أنتم إلا مخلوقات ضئيلة لم تستطع إثبات وجودها حتى. أتعلمين لماذا ما زال الخبراء يبحثون في شأن الظواهر التي تحدث رغم مرور تسع سنوات على حدوثها؟ هذا لأنكم مخلوقات تحب التباهي، تعتدون على حدود الكائنات التي تعيش بجواركم تحت اسم العلم و المعرفة و طبيعة الإنسان الفضولية لكنكم في الحقيقة تريدون إثاباتا لأنفسكم بأنكم أفضل المخلوقات و أرقاها. أنا أمقتكم..... أمقتكم.... أمقتكم ..... أمقتكم...." و تلاشى طيفها في الظلام و هي تردد هذه الكلمات.
لم افهم كلمة مما تفوهت به.
   كنت في حالة يرثى لها من الذعر، لم أفهم كيف حدث أمر كهذا؟ و ماذا كانت تقصده بالمرايا؟ و لماذا تكره البشر إلى هذه الدرجة؟ و لماذا تحدثت إلي تحديدا؟ كل هذه الأسئلة كانت تدور في ذهني و لم أستطع إيجاد جواب لها . لم تغمض لي جفنة في تلك الليلة في ظل غرابة ما حدث. يا ترى، هل يجب أن أخبر آزاد بما حدث؟
* وجهة نظر خارجية *
عاد الأب (ساجي) من العمل في ساعة متأخرة، لكن الأم (شهد) كانت لا تزال مستيقظة على غير عادتها. فذهب ساجي إليها مسرعا ليستفسر عن سبب بقاءها مستيقظة:" لماذا ما زلت مستيقظة، شهد؟ ليس من عادتك السهر إلى هذا الوقت."
_" لقد حدثت مصيبة يا ساجي."
_" عن أي مصيبة تتحدثين؟"
_" لقد أتى آزاد رفقة ريمان، و.... انكسرت المرآة ."
_: ما الذي تقولينه؟ أتقصدين بآزاد....؟"
_" نعم."
_" كيف التقيا؟ و كيف انكسرت المرآة ؟"
_" ان آزاد زميلها في الجامعة، لكن يبدو بأنهما تعرفا على بعضهما مؤخرا فقط، و عندما أتى برفقتها إلى المنزل، لم أستطع أن أتمالك نفسي، فحاولت الاتكال غلى الحائط لأحافظ على توازني و إذا بي المس المرآة فانكسرت ."
_" هل هذا يعني بأن مخططنا الذي عملنا على نجاحه لمدة تسع سنوات قد فشل.... إنه خطأك، لقد أخبرتك مرارا و تكرارا بأن تخبئي مرآة مهمة كتلك في مكان آمن. الآن ريمان معرضة للخطر بسببك."
صرخت شهد :" هذا مستحيل، يجب على المرآة أن تكون في باب المنزل، لأن الباب هي التي تفصل بين المنزل و العالم الخارجي، مثلما يُفصَل عالمنا عن العالم الموازي."
_" ما علاقة العالم الموازي بهذا؟"
تشوش تفكير شهد لوهلة، يبدو أنها قالت شيئا لم يكن يجب أن تقوله لزوجها. ثم ردت بصوت هزيل و هي ممسكة برأسها :" الظاهر أنني صرت أقول كلاما غير معقول، لا بد من أنه بسبب خوفي على أماليا و الإرهاق الشديدين. سأذهب إلى النوم كي أرتاح قليلا. " ثم انتهت محادثتهما.
في تلك الليلة كل واحد من شخصياتنا كان يحمل ضوضاء عارمة في رأسه. جميعهم يشتركون في الضوضاء التي تمنعهم من النوم، لكنهم يختلفون في الهموم التي تشغلهم.

الذكريات المحرمة || The Forbidden Memories Où les histoires vivent. Découvrez maintenant