الذكريات المحرمة || The Forbidden Memories

انطلاق الرحلة●

   اختفى الضوء الذي كان ينبعث من الكتاب فأدركت بأن جدتي التي كانت ترشدني قد أنهت مهمتها و رحلت، و هذا يعني بأنني قد فككت جميع الأجزاء المهمة من الأحجية بشكل صحيح و لم أعد أحتاج المساعدة. أخذت المصباح اليدوي ثم سلطته على مجسم الكرة الأرضية و بالضبط على باكستان، ثم أحضرت عصى المدفئة الحديدية التي كنت قد سخنتها جيدا و خرزت بها فجوة  في مجسم الكرة الأرضية وثبتُّ عليها مصباح لازر شديد اللمعان، بحيث يمر الضوء من جهة إلى أخرى. كنت شديدة الحذر في ذلك لأن انحرافا بسيطا في الثقب أو في توجيه اللازر سيؤدي إلى تغيير مكان وجود المدينة ، و عندما ذهبت للتحقق من البلاد التي توجد في خط مستقيم مع باكستان عندما يكون كوكب الزهرة فوقها، وجدت بأنها بلاد في شمال إفريقيا تدعى المغرب.
لم يكن لدي أي فكرة عن هذه البلاد، لكن عزيمتي كانت أقوى من أن تنكسر بعقبات صغيرة كهذه.
  شرعت في حزم أمتعتي ثم انطلقت في رحلتي بعد أسبوعين من التحضيرات. كان من الصعب علي الذهاب دون توديع آزاد لكن خفت من أن يدخلني إلى ذلك المكان مجددا و يمنعني من الذهاب.
  كان والدي يخزن بعض المال من أجلي كي أكمل دراستي بأمريكا، لكنني قررت استخدامه في رحلتي هذه. انطلقت الطائرة التي كنت على متنها في الساعة الواحدة مساء ثم وصلت إلى عاصمة المغرب " الرباط" بعد ثلاثة أيام من التحليق في الهواء.
حال ما وصلت بدأت البحث عن معلومات حول المغرب لعلني أجد شيئا يفيدني خاصة عن نجم الشمال. حاولت التحدث مع الناس هناك لكنهم لم يفهموني لأنهم غير بارعين في الإنجليزية، لذا قررت الذهاب إلى فندق لأستريح الليلة و أكمل بحثي غدا.  مكثت سبعة أيام بلياليها و أنا أحاول إيجاد طرف خيط يوصلني إلى معرفة حقيقة نجم الشمال لكن دون جدوى.
  فقدت الأمل في إيجاد من سيستطيع إرشادي خاصة و أن اللغة الانجليزية غير منتشرة لديهم، فقررت الرجوع إلى بلادي لحل أحجية نجم الشمال ثم العودة بعد ذلك إلى المغرب . فجأة سمعت رجلا يتحدث اللغة الانجليزية بطلاقة، فلمحت بصيصا من الأمل. التفتُّ إلى المتحدث فاندهشت من ملامح ذلك الفتى الغريبة، فهو أسمر، شعره مجعد، عيناه صفراوتان و رموشه طويلة و شديدة السواد. كان الفتى منشغلا جدا في مكلامته الهاتفية فلم ينتبه إلي واقفة أمامه متشنجة و مذهولة. و بعد أن انتهى من مكلامته استطاع ملاحظتي أخيرا، أدرك الفتى مباشرة بأنني أود التحدث معه لذا بادرني بالكلام فقال : " السلام عليكم ." لم أستطع فهمه آن ذاك، لكن الآن أعرف بأنها جملة التحية عند العرب. أدرك ذاك الفتى بأنني لم أفهمه فخاطبني بالانجليزية:" ما هي اللغة التي تتحدثين بها ؟" فأجبته " أستطيع تحدث الإنجليزية"
_ " من أي بلد أنت؟"
_" آسفة لا أود الكشف عن ذلك"
_ " آه حسنا أنا آسف لم أظن أنك لا تتحدثين اللغة العربية، فملامحك تشبه ملامح الفتيات العربيات رغم أن لون بشرتك ناصع بعض الشيء"
:" لا أدري فأنا أعيش في بلاد غير عربية منذ ولادتي.... و والدي لم يخبراني شيئا كهذا من قبل. " لم أستغرب من كثرة الأسئلة التي طرحها علي، فلقد كنت أدري مسبقا بأن الشعب المغربي شعب فضولي نوعا ما، و لا ينفك عن طرح أسئلة خاصة، و هذا شيء اعتيادي بالنسبة لهم .
_" آه هكذا إذا.... عفوا لم أعرفك بنفسي، اسمي جاد و أنا من المغرب. أجيد الانجليزية لأنني درست في إنجلترا علم الرموز لمدة ست سنوات،لكنني عدت إلى وطني بعد إنهاء دراستي. ماذا عنك؟ "
_ " أنا أماليا "
تفاجأ هذا المدعو جاد من اسمي فقال :" هذا مستحيل ، اسمك عربي أليس كذلك، فنحن كذلك نسمي بهذا الاسم؟"
_" أظن أنك مخطئ. في الحقيقة لطالما كان اسمي غريبا و مميزا حتى في البلاد التي ترعرعت فيها لكن امي أخبرتني بأنه اسم يوناني الأصل. " فكرت في إخباره باسمي الحقيقي لأنني كنت أريد دائما معرفة معناه، لكن والداي أوصياني جيدا بعدم إخبار أحد عنه حتى أنني لم أخبر آزاد كذلك.
_" هكذا إذن ، يبدو أنها صدفة فقط.... هل أنت تائهة؟"
_" في الحقيقة ليس تماما. أريد فقط أن أعلم ما إذا كان في بلدكم مكان أستطيع أن أرى فيه نجم الشمال بوضوح."
_" آه فهمت ... ليس هنالك مكان محدد لمراقبة نجم الشمال في المغرب لكن كل من يريد التمتع بليالي نجمية صافية يذهب إلى الصحراء الموجودة جنوب البلاد، فهي تتميز بلياليها المرصعة بالنجوم التي تجعل رمال الصحراء تلمع كالجواهر المتناثرة." سمعت صوتا بداخلي يخبرني بأن صحراء المغرب هي المكان المناسب لأحل فيه لغز نجم الشمال، لكن صوت جاد قاطع أفكاري قائلا :" إذا كنت تريدين الذهاب إلى هناك ... يمكنني أن أصطحبك إذا أردت. "
شعرت  ببعض القلق لعرضه الغريب هذا و يبدوا أن جادقد لاحظ علامات الحيرة على وجهي  لذا بادر بشرح موقفه:" في الحقيقة الأمر ليس كما تظنين، فأنا أعمل كمرشد سياحي في الصحراء جنوب البلاد، وقد أتيت إلى هنا لأرافق قافلة من السياح إلى هناك. ( ثم أخذ بطاقة عمله من جيبه و قدمها لي ) هذه بطاقة عملي و قد ترجمت باللغة الإنجليزية و الفرنسية ليستطيع جميع السياح فهم المعلومات المدونة. "
_" لكنك قلت لي بأنك كنت تدرس علم الرموز"
_" و هو كذلك، لكنني لم أجد أي وظيفة فاضطررت لدراسة السياحة مرة أخرى كي أجد عملا."
_" لماذا لم تخبرني بذلك من قبل؟"
_" لأنني درست السياحة بالمغرب لذا لم تكن هناك حاجة لذكر خذه المعلومة بما أننا كنا نتحدث عن الإنجليزية.... كما يا آنسة تذكري بأنني قدمت لك معلومات عن نفسي أكثر مما قدمته لي و مع لك لا زلت أساعدك، إذا لم تكن الثقة متبادلة فلا تنتظري مني أخبارك بكل شيء عني .... "
  لقد كان هذا الفتى على حق في كل كلمة قالها، لقد أخبرني بالكثير عن نفسه و حاول مساعدتي لكنني لا زلت أتعامل معه بلؤم.
شعرت  بالارتياح بعدما وجت تطابقا بين كلامه و المعلومات في بطاقة عمله، ثم أخذ استمارة و قدمها إلي :" إذا كنت تريدين الإنضمام إلى القافلة، فيجب عليك ملأ هذه الاستمارة و الالتقاء بي في هذا العنوان بعد يومين على الساعة التاسعة صباحا ( ثم بدأ بتسجيل العنوان على ورقة ) استقلي أي سيارة أجرة و أره الورقة فقط و سيأخذك إلى عين المكان. " شكرت جاد على المعورف الذي أسداه لي ثم عدت إلى الفندق الذي كنت به.
  أتى اليوم الموعود فاستيقظت باكرا من شدة الحماس،و استقلت سيارة أجرة ،أريت السائق الورقة فأخذني إلى المكان المقصود. كانت حافلات الرحلات مصطفة لكنها فارغة بالكامل.
_" صباح الخير، آنسة أماليا أتمنى أن تكونِي بخير. لقد أتيت باكرا جدا لذا قد تنتظرين طويلا لأن موعد انطلاق الحافلات سيكون في تمام العاشرة صباحا. "
_" صباح الخير سيد جاد. أعلم ذلك جيدا لكن لا عليك، لقد شعرت بالملل فقررت المجيء الآن. سأستغل ما تبقى من الوقت في قراءة شيء ما عن بلدكم. "
_" حسنا كما تريدين. يشرفني اهتمامك ببلدي. "
  اصطحبني جاد للعربة التي سيكون مشرفا عليها طوال الرحلة فجلست في إحدى مقاعد الحافلات و بدأت بتصفح بعض المقالات عن تاريخ المغرب و تقاليده و عاداته من باب الفضول فقط. لكنني لم أدرك عندها بأن ما سأقرأه سيكون أكبر صدمة لي، فأثناء تصفحي الهاتف، وجدت أخبارا عن قضية غريبة المعالم شرعت الشرطة التحقيق حولها منذ أكثر من تسع سنوات ،و مرة أخرى تماما بعد سقوط النيزك، و لم يتم إقفالها بسبب تجدد ضحايا هذه القضية اللذين يتجاوزون المئة ضحية. يروى أنه في مكان ما في الصحراء الجنوبية للمغرب، ظهر رجل بمواصفات محددة، و أي عائلة عرفت نوعا من التواصل معه يختفي منها فرد، و أكدت السلطات على أن جميع الأفراد المختفين من " الزهريين " بشهادة من العائلات. و ظل الناس يهابونه و يحذِّر بعضهم بعضا منه إلى أن داع صيته في جميع ربوع البلاد. و رويت عنه أساطير و قصص مختلفة ككونه من الجن أو من المشعوذين اللذين كرسوا حياتهم في خدمة الجن. ارتعبت بما قرأته فأنا متجهة إلى صحراء المغرب الجنوبية حيث توجد سلسلة الاختفاءات. لاحظ جاد ذلك لذا أسرع إلى الحافلة للاطمئنان علي :" ما بك ؟ لماذا تبدين في حالة مزرية من الذعر ؟ حتى أن لون وجهك قد فقد إشراقته. "
_" آسفة لإقلاقك ! لكنني قرأت أشياء غريبة جدا لم أكن لأصدقها لو لم تكن مصادرها من الشرطة المغربية ."
_" ماذا...؟ هل سبق و أدلت شرطتنا بشيء كهذا ؟"
_ "..... أجل ؛ أخشى ذلك . "
_" ما هو إذن ؟" سألني جاد و هو حائر من أمره
_" في الحقيقة إنها قصة طويلة، لكن لدي بعض الأسئلة التي أتمنى أن تكون عندك أجوبة لها. "
_" أجل تفضلي على الرحب و السعة ."
_" ماذا يعني مصطلح الزهريون . "
_" هل لهذا علاقة بما قرأته ؟"
_" أجل ."
_" أذا كان الأمر كذلك، أظن بأنني أدركت ما قرأتِ عنه. على أيٍّ.... "الزُّهرِيون " هو مصطلح بالعامية المغربية أو ما تسمى بالدارجة يعني " المحظوظين "، يطلق على نوع معين من الأشخاص يحملون علامات مميزة في جسدهم، كخط متصل في راحة اليد أو بقعة سوداء في بياض العينين. يعرف على أن "الزُّهرِيون" يعيشون حياة رغيدة و مليئة بالفرح لأنها مباركة من عند الرب. دعيني أرى يدك فقد تكونين منهم . " ثم مددت راحة يدي دون تفكير فاشتعلت أعين جاد بالحماس و قال :" انظري ! إن الخط في  كفك متصل أنت منهم بالفعل . "
_" لكن حياتي كانت دائما سيئة، لم أعش يوما في رغد أو سعادة. "
_" ليس كل"الزهريين" محظوظين رغم أن أغلبهم كذلك، لكنهم يبقون وجبة دسمة للباحثين عن الكنوز . "
لم أفهم قصد جاد فسألته :" ما الذي يعنيه هذا ؟"
_" هذا يعني بأنه يجب عليك أن تتوخي الحذر من السحرة و المشعوذين، فهم يستعملون دماء "الزهريين" كي يحددوا مواقع الكنوز القديمة المدفونة تحت الأرض. و لا تستخفي بما أقوله لك، فلقد أثبتت هذه الطريقة نجاعتها. لذا لا يزال عدد الضحايا من "الزهريين" يزداد يوما بعد يوم . "
شعرت  بخوف شديد يعتري جسدي لدرجة الارتعاذ،و فقدت السيطرة على الجزء السفلي من ساقي. و في محاولة منه تهدأتي قال جاد :" لا داعي للقلق، فكل ما عليك فعله هو ألا تخبري أحدا بحقيقة كونك من
" الزهريين " و بذلك لن يصيبك أي أذى. أنا أعدك بذلك. "
لم تكن كلمات جاد قادرة على طمأنتي و طرد التخيلات السيئة عما قد يفعله بي هؤلاء السحرة و المشعوذون إذا ما عثروا علي.