استيقظت على صوت طرق أمي الصاخب للباب، ثم ذهبت مسرعة لفتحها. بمجرد أن فتحت الباب، أمسكتني من شعري و ألقت بي من على الدرج، و صرخت في وجي:" كيف تجرأت على رفع صوتك أمامي؟ بالكاد منعت نفسي من ضربك أمام أباك، لكنه الآن قد ذهب إلى العمل و سأجعلك تدفعين ثمن ما فعلت!" كنت أشعر بالدوار الشديد، و بالكاد استطعت سماع كلامها، لقد صار كل شيء أمامي ضبابيا و لم أعد قادرة على الرؤية بوضوح. كانت تلك أول مرة أشعر فيها بأن أمي على خطإ، فطوال السنوات الماضية كنت أظن بأنها تعاملني كذلك كي تحميني و تضمن سلامتي، لكن عندما تذكرت كلامها عندما كانت صغيرة:" لقد تخلينا عن عائلتنا من أجلك فقط، و أتينا إلى مدينة لا نعلم عنها شيئا للحفاظ على سلامتك ... لذا يا ابنتي استمتعي بحياتك هنا في هذا المكان الآمن."استحضرت كم كانت تعاملني أمي برقة قبل حادثة السير. شعرت فجأة بنوم عميق ربما كان سببه سقوطي من الدرج، لكن أمي حشرت سكينا ساخنة في ذراعي أذاقتني ألما لم أعرفه من قبل. ظلت أمي تحشر في السكين الساخنة مرارا و تكرارا حتى تعبت من التحمل فبدأت بالصراخ و يدي تنزف بشدة. و عندما صارت السكين باردة، ذهبت لتسخينها مجددا، لكنني استجمعت قواي بأعجوبة و هربت من المنزل بسرعة، فظللت أركض و أركض إلى أن أغمي علي وسط الطريق. اتصل المارة بالاسعاف و أخذت إلى المستشقة ، و هناك حصلت على العناية الضرورية و ضمدت جراحي. لحسن الحظ لم تكن هنالك اصابات بليغة.
عندما استيقظت، كانت الساعة الرابعة زوالا، أخبرتني الممرضة بكل ما حدث، لكن لم يهمني شيء بقدر موعدي مع آزاد، فاستعرت منزميلتي في الغرفة بذلة لتغطية جروحي، ثم انطلقت خلسة إلى الحديقة.
عندما وصلت لم أجد آزاد هناك، فجلست بجانب البحيرة و بدأت بالبكاء. كانت تلك أول مرة أبكي فيها من أجل نفسي، في كل مرة كنت أبكي كان من أجل أمي أو أبي، لكن الآن شعرت بأن أمي قد ظلمتني، و قد تمادت كثيرا في عنفها ضدي. و بعد وقت طويل من البكاء، جاء آزاد " إذن انت هنا؟ لقد جئت قبل حين و لم أجدك، لذا ذهبت للبحث عنك، و ها أنا ذا وجدتك... يالي من غبي، كان يجب علي انتظارك هنا فقط." بمجرد سماع صوت آزاد، انتابني إحساس بالدفء و الأمان، لكنني لم أكن قادرة على الإجابة بسبب صوتي الذي بح من البكاء و ذلك ما أثار قلق آزاد فاقترب مني اكثر" أماليا... هل كنت تبكين؟ " و لم أجبه ثانية، ثم قبض على ذراعي و سحبها للأعلى كي يرى وجهي، فبدت علي تعابير توحي على تألمي بسبب الإصابة فأفلتها ... في تلك اللحظة بدأت قطرات الدم تتساقط من يدي الواحدة تلو الأخرى. لم يصدق آزاد ما رأته عيناه، ثم قام بطي يد البذلة و خلع الضمادة، لم أحاول منعه من ذلك لأنني كنت سأخبره عاجلا أم آجلا، فوجد يدي مليئة بطعنات السكين، و حول كل طعنة آثار حروق بليغة. لا بد من أن آزاد شعر بانقباض في قلبه. و دون أن يقول شيئا، ضمد جراحي بالوزرة التي كان يرتديها تحت معطفه ثم جلس بجانبي " لا أستطيع أن أراك تعانين أكثر من هذا.... سأصطحبك معي إلى المنزل. لا تقلقي بشأن والدي، فقد سألتهما مسبقا عن احتمالية مكوث فتاة معنا لفترة من الزمن و قد وافقا على ذلك." كانت النبرة التي تحدث بها آزاد عميقة تنم عن حزن يلم بصدره. لكنني رفضت قائلة:" آسفة... أنا لا أستطيع التخلي عن والدي، متأكدة من أن أمي ..." فقاطعني آزاد غاضبا وقد كانت الدموع تنزل من عينه" أمي، أمي، أمي ،أمي.... كيف لك أن تحبي أما كهذه؟ ما الذي جعلك تصدقين بأنها تقوم بذلك من أجلك؟ لم تحاولي أبدا التفكير في أفعالها. كل ما تقومين به هو التأسف حتى لو لم يكن ذنبك. لقد استطاعت أن تستولي على عقلك تماما، و أنت ترفضين رؤية ذلك..... هذا سخيف جدا... الطريقة التي تهدرين بها حياتك"
_" لقد فكرت مليا في الأمر، و اليوم كان أول مرة أشعر بأن أمي على خطأ. لقد سألت نفسي، ما العيب في أن أمتلك صديقا؟ لماذا قامت أمي بتعذيبي فقط لسبب تافه كهذا؟ لكن الشيء الوحيد الذي يجعلني أتقبل معاملتها البشعة، هو كل التضحيات التي قامت بها هي و والدي من أجلي في الماضي. "
_" عن أي تضحيات تتحدثين ؟"
_ " لم أخبرك بذلك من قبل.... عائلتنا عائلة قديمة جدا، تعيش في قرية نائية في مكان ما، ربما ليس في هذا البلد حتى، أنا أيضا لا إدري عن التفاصيل لكن بهدف حمايتي، قمنا بالهرب من هناك و القدوم إلى هذه المدينة. أتذكر جيدا كيف كانا يعانيان من الاندماج في حياة غريبة عنهما، و كم من الجهد بذلاه ليستطيعا توفير منزل و حياة نظيفة لي. رغم كل التعب و الارهاق، كانت أمي تأتي إلى غرفتي مباشرة عند عودتها إلى المنزل لتحتضنني و تروي لي القصص... لذلك مهما تغيرت معاملتها لي الآن، فأنا لا أستطيع أن أكرهها بعد أن عانت كثيرا بسببي."
_" هكذا إذن، لكن عنايتها بك عندما كنت صغيرة لا يعطيها الحق كي تعذبك عندما تكبرين. أنا آسف لما سأقوله، لكن أرى بأن أمك مخطئة تماما، فحتى لو ضحت بالكثير من أجلك، فهذا لا يعطيها الحق بأن تعنفك الآن و كأنها قد أسدت إليك معروفا تأخذ منك ثمنه . إنها أمك و من واجبها حماية ابنتها إلى اليوم الذي تصير فيه قادرة على الاعتماد على نفسها" .ثم وقف و أكمل " هاتي يدك، سوف تذهبين معي إلى المنزل الليلة على الأقل، لا بد من أن أمك غاضبة جدا ، و ستقوم بأشياء فظيعة عندما تعودين، و أنا لن أسماحها هذه المرة و لو على جثتي." ثم أمسكت بيده و استندت " لا أدري إن كنت قادرة على فعل ذلك..."
فجأة جاء أبي، ارتبكت من رؤية أبي لي مع آزاد فحاولت إفلات يده لكنه أمسك بها بقوة. ثم قال والدي و هو في حالة من الذعر و الهلع:" و أخيرا وجدتك يا ابنتي، لقد أتصلت بي أمك و أخبرتني بأنك هربت من المنزل، لذلك تركت العمل مباشرة و أتيت للبحث عنك. أنا سعيد لأنني وجدتك..."
ثم بادر آزاد بالحديث:" اسمعني يا سيدي...." فقاطعته لأن آزاد كان في قمة غضبه و خفت من أن يقول كلاما جارحا لأبي :" آسفة يا أبي لقد جعلتك تقلق. كل ما في الأمر أنني شعرت بالضيق في صدري، لذا خرجت من المنزل راكضة. لا بد أن أمي ارتعبت..... بالمناسبة، هذا آزاد الذي حدثتكم عنه البارحة...."
_" مرحبا يا بني، شكرا لك على وجودك بجوار ابنتي أثناء غيابنا...." ثم تقدم إلينا خطوة خطوة، و حضننا معا.
تفاجئ كل مني و آزاد بردة فعل أبي التي لم تكن بالحسبان، فلقد خالفت توقعات كل منا، ثم قال بصوت خافت و حنون :" أنتما الإثنين، لا فرق بينكما، أماليا ابنتي، و أنت يا آزاد... مثلها تماما. لقد كنت معارضا لفكرة أن لابنتي أصدقاء، لكن عندما رأيتك بجانبها سرعان ما تغير رأيي، فلا أحد في هذا العالم يستطيع العيش منعزلا عن الآخرين." ثم نظر في أعيننا و أتم كلامه:" هنالك الكثير من الأشياء يجب أن تعرفوها. لكن أظن أن الوقت لم يحن بعد.... شكرا لك يا آزاد على كل ما فعلته. و الآن هيا يا أماليا لنعد إلى المنزل."
_" لكن ...." قال آزاد و ملامح القلق تعلو وجهه.
_" لا تقلق، فأبي موجود معي الآن، و أنا متأكدة بأن أمي ستتفهم الوضع إذا ما ساعدني أبي في شرحه. وداعا الآن آزاد، لنلتق غدا في الجامعة." ثم رافقت أبي إلى السيارة و تركت آزاد ورائي غير مطمئن لما سيرجي لي حال وصولي إلى المنزل.
عندما وصلنا بادرت أمي بفتح الباب و استقبلتني بالأحضان و القبل " أماليا، لقد قلقت عليك كثيرا يا ابنتي... لا تفعل هذا مرة أخرى. كدت أن أموت...." لكنني لم أجبها فقال أبي : " الحمد لله على عودتها بسلامة. أماليا! سوف نتناول العشاء ثم ستذهبين لتستريحي في غرفتك . و سأتحدث أنا و أمك بخصوص ذلك الموضوع. و أعدك بأن أخبرك بالحقيقة شيئا فشيئا".
_" حسنا يا أبي شكرا جزيلا لك."*نظرة خارجية*
عاد آزاد إلى منزله أيضا، ثم ذهب إلى غرفته لينام، لكن صوت إخته بدأ يناديه مجددا و لم يستطع النوم بسببه، لقد صار أقرب و أكثر إزعاجا، يذكره بذنبه و يقوده إلى الجنون.
VOUS LISEZ
الذكريات المحرمة || The Forbidden Memories
Fantasiمن كان يظن يوما أن ظاهرة طبيعية كسقوط النيازك ستؤدي إلى حدوث ظواهر غير طبيعية في عالمنا؟ صرخات من الجحيم، أموات ينادون الأحياء، مخلوقات غريبة تحاول الاستحواذ على الأجسام .... كل هذا و أكثر يعيشه بطلا قصتنا أماليا و آزاد في محاولة منهما لاكتشاف الس...