الطقس●

31 3 6
                                    

فكرت طويلا في الخطوة التالية التي يجب أن أتخذها، فقررت العودة إلى القرية و محاولة جمع المعلومات التي ستساعدني على حل أحجية القبو.
عدت أدراجي رويدا رويدا، حتى بدأ ضوء في وسط القرية يلوح لي. و عندما وصلت، اختبأت وراء جدار أحد المنازل و أخذت أشاهد و أستمع لما يقولونه.
كانت هنالك مجموعة من سبع فتيات تلبس كل واحدة منهن ثوبا بلون مختلف و على رؤوسهن قطع من القماش الذ يغطي رأسهن بالكامل، و في يد كل فتاة شمعة وضعت على شمعذان. كانت الفتيات مصطفات على شكل حلقة تتوسطها فتاة قد تم تغليفها بالكامل بغطاء أبيض ثقيل لا تظهر منه سوى يديهاالمنقوشتانبالحناء.  كانت الفتاة تنزف مما جعل الطرف السفلي للثوب الأبيض يصير احمرا قاتنا.
  و بعد لحظات تم احضار دجاجة سوداء و تم ذبحها فوق رأس الفتاة،  فرفعت الفتاة فمها و بدأت بشرب الدم الساخن المتدفق من عنق الدجاجة المبتور.
   لقد كان هذا المشهد أغرب مت رأته عيناي على الإطلاق.
و في الخلفية يوجد عشر نساء جالسات و أمامهن آلة الغانغا، و عشر رجال يحمل بعضهم مقصا حديديا ضخما و بعضهم الآخر القرقب، كلها آلات موسيقية تعودت على رؤيتها أثناء مكوثي هنا.
   كان شيخ القرية يترأس مجمعهم حاملا الجمبري بيديه، و كلهم يغطون اجسادهم بالمجوهرات و بملابس مزركشة و غريبة ما فتئت تذكرني بملابس الفتاة الطيف.
و بعد لحظات بدأت الأوركيسترا بالعزف على إيقاع الآلات الموسيقية التي جعلتني أشعر بالقشعريرة في كامل جسدي، و يغنون في الوقت نفسه. لكنني كنت عاجزة عن سماع الكلمات كلها و كل ما التقطته عبارة عن جمل متقطعة غامضة:

الله الله يا مولانا... اشفق بمبارك المسكين السيد يأكل اللحم السيدة تأكل الشحم، و أنا آكل العظام
الله الله يا مولانا... اشفق بمبارك المسكين
السيد ينام على الحرير، السيدة تنام على السرير، و أنا أنام على الحطام.

*************
من هو ولينا؟ من هو ولينا؟ الله يا أبي ميمون
هل هناك من يسمعنا؟ ساعدونا يا رجال الله

*************
من هو ولينا؟ من هو ولينا؟ الشريفة الغناوية
اخدمي سيدك بحسن نية يا سنديا

**************
أنه فصل الشتاء و أنا أشعر بالبرد يا ربي يا مولاي
آه يا أبي آه يا أبي، انه السيد شمهروش صاحب العلم.

**************
بسم الله ابتديت و على نبينا صليت
يا مولاي برقان إنه كالياقوت بعمامة خضراء

**************
يا ميرة يا ميرة .. أيتها السيدة
لا إله إلا الله هو وحده المعبود

**************

و في هاته الغضون اشتد الرقص على الايقاع. رؤوسهم، أقدامهم، أيديهم... كل شيء في أجسامهم كان يتحرك مع النغمات الخالدة.
فجأة، فتحت بوابة من الأرض فظهرت منها أيدي كيان غريب يحاول الخروج ، كيان ذو شكل مخيف و بشع... شعره شديد السواد و يمتد إلى السماء في حدود البصر، جلد مهترئ و شاحب، كانت عينه اليسرى مخيَّطة و له أجنحة سوداء.
ثم حدق فيَّ بعينه اليمنى بنظرة جمدت كل أطرافي، و قبل أن أستطيع الهروب انحشر في جسد أحد النساء فتغير لون شعرها من الأسود إلى الأبيض و تبعثرت ملامح وجهها، فصار أنفها في الأعلى و فمها في الأسفل. لكن هذا كان شيئا مفرحا لأهل القرية على ما يبدو، إذ بدؤوا جميعا بالتصفيق و الرقص بشكل أكثر شدة مما سبق .
لم أستطع تحمل ما رأيته أمامي لذا ذهبت راكضة إلى المنزل في الواحة المجاورة. و قبل وصولي إلى المنزل بخطوات قليلة أغمي علي.
عندما استيقظت، كانت الشمس لم تشرق بعد. ربما نمت لساعة فقط ، أو ربما يوما و استيقظت في ليلة اليوم الثاني... من يدري؟ كانت ذاكرتي عن ليلة الطقس واضحة جدا لذا لا أظن بأنني نمت طويلا.
لم أجرأ على العودة إلى القرية بعد كل ما شاهدته، لذا دخلت إلى المنزل مباشرة دون تفكير.
كان المنزل كأي منزل عادي مهجور، نوافذ محطمة و أثاث ممزق ، لكن رغم قدم أثاثه لم يفقد سحره. لا أستطيع أن أنكر بأنه قد راق لي، فورق الحائط الأخضر الباهت الذي تزينه زهور بيضاء بعث بالسكينة في قلبي، و لم يخلو حائط من لوحة فنية كل واحدة أفضل من التي سبقتها. كانت النوافذ الخشبية ديقة بعض الشيء ، لكنها تكفي لمرور ضوء القمر الساطع، و سقفه... كان سقفه عبارة عن قبة يتوسطها رمز اوميغا مقلوب، و وسطه سبع جوهرات بألوان مختلفة. لا أستطيع وصف روعة الألوان الدافئة التي نشرتها تلك المجوهرات داخل المنزل.
حملت القنديل و رحت أستكشف خبايا هذا المنزل العتيق، فإذا بي أجد سلما يقود إلى الأسفل، لا بد من أنه القبو الذي تحدث عنه جاد. كنت خائفة جدا من النزول لكن ما باليد حيلة، فهو أملي الوحيد لإيجاد دليل أو معلومة ما.
نزلت بخطى ثابتة و بطيئة على السلم الخشبي الذي أصدر صوتا أزيز مع كل خطوة، حتى وصلت إلى الأرض. و ما أثار غرابتي حقا، هو شكله الذي عجزت عن تخيل كيف تم بناءه، فهو عبارة عن دائرة كبيرة مليئة بأدوات كأدوات مختبر قديم للخيمياء وسط هوة في جدرانها كتب كثيرة يمتد عددها بعمقها، و أمامي مباشرة توجد باب يربط بينها و بين الدائرة جسر حجري.
أضأت جميع الشماعذ لتتوضح الرؤية، ثم بدأت أتمعن و أتفحص المختبر الذي أمامي، لكن كل ما وجدته هو أوعية متصدئة و أعشاب تآكلت ذات رائحة نتنة. لاحظت وجود درج في مكتب فارغ وضع في نقطة بعيدة جدا عن الرؤية ، و بالطبع فتحته، فإذا بي أجد وثائق ملفوفة في ظرف تبدوا في غاية الأهمية. و عندما فتحت الظرف كانت أول جملة قرأتها بمثابة صدمة لي... تاريخ عائلة الديجور.
هل هذا معقول؟ تاريخ عائلتي؟ ما الذي تفعله وثيقة كهذه في هذا المكان؟ لم أعد قادرة على استيعاب ما يجري حولي، كان هذا المنزل آخر مكان أفكر فيه للبحث عن تاريخ عائلتي.
جلست على الكرسي و أخذت نفسا عميق، ثم بدأت القراءة بتمعن:" عائلة الديجور هي عائلة عريقة تتميز بالحكمة التي ورثتها عن الملك سليمان الحكيم، و كوننا من سلالته أعطى لنا القدرة على التواصل مع مخلوقات لا يستطيع الإنسان العادي التواصل معها.
لقد كنا في البداية نعيش في المدينة التي بناها جدنا سليمان، مدينة الصفر. لكن اضطر جزء من العائلة الخروج منها للسبب التالي: توجد فوق الكرة الأرضية شجرتين كبيرتين تدعيان بشرتي الحياة، حيث تغذي الأولى عالم الجن، و الثانية عالم الإنس ، و تعملان على الحفاظ على التوازن بينهما.و بما أن الإنسان جشع، فقد استنزف الكثير من الطاقة من شجرة الحياة الخاصة به، فبدأت بالتداعي و هكذا حدث خلل بين العالمين، فكان على أحدهم تولي مهمة إعادة الطاقة إلى الشجرة و حمايتها لذلك خرج جزء من العائلة إلى هذا المكان قرب شجرة الحياة التي تتوغل وسط الغابة في هذه الواحة.
مهمتنا هي أن نجلب جثث التضحيات التي يقوم بها الجزء الآخر من العائلة و ذهنها بعقاقير تصنع في مختبرنا، ثم نرميها في الهوة التي توجد تحت المنزل بحيث تستطيع جذور الشجرة الممتدة التغذي عليها.و نسمي ذلك المكان قاعة العبور.
اسمعوني يا أبنائي...أنا جدكم الأكبر الذي أسس هذا المنزل و المختبر و قاعة العبور؛ أوصيكم بقراءة كل الكتب التي أمضيت ستين عاما في جمعها دون كلل أو ملل، فهي تتضمن خطوات دقيقة لصناعة العقاقير و نقل الجثث و رميها في الهوة، و تفاصيل أكثر مهمة جدا.
وصيتي لكم هي بأن تحافظوا على التوازن بين العالمين قدر الإمكان إلى أن يأتي المختار."
شعرت برعشة تجوب جميع أنحاء جسدي، و توقف عقلي عن التفكير لأكثر من خمس دقائق. ما الذي يجري بالضبط؟

الذكريات المحرمة || The Forbidden Memories Où les histoires vivent. Découvrez maintenant