{يونس ـ 23 عام}
منعني رائد من اخبار أي أحد عن مرضه.. لم يرد قلق أهله.. وأراد القيام بالعلاج والعملية سرّاً.. لكنني لم أقتنع برغبته.. كيف لا يخبر أهله عن أمر بهذه الحساسية والأهمية؟.. ماذا لو..؟.. صحيح أن الطبيب أعطانا الأمل في حالته لكن لا يعني ذلك بأن نتهاون في الأمر.. مرّت الأيام وأنا أكاد أنفجر لثقل ما يحمله صدري.. أما رائد فكان منشغل بجمع المال من أجل العملية.. لقد أتفق مع والده أن يزيد أيام عمله ليرتفع أجره.. وسيحصل على ما لديّ من مال وسأقوم بطلب المزيد من أمجد حين يحين موعد العملية.. لكن.. لكن ليس هذا ما يتعب قلبي.. بل حفظ السر..ـ يونس.
اضطرب قلبي حين جاءني صوت ماسة في ساحة الجامعة.. التفتُّ بحذر ورأيتها مع صديقتها فرح.. من الصعب أن أتصرف معها بشكل طبيعي وأنا أخفي عنها سرّاً كبيراً.. سرّاً يخصّها أكثر ممّا يخصّني.. لم أستطع رسم ابتسامة وأنا أقول:
ـ هلا.
ضيقت عينيها وقالت:
ـ شبيك هالفترة؟
أشحتُ بعينَي غير قادر على مواجهتها:
ـ ما بيه شي، ضغط دراسة بس.
لكن الكذبة لم تنطلي عليها، بل قالت:
ـ من شوكت كمت تجذب عليّه؟
امتعضت بمرارة ونظرتُ إليها قائلاً:
ـ مو كلشي أكدر احجيه.
عقدت جبينها باستغراب:
ـ مو تعودنه كلشي نحجي لبعض؟
نعم.. حين يكون الأمر يخصّني فإنني كتابٌ مفتوح أمامكِ.. لكن هذا الأمر لا يخصّني.. لا يحقّ لي اخباركِ به.. حاولتُ تغيير الموضوع:
ـ شنو رأيجن أعزمجن على شي؟
ابتهج وجه فرح.. أما ماسة فعبست وقالت:
ـ لا شكراً، ما نريد منك شي.
ثم أمسكت بيد فرح وسحبتها معها لتتركاني.. مسحتُ على وجهي وأنا أحرّر نفساً ثقيلاً.. ليسامحك الله يا رائد.. هل هذا قرار شخص عاقل؟.. ليتك تستوعب كم مخطئ باخفائك للحقيقة عن أهلك..
*****
ظننتُ بأن ماسة ستترك الموضوع.. لفترة على الأقل.. لكنني كنتُ مخطئ في ظنّي.. زارتنا عصراً ودخلت غرفتي بخطوات واثقة وتعابير جدّية.. كنتُ حينها جالس على سريري وأعدّ المال الذي أملكه.. جلست أمامي ونظرت إلى المال ثم إليّ.. ثم قالت:
ـ هسه فرح ماكو، يالله احجيلي.
ـ شنو احجيلج؟
ـ شصاير وياك؟ تعرفني راح اوكف وياك مهما كان.
اعتصر قلبي.. وللحظة اشتهيتُ الصراخ.. اشتهيت ضرب الحائط.. اشتهيتُ هزّ رائد من كتفيه والصراخ في وجهه أن قراره غير صائب.. لكنني لم أفعل أياً من تلك الأمور.. بل أطرقتُ بنظري إلى المال المنتشر بيننا وقلت: