الفصل التاسع والعشرون

251 36 96
                                    

{يونس}


كانت محطمة.. والحزن يطغى على ملامحها.. عينيها شاردة في نافذة الطائرة.. ولم تلمس شيء من طعامها.. ماسة التي كانت تخرج حزنها وغضبها في الأكل أصبحت تمتنع عنه في الآونة الأخيرة.. وهو تغيير يقلقني.. وكأنها لم تعد ماسة التي أعرفها.. وكأن مرض رائد جعلها تنضج فجأة.. وتفقد روحها الجميلة والحيوية.. أصبحت باهتة.. كئيبة.. ولا أعرف كيف أخرجها ممّا هي فيه.. حاولتُ معها:

ـ عالأقل أكلي شويه، طريقنه طويل.

لم تجب.. ولم تبعد عينيها عن النافذة.. 

ـ ماسة..

نظرت إليّ.. لكن ليس استجابةً لطلبي.. بل وكأنها تذكرت شيء.. ثم قالت بجدية:

ـ أعتقد هسه الوقت مناسب..

عقدتُ جبيني باستفسار:

ـ مناسب لشنو؟

ـ انو تسمع جوابي.. على طلبك..

اضطرب قلبي.. ثم تبع الاضطراب انقباض لا يبشر بالخير.. رغم أنني أعرف الإجابة.. ولم أتوقع غيرها.. لكني لستُ مستعداً لسماعها.. تمتمتُ قائلاً:

ـ مو وقتها هسه.. كلنه من يتعافى رائد..

ـ لا.. أصلا المفروض من زمان أنطيكياها.. حتى ما تبقى على أمل..

كنتُ أعرف الإجابة.. وبالرغم من ذلك تهدّم شيءٌ في صدري.. ولم يعد الهواء يجد طريقه إلى رئتَي.. لم يعد قلبي يرغب بمتابعة وظيفته.. قالت ماسة وكأنها لم تلاحظ تغيّر أحوالي:

ـ راح أكون صريحة وياك.. بالفترة المضت حاولت الكه المشاعر الي تطلبها مني.. حاولت أشوفك شي غير الي تعودت عليه.. بس ولا كدرت يونس.. ما اكدر أشوفك غير اخويه.. لأن من صغري أعتبرك الأخ الحنون.. ورائد الأخ اليقسي عليه ببعض المواقف.. ما اكدر بعد كل هالسنين ألغي هالشعور وهالقناعة العشت وياها.. وتدري ليش حاولت؟.. لأن خفت أخسرك.. واني أبد ما مستعدة أخسرك يونس.. بدون شي حياتي صايرة دمار.. فياريت تلتزم بوعدك وتبقى علاقتنا مثل ما هي.. لا تتغير عليّه.. لأن حالياً ما عندي غيرك..

حرّكتُ رأسي ببطء نحو أطباق الطعام.. غير قادر على النطق.. غير قادر على التخلص من حالة الاختناق التي أصابتني.. لكني تمتمت بخفوت:

ـ ولا يهمج.. اني هم جنت حاس بهالشي.. انج.. ما تشوفيني غير أخ.. فجوابج ما صدمني.. إنسي الموضوع تماماً.. 

قالت بحذر:

ـ وانته راح تنساه؟

امتعضتُ رغم محاولتي لعدم إظهار ألمي.. وقلتُ بخفوت:

ـ ما دام ما بقى أمل أتمسك بيه.. لا بد تبدي مرحلة التعافي والنسيان..

الكلام سهل.. والتطبيق لا يعلم بصعوبته إلا الله.. فأنا مثلها.. منذ الصغر أراها كل شيء بالنسبة لي.. ومنذ سنين أحلم بمستقبل يجمعني بها.. إن كانت لم تستطع التخلص من مشاعر الأخوّة فكيف لي التخلص من مشاعر الحب؟.. أيكفي اليأس ليمحو وجودها؟.. أم أنني سأبقى أسير مرارتها؟..





اتكئ على كتفيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن