لم يأتي نائل للمشفى هذا الصباح.. أرسل لي رسالة مختصرها أنه لا يستطيع التغيب عن عمله أكثر وأنه سيأتيني حالما ينتهي ليوصلني إلى بيت خال يونس.. لذا فإن الفرصة كانت مناسبة لمحاولة إيجاد حلّ للمشكلة التي تؤرقني.. فأنا بمفردي مع يونس.. لا بدّ من إيجاد شيء يحرّك مشاعري تجاهه.. فإن كان قد نجح هو لمَ لا أستطيع أنا؟.. كنتُ أتأمله أثناء حديثه معي.. أثناء قيلولاته القصيرة بسبب المسكنات.. وحتى أثناء تناوله للحساء الذي جلبته إيلاف في وقت الغداء.. إنه يمتلك كلّ ما تتمناه الفتيات.. وسامة.. أخلاق.. حسٌّ فكاهي.. والأهم.. لا يؤذي من يحبها.. صادقٌ بحبه لدرجة تُشعرني بالخجل من نفسي لعدم مبادرته لتلك المشاعر..
لكن تبقى الحقيقة المرّة واحدة.. وهي أنني لا أستطيع تبديل مشاعري وكأنني أبدّل ثياباً.. لو كانت المشاعر تحت أمرنا لما بقيَ حبي قائماً لنائل رغم الأذى الذي لقيته منه.. لا أستطيع النظر إلى يونس كما أنظر إلى نائل.. لا يخفق قلبي له كما يخفق لنائل.. وصدري لا يمتلئ بالمشاعر بمجرد رؤيته كما يحصل عند رؤية نائل.. أنا أحب يونس.. لكن ليس الحب الذي يطلبه مني.. فمنزلته في قلبي من منزلة رائد.. ولنائل منزلة خاصة تختلف بصفاتها عن منزلتيهما..
وبالرغم من ذلك فإنني لا أنوي رفضه.. سأمهل نفسي بعض الوقت.. يُقال بأن الوقت جدير بتغيير الكثير من المشاعر.. ربما مع الوقت يتلاشى حبي لنائل.. وربما تفكيري الجديد بيونس قد ينشئ مشاعر جديدة بعيدة عن الأخوّة.. لا أستطيع سوى التأمل..
نام يونس قُرَيب انتهاء موعد الزيارة.. فغادرتُ غرفته باكراً وتوجهتُّ إلى الاستعلامات.. لا بدّ أن أنظر في أمر التكاليف.. فرائد لم يعد يديرها بسبب وضعه الصحي.. وقفتُ عند الموظفة وسألتها عن التكاليف الجديدة لرائد.. قامت بالبحث عنه في الحاسوب وقالت:
ـ لا توجد فواتير جديدة له.
سألتها باستغراب:
ـ كيف ذلك؟
قالت وهي تنظر في الشاشة:
ـ يتمّ دفعها بشكل منتظم بحسب ما يظهر هنا.
زادت حَيرتي وأنا أسألها:
ـ لكن رائد ليس في وضع يسمح له بالقيام بهذه الأمور، كيف دفعها؟
ـ ليس السيد رائد من يدفعها، بل السيد نائل.
رفعتُ حاجبَي بدهشة.. نائل؟.. لمَ لم يقل شيء؟.. سألتها بحذر:
ـ منذ متى وهو يدفع تكاليف المشفى؟
ـ منذ أول مراجعة للسيد رائد.
أيعقل؟.. هل لرائد علم بالموضوع؟.. لا أظن.. فهو لن يقبل بشيءٍ كهذا.. سألتها:
ـ ما هو المجموع لكل الفواتير؟
أعطتني رقماً جعلني أفغر فاهي بصدمة.. إنه أضعاف المبلغ الذي جلبناه معنا.. كيف استطاع نائل دفع كل تلك التكاليف؟.. استأذنتُ من الموظفة ونزلتُ إلى الطابق الأرضي ببالٍ مشتت.. أحاول استيعاب الموضوع.. من أين له كل تلك الأموال؟.. هل اقترضها من كريسي؟.. أعادتني رسالة هاتفية إلى الواقع..