{رائد}
استغربتُ هدوء البيت.. وازداد استغرابي حين بحثتُ في أرجائه دون أجد أياً من ماسة ونائل.. عقدتُ جبيني حائراً.. ثم اتصلتُ بماسة لكنها لم تجبني.. اتصلتُ بنائل وكذلك لم أحصل على رد.. عاودتُ الاتصال بماسة.. مرّة.. اثنتين.. ثلاثة.. إلى أن أجابت قائلة:
ـ حركت موبايلي على كيفك.
قلتُ بانزعاج:
ـ وينج؟ لا انتي ولا نائل تجاوبون على تليفوناتكم.
ـ دا نتسوك.
ـ تتسوكون؟ شعندج رحتي وياه؟ حتى تظلين تتطلبين وتخسريه؟
ـ هو مو صوجك.. المهم.. بدل ملابسك على ما نجي، فد ربع ساعة ونوصل.
قلتُ مستغرباً:
ـ ليش أبدل؟
ـ رايحين لمكان حلو، تغير بيه جو.
ـ مالي خلك اطلع..
ـ هالطلعة مو متعبة، يالله بلا تضييع وقت روح بدل.
ثم قطعت الاتصال قبل أن أعترض.. تنهدتُ بتعب وعدتُ إلى الغرفة لأغيّر ثيابي..
*****
حسناً.. لو كنتُ أعلم بأن البحر هو وجهتنا لما أعترضت.. ولو كنتُ أعلم بأن المنظر بهذا الجمال لكنتُ أنا من طلب من نائل إحضاري إلى هنا.. بينما تساعد نائل وماسة على وضع فراش على الأرض وبعض الفواكه والمأكولات الخفيفة تقدمتُ إلى حافة البحر راغباً بالمزيد.. بالمزيد من صوت أمواجه.. بالمزيد من هوائه العذب.. بالمزيد من زراقه المنعش للروح.. جذبتُ نفساً عميقاً.. وكأنها المرة الأولى التي أتنفس بها منذ قدومي إلى هذا البلد.. آه ما أجمل خلق الله.. وما أروع ابداعه.. إن كان كلّ هذ الجمال في الأرض، فكيف هي الجنة؟..
ـ رائد!
التفتُّ إلى ماسة التي لوّحت لي بأن أنضمّ إليهما.. كانت قد فتحت علبة نوتيلا وملأت صحن ورقي بالفراوية التي غسلتها من ماء أحد القناني التي جلباها معهما.. سألتُ وأنا أجلس بينهما:
ـ عليمن هيج كلّفتي الولد؟
عبست ماسة مجيبة:
ـ هاي فوك ما دا اغيرلك جو.
ابتسم نائل وقال:
ـ من زمان مخططة لهالطلعة، لا تعكر مزاجها.
مددتُ يدي التقط قطعة من الفراولة وأتناولها أثناء تأملي للبحر.. عجيب أمر هذا المنظر.. كم يبعث بالراحة والاسترخاء.. اشتهيتُ اغماض عينَي لكن لم يطاوعني قلبي تفويت ولو لحظة من تأمل الأمواج الهادئة.. نهضت ماسة وقالت وهي تكفّ بنطالها قليلاً:
ـ ما يصير تظل بنفسي، رايحه أمشي عالماي.
ناديتُ خلفها أثناء مسيرها إلى حافة البحر: