الفصل الثالث عشر

261 37 59
                                    

{رائد}

كانت الحديقة صغيرة ومحاطة بجدران المشفى من اليمين والشمال وفي مقدمتها سياج خشبي يطلّ على مصف السيارات العملاق.. أثناء دخولنا إليها ألقيتُ نظرة من حولي.. الأرض مغطّاة بالعشب ويمتد عند كل جدار عدد من المقاعد الخشبية.. أما المنتصف فكان مخصص للأطفال بألعابه وأرجوحتيه الإثنتين.. يبدو أن الحديقة للأطفال أكثر ممّا هي للكبار.. المكان لا بأس به.. لكن لا أشعر بأنه يناسبني.. وكأنه مخصص للعوائل.. قلتُ لها متمتماً:

ـ شكراً، تعبتج وياي، ما راح أأخرج أكثر..

قالت وهي تتقدم:

ـ ماكو داعي للشكر، ما جايه بس علمودك.

راقبتها باستغراب وهي تتقدم إلى الألعاب.. للأرجوحتين بالتحديد.. ثم فاجأتني بجلوسها على احداهنّ وبدأت تتأرجح وكأنه أكثر أمر طبيعي تفعله أمامي.. قالت بابتسامتها التي يبدو أنني لا أكتفي منها مهما رأيتها:

ـ هذا مكاني المفضل.. كلما تصير عندي استراحة بالشغل اجي لهنا..

أخذت ترتفع أكثر وأكثر بأرجحتها.. قالت وابتسامتها تكاد تتحول إلى ضحكات:

ـ تعال جرّب، الهوا والشعور يجنن.

تمتمت وأنا أدلك ظهر عنقي:

ـ أتوقع تنكسر اذا اكعد عليها..

هذه المرة ضحكت.. وأنا لا أفهم لمَ ضحكاتها تدخل القلب كابتساماتها.. ما هذه الفتاة المرحة؟.. من أين لها كل تلك الإيجابية والحيوية؟..

ـ اذا انكسرت اني الاتحمل المسؤولية، يالله تعال.

جرأتها ذكرتني قليلاً بماسة.. إلا أن ماسة جرأتها سلبية وهذه جرأتها إيجابية.. فجرأة ماسة تؤدي إلى المعارك.. وهذه إلى السلام..

تقدمتُ بشيء من التردد.. ثم جلستُ على الأرجوحة المجاورة لها.. دون أن أهزها.. وضعت قدميها على الأرض توقف أرجوحتها ثم نظرت إليّ متسائلة:

ـ بس لا تسمي كعدتك هاي تمرجح؟

امتعضت وقلت:

ـ بلكت شافنه أحد من الشبابيك؟

ـ ولا يهمك، محد يعتب على المرضى، وهذا السبب اليخليني آخذ راحتي هنا، كل اليشوفني عباله اتعالج بالمستشفى واحتاج أرفه عن نفسي.

أطلتُ النظر إليها.. إنها.. محبوبة.. شيءٌ فيها يحبب المقابل فيها.. والآن فهمتُ سبب تواصل ماسة معها وانشدادها إليها.. ببطءٍ بدأتُ أدفع بقدمَي لتتحرك الأرجوحة بي.. فقالت إيلاف متحدية:

ـ هاي كل قوتك؟

ابتسمت وقلت:

ـ كأنج دا تتحديني؟

لاحت روح التحدي في عينيها البنيتين وهي تقول:

ـ محد يكدر يفوز عليه.

اتكئ على كتفيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن