الفصل الثامن عشر

251 41 98
                                    

{يونس}

جلستُ طويلاً وأنا أنظر إلى اللاشيء.. أنتظر نيران صدري لتخمد.. أنتظر أفكار عقلي المتهورة لتهدأ وتعود إلى صوابها.. فلقد أفسدتُ الأمور بما يكفي.. أغمضتُ عينَي وجذبتُ نَفَساً طويلاً.. ثم نهضت.. دخلتُ المطبخ وفتحتُ إحدى الخزانات أخرج منها كيس بوشار.. وضعته داخل الميكروويف وقمتُ بتشغيله ثم توجهتُ إلى غرفة ماسة.. طرقتُ الباب وقلت:

ـ تعاي نتابع فلم.. دا اسوي شامية.

انتظرتُ سماع إجابة.. لكن الصوت الوحيد الذي سمعته كان لأكياس.. فتحتُ الباب وقد استنتجتُ ما تفعله.. ولم أكن مخطئاً.. إنها تجلس عند المجر وتأكل الشوكولا.. وحولها أكياس فارغة لأشباس وشوكولا.. عادةً لا أمنعها.. فهذه طريقتها للتخفيف من الضغط النفسي والتوتر.. لكننا تناولنا الغداء قبل قليل وتناولها لهذه الكمية من المأكولات الضارة لن ينتهي على خير.. تقدمتُ إليها وانحنيتُ أغلق المجر بلا تردد.. دبّ الغضب في عينيها وبدأت تتدافع معي لتحاول فتح المجر.. لكني قاومتُ قدر المستطاع إلى أن اضطررتُ للإمساك بمعصميها أحبس حركتها بيدَي.. ثم رأيتها.. الدموع المتجمعة في عينيها التي تنظر إليّ بغضب.. كلا.. ليس غضب.. إنها الخيبة.. الخذلان.. تلوّى قلبي ألماً.. لكني ما زلتُ متمسكاً بموقفي.. لن أتراجع وأعتذر.. عليها أن تفهم أن ما حصل غير مقبول.. قلتُ بلطف:

ـ أطلعج بره؟

هزّت رأسها بالرفض ولاحظتُ رجفة في شفتيها المقوسة إلى الأسفل.. تجاهلتُ لوعات قلبي وقلت:

ـ شنو ترديني أسويلج؟

نطقت بصوت مختنق:

ـ ظل يمي.. بس بعدني معصبة منك.. 

أومأتُ برأسي واعتدلتُ الجلوس:

ـ ماشي، اني يمج.. عصبي عليه شكد ما تردين.. 

لكن بدل أن تفرغ غضبها بي مالت إلي الأمام تسند جبينها على كتفي.. وسمعتُ بكاءها الخافت.. وكأنها تكتمه قدر المستطاع.. ماسة التي لم أعتد رؤيتها باكية تبكي أمامي مرّتين في فترة قصيرة.. مرض رائد يكسرها مرة بعد مرة.. رفعتُ يدي ومسحتُ على رأسها برفق.. قلبي يعتصر لبكائها.. يتمنى لو يقف في وجه كل ما يحزنها.. لكنه يقف عاجزاً.. متألماً.. ابتعدت عن كتفي بشكل مفاجئ ونظرت إليّ بقلق:

ـ شنو هالريحة؟

عقدتُ جبيني بعدم فهم:

ـ يا ريحة؟

ـ ريحة حرگ..

اتسعت عينَي بفزع.. ثم نهضتُ سريعاً وهرعتُ إلى المطبخ.. تجمدّ جسدي حين رأيتُ الميكروويف قد اشتعل داخله بالنيران.. ثم سمعتُ شهقة ماسة خلفي وبسببها تحرّرتُ من صدمتي وأسرعتُ إلى الميكروويف.. هتفت ماسة قبل أن أفتح بابه:

ـ اشلع الكهرباء أول!

فعلتُ ما طلبت ثم فتحتُ باب الميكروويف وحاولتُ إخراج كيس البوشار لأرميه في حوض الغسل..  لسعتني النيران بألسنتها وزادني صراخ ماسة فزعاً.. لكنني لم أتوقف عن محاولاتي.. حتى نجحتُ برميه في الحوض وفتحتُ الماء عليه.. صدمتني النيران بارتفاعها أكثر حتى كادت تلتهم وجهي.. جرّتني يد ماسة إلى الخلف بعنف وصرخت بي:

اتكئ على كتفيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن