الفصل الثامن والعشرون

209 34 85
                                    

قضيتُ لحظات طويلة في مكتبي دون فعل شيء سوى الشرود في شاشة الحاسوب.. صدري ممتلئ بالفوضى رغم محاولاتي لترتيب الأمور.. فكري لا يكفّ عن السفر عبر القارات إلى والدي الذي غادرنا بغتة.. ثم يعود عبر القارات لتتردد في رأسه كلمات ماسة هذا الصباح.. لكن كلّ شيء في داخلي يصرخ بالرفض.. يرفض مسامحتها على قرارها.. فأنا إن تزوجتُ بكريسي فكان رغماً عني ولم أقربها.. أما هي.. فاتخذت القرار بنفسها دون إكراه.. وكان القصد زواج حقيقي.. كيف قبلت بتلك الفكرة وهي تدعي حبي؟.. كيف تريد مني أن أسامحها بعد تهورها بقرار كارثي كالذي اتخذته؟.. إنها محقة.. ليس مقدّرٌ لنا أن نكون لبعضنا.. اعتدلتُ في جلوسي وبدأتُ أبحث بالحاسوب عن عروض عمل.. لرائد فقط.. فعقد عملهما سينتهي اليوم هو وماسة.. لأن الاتفاقية بيني وبين كريسي انتهت.. ولا بدّ من تدبير أمر رائد.. أما ماسة.. فسأبعثها مع يونس إلى العراق في غضون أيام.. لينتهي هذا العذاب.. ولأمضي في حياتي هنا بعيداً عن الأذى الذي لا طاقة لي عليه..



{يونس}


رغم نصيحة ماسة إلا أنني لم أستطع تركه وحده.. بقيتُ في بيت خالي حتى المساء وحين صعدت ماسة وبراء للنوم استأذنتُ من خالي بحجّة زيارة المقهى مع نائل ورائد.. ثم استأجرتُ سيارة وانطلقتُ إلى بيت نائل.. وقفتُ أمام بابه وضغطتُ على الجرس.. عدّة مرات.. دون أن يفتح الباب.. عقدتُ جبيني بحَيرة.. أين يمكن أن يكون؟.. الوقت متأخر.. هل يكون قد نام؟.. ضغطتُ على الجرس من جديد.. وبعد ضغطتين أخرتين فتح الباب أخيراً.. لا يبدو لي أنه كان نائماً.. لكن لا يبدو سعيداً برؤيتي.. قال باقتضاب:

ـ الوقت متأخر.

تلعثمتُ مجيباً وأنا أدلك ظهر عنقي:

ـ ردت اتطمن عليك..

ـ ما بيه شي.

ما هذا الجفاء؟.. إنه حتى لم يدعوني للدخول.. ربما ماسة محقة.. إنه لا يرغب برؤية أحد.. لكني لم أستسلم.. دفعتُ الباب قليلاً ودخلت قائلاً:

ـ مبين ما ماكل شي، خل اسويلك شي عالسريع وبعدين اروح.

اعترض قائلاً:

ـ يونس.. الأفضل تروح.. اريد اكون وحدي.

خلعتُ حذائي وتوجهتُ إلى المطبخ:

ـ اعتبر نفسك وحدك، ما راح أكون يمك.

سمعتُ زفيره وهو يستسلم أمام إصراري.. فتحتُ ثلاجته وامتعضتُ حين اكتشفت قلّة محتوياتها.. انتهى بي الأمر أن أعددت البيض المقلي مع شاي مهيّل ومعهما رغيف خبز.. وضعتهم في الصينية وذهبتُ إليه.. كان يجلس على الأريكة.. والحاسوب على ساقيه.. يعمل على شيء.. هل هو في وضعٍ يسمح بالعمل؟.. أم هذه طريقته للتهرب من التفكير بفقد والده؟.. وضعتُ الصينية على الطاولة وجلستُ بجانبه.. قلتُ وأنا أملأ كوبه بالشاي:

اتكئ على كتفيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن