الفصل التاسع عشر

269 34 127
                                    



{ماسة}

كانت أصابعها تدلّك جبينه بكلّ رقة.. ولم تتوقف حتى حينما رأتنا.. ابتسمت ورحّبت قائلة: 

ـ صباح الخير، لم نتوقع عودتكم بهذه السرعة..

فتح نائل عينيه ونظر إلينا بعدم تركيز.. ثم استوعب ما يجري ورفع رأسه عن حجرها.. متمسكاً بظهر الأريكة ليعينه على الجلوس.. كيف سمح لها؟.. هل تدخل تلك الخدمات ضمن الصداقة؟.. دخل رائد قبلنا فهمس يونس لي:

ـ هي هاي كرسي؟

أجبتُ وأنا أخلع حذائي بجسدٍ متصلب يحاول كتم غضبه:

ـ كريسي مو كرسي..

ـ معقولة صديقته بس؟

ـ اي، صداقاتهم بالخارج ما بيها حدود الظاهر..

ـ ونائل صار مثلهم؟

لم أجبه.. دخلتُ المطبخ لأملأ جوفي بالماء البارد.. في محاولة فاشلة لتبريد صدري.. سمعتُ حديثهم حين سأل رائد عن صحة نائل فأجابت كريسي بالنيابة عنه:

ـ ليس بخير أبداً، إنها المرة الأولى التي أراه فيها بهذا الحال.. لقد فوّت لقاءنا الأخير بالأستاذ وسيحضر المناقشة بعد يومين بلا توجيهات أخيرة..

قال رائد مطمئناً:

ـ متأكد من أنه سيقوم بعمل جيد على أي حال، المهم أن تتحسن صحته ويتمكن من حضور المناقشة..

ثم سمعتُ تعارف كريسي على يونس واستغرابها من أن الجميع يسكن شقّة نائل.. ثم مزحت وقالت بأن الشقة تنقصها فقط..

ظهر رائد عند الباب واستغرب وقوفي بجمود مع كوب الماء.. سألني بشكّ وهو يسير نحوي:

ـ شدا تسوين؟

تركتُ الكوب عني وتمتمت:

ـ ولا شي..

هممتُ بالخروج.. لكنه امسك بذراعي يستوقفني.. نظرتُ إليه باستغراب.. فقال بصوتٍ منخفض:

ـ لا تضوجين..

ـ من شنو؟

ـ من الشفتيه..

أشحتُ بوجهي عنه وقلت:

ـ ليش حتى أضوج؟ حياته وهو حر بيها.

ثم سحبتُ ذراعي من قبضته وخرجتُ من المطبخ.. انضممتُ إليهم في غرفة الجلوس.. وجلستُ بين نائل وكريسي.. في المكان الصغير الفارغ بينهما.. تجاهلتُ نظراتهما ونظرات يونس الذي يجلس بجانب نائل وأخذتُ جهاز التحكم من على الطاولة لأقوم بتشغيل التلفاز.. تمتم يونس بنبرة منقبضة:

ـ عيب من البنية جعصتيها، غيري مكانج..

قلتُ ببساطة:

ـ ماكو غير مكان.

ـ كعدي بالكاع.

ـ اكعد انته، شكو تكعدني بالكاع.

نهض نائل متنحنحاً واستأذن ليأخذ حمّام علّه يساهم في تحسين حالته.. فابتعدتُ قليلاً عن كريسي مقتربةً من يونس.. عاد رائد بصحن من الفواكه وقنينة من المشروب الغازي.. الوحيد بيننا الذي فكّر بتضييف كريسي.. نظرتُ إليها وقلتُ ببراءة:

اتكئ على كتفيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن