{ماسة}
كانت الشقة صغيرة.. لكنها منعشة بنظافتها ومريحة ببساطة أثاثها.. يبدو أن نائل الشاب لا يحب كثرة الأثاث ويكتفي بالأساسيات فقط.. جلتُ بعينَي في الأرجاء حتى لفتت الصور المعلقة انتباهي.. اقتربتُ منها وتأملتها بفضول.. يبدو أنهم الأشخاص الذين أخذوا مكاننا بعد تخليه عنا.. شاب بأنف طويل وابتسامة مراوغة كنظرته.. فتاة بشعر أسود قصير مموّج بدت من أصول عربية.. وأخيراً فتاة بملامح أجنبية.. شعر ناعم باللون الكستنائي الفاتح وعينين زرقاوتين.. كما أنّ أنفها رفيع وحاد وشفتها العليا أرفع من السفلى.. توحي الصور إلى أن علاقتها بنائل قوية.. أقوى من الآخران.. مرّ نائل بجانبي بعدما أدخل حقائبنا إلى غرفته فاستوقفته متسائلة:ـ هذوله حبايبك الجدد؟
لاحظتُ امتعاضه قبل أن يجيب:
ـ اصدقائي بالجامعة.
أشرتُ إلى الفتاة الأجنبية وقلت:
ـ متأكد هاي بس صديقة؟ اليشوفها شلون منتجية عليك يكول علاقتكم روح بالروح.
رفع حاجباً مستنكراً:
ـ يعني إذا حطّت إيدها على كتفي صرنا روح بالروح؟
هززتُ بكتفَي.. فقال وهو يميل برأسه متحدياً:
ـ ياما جنتي تخلين ايدج على كتفي، شو ما جان هذا تفسيرج لهالحركة؟
أزعجتني مقارنته.. فقلتُ بجفاء:
ـ تقارن تصرفات طفلة وي طالبة جامعية؟
ـ معناتها لا تبدين بتحليلات مو منطقية، روحي بدلي على ما أطلبلكم دليفري.
قلتُ بلهفة:
ـ شنو راح تطلب؟
لاح طيف ابتسامة على شفتيه وهو يقول:
ـ اكو شي بنفسج؟
ـ أكيد مو فلافل ولا أكل هندي.
ضحك فذكرتني ضحكته بأيامٍ قد خلت.. بأيامٍ جميلة جداً.. أيامٍ يشتاق إليها قلبي دائماً.. إنه نائل.. وفي الآن ذاته شخص مختلف تماماً.. شخص ناضج وصاحب كاريزما.. وكأنه كبر عشر سنوات في فترة مكوثه في الغربة..
*****
اكتشفتُ لاحقاً بأنني لم أكن منسية تماماً.. فصورتي كانت معلقة في غرفة نومه.. ولم أستطع كتم ابتسامة منتصرة وأنا أتلذذ بحقيقة أنني هزمتُ صاحبة العينين الزرقاوتين رغم بُعدي.. فوجود صورتي في غرفته يعني أمرين.. أولاً أنني أقرب إليه منها.. ثانياً أنه لا يعرضني لمن هبّ ودبّ في غرفة الجلوس بل يحتفظ بصورتي بغرفته الخاصة.. ومع تلك المشاعر المنعشة أخذتُ أرتّب ثيابي في الجزء الذي تم تخصيصه لي من الخزانة وقمتُ بترتيب ثياب رائد بالجزء الآخر وبقيَ الجزء الأخير لنائل.. تناولنا بعدها وجبة بريطانية مشهورة بطلبٍ مني.. فيش أند شيبس.. ثم تركتُ رائد ونائل يتسامران في الشرفة ورحتُ أتمدد على الفراش الذي جهزه نائل في غرفته لمن يختار النوم على الأرض.. بالطبع اخترتُ أن يكون الفراش لي والسرير لرائد.. لقد سبق واتصلنا بوالدينا لنطمئنهم.. أما الآن فحان الدور لأطمئنَ يونس.. جاءني صوته متلهفاً: