{يونس}
للحظة تلاشى العالم كله من حولي.. والحضن وحده أصبح عالمي.. لا يشعر جسدي إلا بجسدها.. ولا يُسمع في أذني إلى خفقات قلبي التي جنّ جنونها.. لكن عدتُ إلى الواقع مع صوت بكائها.. ففزعتُ وبدأت الأفكار تتضارب في رأسي.. ما الذي يبكيها؟.. من الذي أحزنها؟؟.. نظرتُ سريعاً ناحية نائل وسألته:
ـ شبيها؟
هزّ الآخر برأسه بتعب وأغلق الباب.. حاولتُ ابعاد ماسة عني وأنا أسألها:
ـ معقولة هالكد مشتاقتلي؟ لو اكو غير سبب لهالبجي؟
ابتعدت عني وقد تذكرت سؤالاً مهماً:
ـ شلون اجيت؟؟
امتعضتُ لعدم قدرتي على رؤية دموعها وقلت:
ـ بالله هو هذا وجه؟ روحي غسليه وبعدين نحجي.
عبست وقالت:
ـ أحلى من وجهك.
لكنها ذهبت لتغسله.. فألقيتُ التحية أخيراً على نائل.. كانت نيَتي معانقته.. لكننا اكتفينا بالمصافحة والقبلات عند الوجنتين.. وكأنه لم يكن يوماً من أقرب الناس إليّ.. وكأنه ليس لقاؤنا الأول بعد فراق سنين.. سألته وأنا أبحث بعينَي في المكان:
ـ وين رائد؟
ـ اليوم أخذ الجرعة الأولى، ووضعه الصحي استوجب يبقى بالمستشفى.
قلتُ بحسرة:
ـ هذا سبب بجي ماسة؟
أومأ برأسه.. ثم أخذ حقيبتي وأدخلها وهو يدعوني إلى غرفة الجلوس.. كان العشاء الذي لم يتم لمسه بعد يزيّن الطاولة.. وجبة سريعة من السباكيتي وصلصة اللحم.. جلسنا على الأريكة فسألني أخيراً:
ـ شلون اجيت؟ شو ما كلتلنه شي؟
هززتُ بكتفَي:
ـ عود ردت اسويها مفاجأة، بس الظاهر الوقت مو مناسب للمفاجآت..
عادت ماسة إلينا بوجهٍ يخلو من الدموع.. لكن أنفها ظلّ محمراً وكذلك عينيها.. جلست بجانبي ورغم آثار البكاء كانت تبتسم وهي تسألني:
ـ سويتها؟
قلتُ ببراءة:
ـ شنو سويت؟
ـ خليت خالك يسويلك دعوة؟
غمزتُ لها:
ـ خطيرة.
ابتسمت بغرور قائلة:
ـ محد يعرف بسوالفك بكدي، شوكت اجيت؟
ـ قبل يومين، بالكوه قنعت خالي يجيبني الكم اليوم.
ـ بس لا راح ترجعله بعدين؟
ـ لا، زيارات قصيرة اروحله، بس باقي يمكم.