الفصل الثاني والعشرون

244 35 40
                                    



اللمفومة.. هذا ما ترجمه لنا نائل حين وضّح لنا الطبيب ما أظهرته الفحوصات الأخيرة لرائد.. لقد اكتشفوا سرطان جديد في جسده.. وهذه المرة في الجهاز اللمفاوي.. إنه حتى لم يتعافى من الأول ليظهر واحدٌ آخر.. تابع الطبيب قائلاً:

ـ يتوجب علينا الآن وضع خطّة جديدة لعلاجه.. ستتضمن تكثيف العلاج الكيميائي وبعد فترة نقوم بعملية زرع النخاع لمحاربة الكتل السرطانية.. هذا يعني أنه ربما لن يغادر المشفى لفترة طويلة، وعلى جميع الأطراف أن يكونوا مستعدين لمرحلة صعبة من علاجه.. مهمتكم أن تكونوا إلى جانبه في أوقات الزيارة وتخفّفوا عنه.. فالجانب النفسي لا يقلّ أهميةً عن الجسدي.. 

تابع الطبيب حديثه.. لكني لم أعد أسمعه.. استقرّت عيناي على وجه رائد النائم.. أتراه يسمع ما يُقال؟.. كيف سيتقبل هذه الأخبار المدمرة؟.. كيف.. سأتقبلها أنا؟.. كيف سأصمد وأبقى أتظاهر بالقوة أمامه؟.. كيف ووجه الطبيب لا يُبشر بالخير؟.. وكأنه يقول "سأفعل ما بوسعي، لكن لا تتأملوا كثيراً"..

غادر الطبيب.. وقضينا وقت طويل في الغرفة مع رائد.. وربما سمعتُ أحاديث.. وربما حاول يونس ونائل مخاطبتي.. لا أعلم.. فأنا لم أعد أشعر بشيءٍ من حولي.. وكأن الأصوات بعيدة للغاية.. وكأن عيني لا ترى سوى وجه رائد.. متى سيستيقظ؟.. هل سيستيقظ قبل انتهاء موعد الزيارة؟.. افتح عينيك أرجوك.. لا أريد الذهاب دون سماع صوتك.. ماذا لو أصبح الوقت عدونا؟.. ماذا لو صوتك فارقني يوماً؟.. هل يمكن للحياة أن تستمر بعدك؟.. 

شعرتُ بيد تستقر على كتفي.. فرفعتُ رأسي ورأيتُ نائل.. يقف عندي والقلق يطغى على معالمه.. ما زال في بدلته الأنيقة.. ويبدو أنني ما زلتُ في فستاني.. كلانا يرتدي السواد.. وكأننا في عزاء.. تلفتُّ من حولي أبحث عن يونس.. لكني لم أجده.. نهضت بقلبٍ منقبض:

ـ وين يونس؟

ـ راح للحمام، بعد شويه يخلص وقت الزيارة.

يونس.. إني بحاجة إلى يونس.. لكن كان لا بدّ من مواجهة نائل قبل عودة يونس.. سألته بنبرة ميتة:

ـ انته متزوج كريسي؟

بمرارةٍ تأملتُ صدمته.. صدمة معرفتي بحقيقة ما أخفاه.. 

ـ كريسي كالت؟

ـ نائل.. جاوبني باختصار رجاءً.. لأن أبد مالي خلك.. انته متزوجها؟..

مسح على ذقنه بضيقٍ واضح وقال:

ـ مو الزواج الي ببالج.. بس زواج منقطع.. 

نظرتُ إليه باشمئزاز.. بخيبة لم أشعر بمثلها يوماً.. وهمست:

ـ وكأن هالشي راح يقلل من فظاعة الموضوع.. ممكن أتوقع الخداع من الكل.. إلا منك..

حاول قائلاً:

ـ ماسة..

لكني حملتُ حقيبتي واستدرتُ أغادر الغرفة.. فتحتُ الباب في اللحظة التي عاد بها يونس.. سألني باستغراب:

اتكئ على كتفيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن