الفصل الحادي والعشرون«هل يستحق؟»

792 72 18
                                    


متنسوش التفاعل يا حبايبي
صلوا على النبي
ــــــــــــــــــــــــ

هناك قدر، وهناك اختيار
فإن كان قدرك الشقاء، فإجعل هزيمته اختيارك.

***✿***✿***✿***

وكأن الجدران تتحرك وتتحرك لتقترب من بعضها وهي بالمنتصف، حتى أصبحت الغرفة ضيقة عليها، وشعرت وكأنها لا تستطيع حتى أن تلتقط أنفاسها، منذ عودتها من مقر دفن والدتها الحبيبة الراحلة، وهي تجلس تنظر للفراغ بتيهٍ شديد، لا تعِ بأي مكان هي، ولا بأي زمان.

فما نفع المكان وأصحابه راحلون، وما قيمة الزمان ولا يشاركنا به أحبائنا.

جلست على فراشها، تواسيها دموعها التي فقدت السيطرة عليهن، ولربما هي لا تستطيع سوى أن تبكي، تعبيرًا عن حالتها، ولكن في هذه الحالة وبهذا الوقت، لا يفيد البكاء، أو حتى الحديث، فلا شيء سيعيد لها والدتها الراحلة.

دلفت حماتها للغرفة، بعدما طرقت الباب، وجلست بجانبها على الفراش، تنظر لها بحزن، قائلة بمواساة:

"بطلي عياط بقى يا أمينة، عنيكي دبلت من العياط، هيفيد بإيه يا بنتي اللي إنتِ عملاه في نفسك ده! إدعيلها يا بنتي ربنا يرحمها"

(الله يرحمها)
جملة ترددت على مسامعها اليوم كثيرًا، وهي تأبى أن تصدقها، أو حتى تجيب عليها، لازال عقلها لا يستوعب رحيلها بهذا الشكل، وتركها بمفردها، وحيدة، شريدة، ضائعة، تائهة في أرض غريبة رغم انتمائها إليها.

اجفلت من شرودها على صوت حماتها مرة أخرى:

"قومي يا بنتي، استهدي بالله وإغسلي وشك، وتعالي معايا في ناس عايزة تعزيكي"

قالت جملتها وهي تمسك بيديها، فسارت معها في طريقهما للمرحاض، لكي تغسل وجهها بالماء، وكأنها مغيبة، ثم خرجت لتجد ردهة المنزل تمتليء بأُناس يجلسون على الكراسي، والأرائك، بزيّهم الأسود، منهم من يبكي، ومنهم من هو شاردًا، والحزن يخيّم عليهم جميعًا، عَلت أنفاسها، وصدرها يعلو ويهبط بوضوح، وكأنها بدأت للتو أن تدرك مُفارقة روح والدتها للحياة.

جلست على أريكة متوسطة الحجم بجانب حماتها، وكان ردّها على من يُعزّيها في والدتها إماءة من رأسها فقط، فحتّى الكلمة لم تقدر على نطقها.

بالأسفل عند الرجال، كان «عمرو» واقفًا في الصفوف الأولى، ليأخذ العزاء، إِبان ذلك ناداه أحد الشباب، والذي يقطن معه في نفس الشارع، ذهب إليه ليتحدث الشاب بخفوت وهو يمسك بحقيبة بلاستيكية يمدها إليه:

حكايات خلف الأسوار(مازال للحكايات بقية) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن