الفصل الثامن«زواج»

879 78 23
                                    

كتبت مي زيادة للعقاد:  لماذا تكتب لي أنتي و ليس أنتِ؟

فأجابها العقاد:  يعز علي كسرك حتى في اللغة.

*********

لطالمنا أردنا أن نحتفظ بالجانب المظلم لأنفسنا، نكتم الكثير من الاحاديث بداخلنا حتى لا نلقى نظرات الشفقة من الآخرين.

صباح اليوم التالي

جلس «يونس» على الفراش بعدما أخذ حمامه، وبدل ثيابه لأخرى مريحة، رفع ساق البنطال الذي يرتديه، فظهرت الساق الصناعية الذي يضعها مكان ساقه المبتورة، نظر لها بحزن ثم شكر الله في سرّه، ولكنه تذكر  مرضه، وكبف عانى وصارع المرض إلى أن إنتصر عليه ولكن كان الثمن ساقه.

ــــــــــ عودة بالذاكرةــــــــــ

منذ خمس سنوات

_للأسف المرض في حالة متأخرة.. ومحتاج عملية

كان هذا حديث الطبيب الذي وجهه لـ«يونس» وعائلته، خيم صمت حزين عليهم للحظات، حتى سأل والده:

_طب نسبة نجاح العملية قد ايه

_لا من الناحية دي متقلقش.. نسبة النجاح عالية تصل لـ ٩٠%.. بس  المهم انها تتم في أسرع وقت قبل ما السرطان ينتشر اكتر من كده

ـــــــ عودة ـــــــــــ

عاد من ذكرياته وهو يحمد الله في قلبه، لكن ثمة شرخ في روحه بسبب ذلك الأمر، سنون مرت ومازال يعاني إثر بتر ساقه اليسرى، بسبب ذلك المرض اللعين الذي توغل في جسده، تذكر كم مرة تعرض للسخرية من الآخرين إن علموا بالأمر، كم مرة تلقى نظرات الشفقة والحزن على حاله، وكانت تلك النظرات تكاد تقتله، فشخصية «يونس» بطبعها، لا يحب أن يشفق عليه أحد، أو يكون أحد ذا فضل عليه، فلا فضل لأحد عليه سوى الله ووالديه فقط، تذكر أيضًا من ود أن يتقدم لخطبتها، فرفضته بكل قسوة، لا يزال يتذكر حديثها جيدًا حين قالت له«لن أتزوج برجل معاق»، مسببًا ذلك ألم كبير في قلبه لم يزُل حتى الأن

والحقيقة أن لا أحد يتقبل عيوبك، ليس هناك من يرافقك ويقبل بكَ، ليس هناك من يحبك، وإن حدث فهو يحب أن تكون كما رسمك في خياله، ولكن عندما يرااك على ارض الواقع، ينفر منك، يخبرك أنه لا يستطيع أن يتعايش معك

ليس فينا من هو متكامل الصفات الحسنة، فالكمال لله وحده، كلنا لدينا نقاط سوداء في حياتنا، كلنا مذنبون، ويجب أن ندرك ذلك جيدًا ونتقبله، خيرًا من أن نتقمص دور القاضي والجلاد معًا، ونعاقب الآخرين على أشياء ليس له ذنب فيها.

***✿***✿****✿****

إستيقظت «أمينة» بألم في جميع أنحاء جسدها، ولكن ألم ذراعها الأيسر كان أشد وأصعب، فأصبح مزينًا بعلامات زرقاء ولا تستطيع تحريكه حتى، نهضت من على الفراش بصعوبة، ودلفت للمرحاض تود الإستحمام، خرجت بعد عدة دقائق وإرتدت ثيابًا غير التي كانت ترتديها، جلست على الفراش مرة أخرى تنعي حظها، تبكي ضياع مراهقتها، وتدمير شبابها، وتشويه أنوثتها، تبكي حياة لم تعشها قط، كل أحلامها الوردية التي لطالما رافقتها في طفولتها ومراهقتها ذهبت سدى، كل ما بنته في خيالها هُدم على رأسها في الواقع، لم تحظَ يومًا بحياة هادئة فكانت طفولتها خالية من والدها الذي قام بتطليق والدتها لأنه رجل فاسد لا تستطيع العيش معه، بعدها وجدت نفسها أمًا لأخيها، عندما خرجت والدتها للعمل من أجل إطعامهم، كانت تعتني بأخيها الذي يصغرها بأربع سنوات، كانت في عمر العاشرة عندما حدث ذلك، حُرمت من حنان الأب ووجوده، أصبحت تعول نفسها ولا تحمل والدتها شيئًا، فكانت والدتها من المسئولية التي تقع على عاتقها وحدها، فكانت تخرج للعمل صباحًا ولا تعود إلا مساءًا، حيث كانت تعمل بوظيفتين حتى تسد حاجتها هي وأولادها، تذكرت عندما ذهبت لمدرسة أخيها وتحمل الأوراق الخاصة بدخوله للمدرسة، فوالدتها لم تكن متفرغة، ووالدها لم يسأل عليهم قط، ولا يجيب إتصالاتهم، ذهب ولم ينظر لأولاده نظرة واحدة، تاركًا إياهم مع إمرأة قليلة الحيلة، ليس لديها حتى شهادة تعليم تعمل بها في أي مكان، قدمت أوراقه للمدرسة، وإعتنت به وبمذاكرته، إلي جانب تعليمها، كانت تحاول تقليد والدتها وتصنع لهم طعامًا إلي أن أصبحت ماهرة في سن الخامسة عشر، أنهت تعليمها الإعدادي وإكتفت بإلتحاقها بإحدى مدارس التعليم الفني، حتى لا تزيد المسئوليات على والدتها، أنهت تعليمها في عمر السابعة عشر، كان وقتها أخيها بعمر الثالثة عشر، وإلتحق هو الآخر بمدرسة كالتي دلفت هي إليها، أنها تعليمهما، وأصبح كل منهما يعمل إلي جانب عمل والدته، أصبحوا مكتفيين بذاتهما، يأويهم الشقة المؤجرة التي يسكنون فيها، ويدفعون قسطها مما يدخرونه، عاشوا في إمان رغم المعيشة الضنكة ولكنهم كانو يشكرون ربهم على ما هما فيه، إلى أن دق أحد شباب الإسكندرية بابهما، يخبر والدتها أنه يود التقدم لها، وتم الزواج كأي زواج تقليدي،وكان خالها هو وكيلها بدلا من والدها الذي لم يكلف نفسه عناء أن يحضر زفافها، وإنتقلت الفتاة من منزلها إلى حيث يعيش زوجها، ذهبت لبيته وعاشت في أمان لبضعة شهور حتى أنها أحبته، ولكنه أزال قناع الإحترام من على وجهه، وخلع ثوب الرجولة، وأصبح على النقيض معها في كل شيء، أصبح يتطاول عليها بالحديث، وأحيانًا باليد، إلي أن أصبح هذا روتينها اليومي، إذا إعترضت على حديثه، تتلقى الصفعات والركلات، كالحيوانات، بل نحن نرفق بالحيوان قليلًا، لم يكن لديها رفيق سوى الدموع، والألم الذي لازمها طوال حياتها، حتى عندما إنتوت الطلاق من ذلك المستبد، حدثت مشاكل كبرى بين والدتها وأخيها، وسرق أموالها ليصرفهم على المحرمات، مالخمور والنساء، واصبحت والدتها تعيش ببيت آخر مستأجر أيضًا، فلم تعرف لأين ستذهب، خاصة أن والدتها قد أخبرتها أنها لن تتحملها بطفلتيها، فأصبحت كطفل شريد في أرض ليست وطنه، يتيم ووالديه على قيد الحياة، لقيط له عائلة ولكنه لا يعرف طريقها، فيصبح لقيطًا شريدًا في حياة لا ترحم أحد.

حكايات خلف الأسوار(مازال للحكايات بقية) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن